اَلْفَصْل اَلرَّابِعِ :كَيْفَ بَدَا كُلُّ شَيْءٍ

58 10 0
                                    


كَيْفَ بَدَأَ كُلُّ شَيْءٍ ؟

 

كَانَ مَسَاءَ يَوْمٍ خَرِيفِيٍّ بَارِدٍ ، كَانَتْ قُرَابَةَ اَلْخَامِسَةِ مَسَاءً وَكَانَتْ لَا تَزَالُ اَلشَّمْسُ فِي كَبِدِ اَلسَّمَاءِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ ، فَهِيَ بَعْدُ نِصْفِ سَاعَةٍ سَتَبْدَأُ بِالتَّدَحْرُجِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا لِتَخْتَفِيَ وَرَاءَ تِلْكَ اَلْجِبَالِ اَلشَّاهِقَةِ ، وَهَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لِلْغَايَةِ فَالْيَوْم فِي اَلشِّتَاءِ قَصِيرٍ جِدًّا بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ اَلصَّيْفِ . فِي تِلْكَ اَلْأَثْنَاءِ كَانَ طُلَّابُ اَلْمَدَارِسِ عَائِدُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ، وَشَمْس اَلْأَصِيلِ كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمْ ، حَيْثُ كَانَتْ عَائِدَةً رُفْقَةَ صَدِيقَتَيْهَا اَلْمُقَرَّبَتَيْنِ مِنْ اَلْمَدْرَسَةِ اَلْإِعْدَادِيَّةِ ، بَعْدُ يَوْمٍ طَوِيلٍ فِي اَلدَّوَامِ وَلَكِنَّ هَذَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ اَلتَّحَدُّثِ حَوْلَ اَلْفُرُوضِ اَلَّتِي كَانَتْ عَلَى اَلْأَبْوَابِ ، لِيَفْتَرِقِنَ عَنْ بَعْضِ بِمُجَرَّدِ أَنَّ لَحِقَتْ صَدِيقَتَيْهَا إِلَى مَنْزِلَيْهِمَا وَاَللَّذَانِ كَانَ يَقَعَانِ بِجَانِبِ بَعْضٍ . 

لِتُكْمِل شَمْسِ اَلطَّرِيقِ لِوَحْدِهَا ، حَيْثُ زَادَتْ فِي سُرْعَةِ خُطُوَاتِهَا ، مِنْ يَرَاهَا يَظُنُّ بِأَنَّهَا تَخْشَى أَنْ يَفُوتَهَا اَلْقِطَارُ اَلذَّهَابُ إِلَى بَارِيس ، أَوْ اَلطَّائِرَةِ اَلَّتِي سَتُقْلِعُ بَعْدَ عَشَرِ دَقَائِق مِنْ اِتِّجَاهِ أَسْبَانْيَا ، وَلَكِنَّهَا فِي اَلْحَقِيقَةِ كَانَتْ فَقَطْ تَخْشَى أَنْ تَتَعَرَّضَ لِلْمَتَاعِبِ ، كَانَتْ تَتَمَشَّى وَتَقُومُ ب تَقْلِيبَ ذَلِكَ اَلدَّفْتَرِ اَلَّذِي كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَاَلَّذِي كَانَ هَدِيَّةً مِنْ مُعَلِّمَةِ الا دَبَّ اَلْعَرَبِيُّ ، مُكَافَأَةٌ عَلَى تَفَوُّقِهَا اَلْيَوْمِ فِي مُسَابَقَةِ اَلتَّعْبِيرِ اَلْكِتَابِيِّ . اَلَّتِي كَانَتْ تُنظمها الا نَسْهُ لَمْيَاءْ كُلَّ أُسْبُوعَيْنِ ، وَلَطَالَمَا كَانَتْ تِلْكَ اَلْأُسْتَاذَةِ تَبْحَثُ عَنْ طُرُقٍ لِتَشْجِيعِ طُلَّابِهَا ، وَمَنْحُهُمْ شَهَادَاتٍ عِنْد اَلتَّحَصَلْ عَلَى نِقَاطٍ جَيِّدَةٍ وَدَفَاتِرَ وَمُلْصَقَاتِ جَمِيلَةٍ ، مَا هِيَ إِلَّا وَسِيلَةً لِتَحَفُّزِهِمْ أَكْثَر وَلِكَيْ تَدْفَعهُمْ إِلَى اَلنَّجَاحِ وَإِلَى زِيَادَةِ اَلتَّنَافُسِ اَلشَّرِيفِ بَيْنَهُمْ . 

وَفِي اَلْحَقِيقَةِ كَانَتْ شَمْسٌ تَمْلِكُ اَلْعَدِيدَ مِنْ اَلدَّفَاتِرِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِفَوْزِهَا اَلْمُسْتَمِرِّ فِي أَغْلَبِ اَلْمُسَابَقَاتِ اَلَّتِي نَظَّمَتْ سَابِقًا ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَعْمِلْ هَذِهِ اَلدَّفَاتِرِ قَطُّ وَكَانَ هَذَا مِنْ خَشْيَتِهَا مِنْ اَلْحُرُوفِ وَمِنْ أَفْكَارِهَا اَلْمُتَمَرِّدَةِ تَمَرُّدَ اَلنِّيرَانِ فِي فُوَّهَةِ بُرْكَانٍ . كَانَتْ شَمْسٌ تَخْشَى أَنْ تُدَنِّسَ تِلْكَ الاوَرَاقٍ اَلْبَيْضَاءِ وَالْعَذْرَاءِ ، بِخَوَاطِر مُؤْلِمَةٍ تَتَسَبَّبُ فِي نَزِيفِهَا وَمَوْتِهَا مِنْ شِدَّةِ الا لَمٌّ ، وَلَكِنَّ اَلسَّبَبَ اَلْأَكْبَرَ اَلَّذِي كَانَ خَلْفَ عُزُوفِهَا عَنْ اَلْكِتَابَةِ ، هُوَ خَشْيَتُهَا مِنْ أَنْ تَقَعَ تِلْكَ اَلسُّطُورِ بَيْنَ يَدِي وَالِدُهَا مُصْطَفَى وَمِنْ يَدْرِي ; قَدْ يَظُنُّ بِأَنَّهَا رَسَائِلُ غَرَامِيَّةٌ ، أَوْ خَوَاطِرَ تَصِفُ فِيهَا حَبِيبًا قَدْ سَرَقَ عَقْلُهَا وَسَيَسْرِقُ عِفَّتَهَا قَرِيبًا ، وَهَذَا بِالتَّحْدِيدِ مَا حَصَلَ مَعَ صَدِيقَتِهَا إِيمَان . 

قربان على مائدة الزواج المبكر الكاتبة منال بن الدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن