ألقى عليه عباءة حريريّة سوداء اللون ثمّ ترك غرفة النوم يحمل هاتفه يخرج إلى الحديقة مع تباشير الصباح الأولى يعد نفسه بجلسة هادئة افتقدها بشدّة بعد مكوثه في المستشفى ما يقارب الشهر. أخذ مكانه المعتاد تحت الدالية يسعد بأعذب الأوقات تعيد إليه نمط عاداته السابقة إنّما مع تغيير جذريّ أعطى حياته ضمان العيش بعد شفائه التامّ من ذلك المرض المشؤوم. بات الآن حرّ القرار واثق الخطوة قادرًا على إطلاق الوعود وتنفيذها من دون أن يخشى عليها جهل المصير.
أطلّ جينغار من الداخل يحمل القهوة إلى الأديب يلقي تحيّة الصباح بوجه تعلوه ملامح الحبور:
-نوّرت بيتك سيّدي، سيجهز الفطور خلال دقائق، أظنّ حضرتك قد اشتقت إلى القهوة الصباحيّة
وقبل أن يضع المدبّر الفنجان على الطاولة أشار له الكريملي بالتوقّف يقول بصوت يمتزج بين الامتنان والحسم:
-شكرًا جينغار لكن لن أشرب القهوة قبل تناول الفطور، بدءًا من اليوم سأحرص على احترام تعليمات الطبيب
-كما تشاء سيّدي، حتمًا هذا أفضل لصحّتك، دقائق قليلة وآتيك بأشهى فطور على الإطلاق
دخل المدبّر المطبخ على الفور وترك سيّده مع أفكاره الورديّة تحمل إليه كلام ملهمته وهي تودّعه في آخر زيارة إلى المستشفى قبل عودتها إلى اسطنبول منذ ثلاثة أيّامٍ: " أرجوك، إعتنِ بنفسك جيّدًا، عدني أنّك لن تشرب القهوة على معدة فارغة، عدني أنّك ستحاول التخفيف من التدخين... أرجوك، يجب أن تنفّذ تعليمات الطبيب بحذافيرها... دعني أعود وأنا مطمئنّة البال".
نهض عن المقعد باسم الثغر تسبقه نظراته الهادئة إلى شتلة الكاردينيا تحنّ إلى جوارها الناعم، وحين لامست أصابعه طراوة بياضها النابض بالحياة قرّب أنفاسه يشتمّ شذا عطرها الفوّاح يخبّئ عبيرها في ثنايا الوجدان يمدّه بشيء من الصبر يرطّب غياب ملهمة الروح. وما إن عاد إلى مكانه حتّى تناول هاتفه يسجّل رسالة خطّيّة حمّلها كلّ الاشتياق أمّنها على مشاعره المتّقدة تترقّب بفارغ الصبر انقضاء أسبوع الراحة لتحظى بلقاء الحبيب: " صباح الأنوار ملهمتي... أراك ماثلةً أمامي تطوفين بين الشتول وألوان الأزهار تباركين صباحي تنيرين يومي تجودين عليّ بأسمى الحبّ... أناشد الوقت بالإسراع علّه يأتيني فورًا بيوم الأحد يكافئ أشواقي بحرارة اللقاء."
أنهى الكتابة ثمّ دوّن الرقم الذي حفظه في ذاكرة الهاتف مساء الأمس يتّصل مباشرة بوزارة الخارجيّة يمضي قدمًا بالفكرة التي يخطّط لها ينوي تنفيذها قبل يوم الأحد.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
نزلت السلالم تنضمّ إلى أهلها في غرفة الطعام تشاركهم وجبة الفطور وأفكارها مازالت عالقة في الرسالة التي وصلتها باكرًا من أديبها المشتاق. كم تمنّت أن تكون إلى جانبه في هذه الأوقات لكنّها شدّت على نفسها مجبرة ونفّذت رغبة والدها، لا تريد أن تعاكسه في قراره خصوصًا بعد كلامه الذي أملت به خيرًا يبشّرها بمباركة العلاقة. دخلت الغرفة مبتسمة تلقي التحيّة بصوت مفعم بالراحة والهدوء فبادرتها والدتها قائلة وهي تتأمّل الطمأنينة الواضحة على محيّاها: