خمس.

119 20 14
                                    


تتجه إلى بُقعتها المُعتادة على ذات الشاطئ لتجده جالسًا هناك بينما يحدق في البحر كعادته..

جلسَت جواره دون الحديث، ربّما هذه مرتها الأولى لتجد شخصًا يمكنه تأمّل البحر لساعاتٍ كحالِها دون ملل..

لكن نظرته للبحر مختلفة، هو لا يتأمّله فقط؛ بل وكأنّه يتحاور معه، يدور بينهما نقاشٌ لا تتمكن هي من إدراكِ أبعاده..

انتقلَت نظراتها إلى الكدمات التي تظهر من أسفل سُترته البيضاء، وبذكرها فالآن فقط قد انتبهَت لأنّه لا يغيّر ثيابه أبدًا منذ رأته للمرة الأولى..

ذات السترة البيضاء المُزينة بالثقوب أعلاها، ذات سروال الچينز القصير، هذه المرة ما يختلف فقط هو كونه لا يرتدي ذاك المعطف من الفرو؛ لذا يمكنها رؤية الكدمات الحديثة التي تظهر من سُترته..

مدّت يدها وبدون إذنٍ أمسكَت بعنق سُترته لتسحبها متيحةً مجالًا أكبر لعينيها كي تتمكّن من رؤية كدماتٍ وندباتٍ عدّة تملأ بشرته البيضاء..

نظر هو إليها بعينَين شبه متّسعَتَين لتنتقل يدها إلى طرفِ سُترته ناحية خصره لترفعها لأعلى قليلًا وتمكنَت من رؤية كدمات مماثلة على بطنه لتقعد حاجبيها باستياء..

نزع هو سُترته من بين أناملها ليقول ناظرًا للبحر:

"هذه وقاحة."

"ما هذه الكدمات جيمين؟ هل تتعرض للتنمّر في المدرسة؟"

ابتسامة ساخرة ارتسمَت على شفتيه وبعد ثوانٍ قال بسخرية واضحة:

"هل ستصبح العجوز التي عرفتها منذ أيامٍ معدودة وليّة أمري أم ماذا؟"

"ألا يمكنك الرد دونَ المثابرة على أن تكون سليط اللّسان هكذا؟"

سألت بمللٍ لتنظر للبحر مجددًا كما يفعل هو، ساد الصمت لوهلة قبل أن يقول:

"أبٌ مدمن على الخمور لا يمكنه فعل شيءٍ سوى أخذ أموال والدته عنوةً وحينما يعترض الابن مدافعًا عن جدته ينال هذه الكدمات كجزاء.."

نظر إليها ليقول بتعابيرٍ لا يظهر عليها الألم، تعابير جامدة وكأنّ ما يقوله لا يخصّه ليُضيف:

"ثمّ ينتقل للأموال القليلة التي جمعها ابنه من الأعمال الجزئية كي يحقق حلمه يومًا ويأخذها عنوةً هي الأخرى.."

أخذ نفسيًا عميقًا ناظرًا أمامه ثانيةً وأكمل:

"ثمّ يأتي الابن إلى هُنا بعيدًا عن كلّ شيء كي يلتقط بعض أنفاسه ليقوى على الاستمرار دون الاستسلام.."

لَـيـلـةٌ لا قـمَـر لَـهـا. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن