أقفلت نهال الخطّ وهبّت مهرولةً إلى الداخل تترك قهوتها الصباحيّة على الشرفة وتركض إلى غرفة ابنتها توقظها من النوم:
-سحر... سحر... إستيقظي
تقلّبت سحر على الفراش وهي تردّ بين النوم واليقظة:
- أتركيني أمّي، أريد أن أنام
-حبيبتي... أرجوك إنهضي...
إستقامت تفرك وجهها بكلتا اليدين تسأل بصوتٍ مازال يرزح تحت وطأة النعاس:
-ماذا يجري أمّي؟
-علينا العودة حالًا إلى اسطنبول، والدك مريض ويجب أن نكون إلى جانبه
شخصت عيناها عند الكلام وتمسّكت بذراعي والدتها متوسّلةً:
-ما به والدي؟ قولي لي ما به؟
-إتّصلت ليلى منذ دقائق، أصيب والدك بوعكة صحّيّة استدعت حضور الطبيب إلى القصر فجرًا
قفزت الشابّة عن السرير كالمجنونة تركض صوب الخزانة وهي تردّد:
-دقائق وأكون جاهزة، أبي سيكون بخير... أجل سيكون بخير... لن يعاوده ذلك المرض الخبيث
---------------------------------------------------------------------------------------------------
أنهى جينغار تجهيز المائدة وأقبل إلى الصالون يدعو سيّده والضيف إلى الغداء فتلقّفه كمال قائلًا:
-من حسن حظّي أنّ سيّدك قرّر أخيرًا الالتزام بالحمية التي نصح بها الطبيب، الأرزّ باللحم سيكون من نصيبي لوحدي
وقف يمان مبتسمًا:
-بالصحّة والهناء، جينغار أعدّه خصّيصًا لك، تفضّل قبل أن يبرد الطعام
وما إن جلس الصديقان إلى المائدة حتّى أذن يمان للمدبّر بالمغادرة:
-يمكنك الانصراف جينغار، أنا سأكتفي بالحساء وكمال لن يتردّد في اختيار ما يريد، كلّ شيء أمامه
إلتفّ المدبّر عائدًا إلى المطبخ يترك الضيف في حالةٍ من الذهول:
-ستكتفي بالحساء فقط؟!؟! هل أنت واثق من كلامك؟ كنتُ أرجوك سابقًا أن تنقطع عن كلّ ما يؤذي كبدك لكن لم تكن تبالي، كنت تعاند وتأكل ما يحلو لك
- من الأفضل أن أتّبع النظام الغذائيّ المرجوّ قبل البدء بالعلاج، يعني كي لا يسوء الوضع أكثر ممّا هو عليه
ناظره كمال باستغراب ثمّ قال وهو يأخذ طبق السلطة:
-أكاد لا أصدّق ما أسمعه، كأنّني في حضرة شخص آخر... يراعي صحّته، ما هذا التبدّل المفاجئ عزيزي؟
-أيّ تبدّل كمال؟ وعدتك أنّني سأخضع إلى العلاج فمن الطبيعيّ أن أهتمّ بالنظام الغذائيّ الملائم
إلتقط الضيف الخضر المقطّعة بالشوكة وقبل أن يباشر بالأكل توقّف مستنتجًا:
-إن كنت أعرفك بما فيه الكفاية فأنا أعتقد... لا بل أجزم أنّ هناك شيئًا مختلفًا فيك، حتّى قبولك للعلاج... لم أتوقّعه بهذه السرعة... لا تسيء فهمي لكن مضت سنوات وأنت مستسلم... كيف تخلّصت من اليأس؟ بالطبع أنا سعيد جدًّا بهذا التبدّل... لكنّني في حيرة من أمرك