اثنان.

162 27 18
                                    


يسود الصمت محيطهما، لولا صوت البحر المتحمّس أمامهما لكانا قد تمكنا من سماع أصوات أنفاسهما الآن..

صمتٌ لم يدم طويلًا حتى سمعته يقول:

"لستِ كوريّة إذًا."

نظرَت إليه عاقدةً حاجبيها بتعجّب لتجده لا ينظر إليها حتى، عيناه لا زالتا تعانقان البحر المظلم أمامهما..

"ومِن أين علمت؟"

"اسمكِ؛ ليسَ كوريًا.. عربيّ ربما؟"

"كرديّ يُقال؛ معناه.."

"أعلم، الليلة المُقمرة."

قال مقاطعًا إياها بينما يتأمل السماء الخالية من القمر لهذه الليلة ونظرت لذات السماء ليُضيف:

"عكس هذه الليلة."

أخذ الصمت دفّة المحيط بينهما ثانية قبل أن تضيف:

"لم أرك هنا من قبل.."

"لم آتِ مؤخرًا."

"هل تأتِ وحدك دومًا؟"

اكتفى بإيماءة رأسه لتسأل:

"أليس لديك أصدقاء أو ما شابه؟"

نظر إليها وبالرغم من عدم رؤيتها لمحياه إلا أنها علمَت أنّ نظرته ساخرة حينما قال:

"تتحدث مَن تجلس برفقة عشيرة هنا."

"أنا غريبة عن البلدة، لهذا لم أصنع صداقاتٍ بعد، ماذا عنك؟"

سألت ليصدر ثغره تنهيدة ربّما قد سمعها البحر أمامهما لذا اضطربت أمواجه أكثر فأكثر حزنًا على حال صديقه..

"كانت لدي صديقة، لكنها رحلت."

"إلى أين؟"

سألت مجددًا ونظراته لا زالت تتواصل مع تفاعل البحر أمامهما، بدون مقدماتٍ وجدته يتسطح جوارها واضعًا ذراعيه خلف رأسه ليتأمل السماء المظلمة مجددًا..

"إلى المدينة."

"متى؟"

"اليوم."

"هل ستنتقل إلى هناك؟"

من أين يأتيها الفضول؟ لا تعلم، إلا أنّه كان لبِقًا كفاية ليُرضي فضولها لذا أومأ مجيبًا:

"نصحها طبيبها اليوم بالرحيل، لذا هي في طريقها الآن برفقة والديها."

"أهي مريضة؟"

"على ما يبدو، صحتها العقلية والنفسية ليسَت في أفضل حال في الآونة الأخيرة."

نظرَت إليه لتسأل بشفقةٍ حاولت الشعور بها:

"هل هي مريضة حقًا إلى هذا الحد؟"

"في نظري لطالَما كانت هي الأصحّ وذات العقل الأرجح."

قال معتدلًا في جلسته لتنظر هي إلى البحر أمامهما قائلة:

"الأصحّاء هم خير ضحيّة لهذا العالم، وكأنّه لا يستمرّ سوى بالقضاء على كلّ جميل داخلهم."

"أصحاءً كنا أم مرضى؛ نحن وَقود هذا العالم، إن لم نحترق لن يسير."

"لكن ألا يحتاج الوقود لما يُشعله؟ كعود ثقابٍ ربّما؟ في رأيكَ ما هو عود الثقاب الخاص بنا؟"

سألت ناظرةً إليه لوهلةٍ قبل أن تعيد أنظارها إلى البحر مجددًا ليُجيب:

"فقدان عزيزٍ لا تجمعنا به سوى الأحلام، لن يسعنا الشعور بالحياة مجددًا، سنحترق حتى نغدوا رَمادًا يتناثر في الهواء."

أفلتَ ثغرها ضحكة ساخرة لتقول:

"لم أجرّب هذا بعد وروحي أصبحَت رُفاتًا بالفعل."

شعرَت به ينظر إليها لتفعل هي المثل إلّا أنّها لم تتمكّن من تبيّن ملامحه للظلام المحيط بهما لتسمعه يقول:

"يا لكِ من مسكينة!"

"أتشعر بالشفقة نحوي الآن؟"

سألت باستنكار ليجيب:

"لا، يكفيني الشعور بالشفقة حيال ذاتي."

لم تعقب لتراه ينهض مستعدًا للرحيل وقبل أن يخطو مبتعدًا قال:

"كان من الجيد الحديث معكِ هيفرون."

ابتسامة خفيفة لم يرَها حتى رُسمَت على شفتيها لتُجيب:

"ذات الشيء هنا جيمين."

رحل لتردّ نظرها إلى البحر وفي قرارة نفسها تعلم أنّها تودّ لُقياه ثانيةً، حتى إن لم يتحدثا يكفيهما الجلوس فقط هكذا..

هناكَ شيءٌ ما به يجعلها تشعر بالراحة، وهذا ما تفتقده هي منذ زمنٍ لا تتذكر حتى متى قد بدأ؛ أن تشعر بالراحة تطرق بابها..

-------------------------------------------------------

-------------------------------------------------------

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
لَـيـلـةٌ لا قـمَـر لَـهـا. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن