اَلْفَصْل اَلثَّامِنِ :اَلْوَدَاعِ

42 6 0
                                    


     لم تكن تريد الرحيل بهذه الطريقة ولا حتى في هذا الوقت المتأخر من الليل ﺃيضا ، بدون وداع ﺃو ﺃي شيء بل كانت ترغب ﺒﺄن يكون وداعها لوالديها عند عتبة المطار ، وقبل اقلاع الطائرة بدقائق ، حيث تقوم بحضن والديها بقوة وتهمس في ﺃذنيهما بأن يهتما بنفسيهما وبصحتهما وبعد بكاء ونحيب طويل ، تقوم بانتزاع جسدها الهزيل والضعيف بصعوبة من ذلك الملاذ اﻵمن ، متوجهة ﺇلى ذلك الجحيم المسمى بالغربة طمعا في تحقيق ولو حلم واحد من قائمة احلامها .

ولكن شاء القدر ﺃن ترحل بسرية في هذا الوقت المتأخر من الليل ،و قبل ﺃيام قليلة من زفافها الذي قد اجبرت عليه ، ﺃجل اعزائي كما قرأتم شمس الاصيل اختارت الهرب من مصيرها التعيس ، هربت من ذلك المكان الذي من المفترض ﺃن يكون آمنا .

ولكن الحقيقة كانت غير ذلك ، فشمس الاصيل لم تعرف ﺃبدا معنى كلمة " امان " ، ولكنها كانت كلما فتحت القرآن بحثا عن بعض الراحة وقرأت تلك الاية " وآمنهم من خوف " ، رغبت في هذا النوع من الامان الذي لا يصاحبه خوف ﺃو قلق ﺃو هلع بسبب كوابيس مخيفة .

غرقت في دوامة من الافكار ،ولم تعد ﺇلى الواقع إلا بعدما لامست ﺃنامل المعلمة لمياء بشرة يدها الباردة وهناك استفاقت شمس وعادت ﺇلى الواقع ،لتقول لها هذه الاخيرة بينما تفتح باب السيارة

_اسرعي شمس ﻓﺄنا لا ﺃريد ﺃن تفوتنا الحافلة !

هزت شمس الاصيل رأسها ثم لحقت بمعلمتها ، وهي تحمل بين يديها حقيبتها المدرسية والتى كانت قد وضعت فيها بعض حاجياتها وأوراقها الشخصية فقط ، في تلك الاثناء كانت الفتاتين متجهتين نحو موقف الحافلات

وبينما كانت كذلك لاحظت المعلمة لمياء ارتجاف جسد شمس ، ولكن لم يكن السبب هو البرد بل الطريقة التى هربت بها من المنزل ، وتفكيرها في ردة فعل مصطفى الذي سيفقد عقله عندما يكتشف فعلتها الشنيعة على حد قوله وبالطبع لكل فعل عواقب .

فاطمة فلن تجرﺃ على الخروج من المنزل خشية كلام الناس ،و روميسة اختها الصغيرة التى تركتها خلفها الله وحده يعلم ما الذي سيحل بها ، لحظات حتى صارت الدموع تنزل على خديها بغزارة مثل سيل جارف ولكن لم يكن هناك مجال للعودة

في ذلك الوقت توقفت لمياء عن التقدم ،ثم وضعت ﺃناملها فوق خدي شمس وصارت تقوم بمسح تلك الدموع الغالية ،فهي لم تقم بأي شيء خاطئ ،بعد ذلك حضنت تلميذتها بقوة وصارت تمرر يدها صعودا ونزولا في محاولة منها تدفئتها وبث بعض الامان في قلبها الصغير ، وبقيا على ذلك الحال مدة من الزمن ،عندما هدئت الصغيرة قليلا قررا اكمال طريقهما الى الحافلة .

عندما وصلت الفتاتين الى هناك ، صارت لمياء تقرئ ﺃرقام الحافلات حتى وجدت الحافلة المنشودة ، لتعودا للتقدم مجددا وما هي إلا بضع خطوات حتى كانت شمس والمعلمة ﺃمام الباب ،وهناك مررت هذه الاخيرة التذاكر الى السائق ، الذي بعدما تأكد منهما سمح لهما بالصعود

قربان على مائدة الزواج المبكر الكاتبة منال بن الدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن