لَـيـلـةٌ مُـقـمِـرة.

159 29 66
                                    


خطَت نحو الشاطئ ليلًا باشتياقٍ يبدو أقوى من أن يحمله قلبها، تشتاق لرؤيته حتى وإن كان من نسج خيالها..

شعرت بخفقات فؤادها تتسارع حينما رأَت هيئته جالسًا يتأمل البحر كعادته، مَن كان ليعلم أنّ جيمين الذي يدافع عن البحر أمامها منذ أيامٍ كان أكثر شخصٍ يكره هذا البحر يومًا..

جلسَت برفقٍ جواره ولم تتمكّن من رفع عينيها من على محياه، بالرغم من أنه كان جوارها منذ يومين لكن تشعر وكأنّ هذه مرتها الأولى لرؤيته منذ عشرة أعوام..

"انتظرتكِ كثيرًا."

قال ولا زالت نظراته تعانق البحر الثائر أمامه لتجيب بين عَبَراتها:

"أنا آسفة."

نظرَ إليها ليرى عينَيها متورّمتَين لكثرة البكاء ليقول بأسف:

"يكفيكِ بكاءً هيف، لا أستحقّ كلّ هذا الحزن الذي يمزّق فؤادكِ الآن."

لم تتمكن من منعِ ذاتها من أن تنفجر باكية ليهدأ هو دون حديثٍ يكتفي بالنظر إليها بنظراته الآسفة..

"اتضح أنّني ضعيفٌ بعدَ كلّ."

قال بينما أفلت ثغره ضحكة ساخرة ناظرًا للبحر كما تفعل هي وبين الثانية والأخرى تُسمَع شهقاتها بعد أن فرغَت من البكاء..

"لِمَ فعلتَ هذا جيمين؟"

سألت بنبرتها الباكية ليتنهد قبل أن يجيب:

"لم يعُد حبي للحياة كافيًا لأستمرّ في المحاولة لأجلها.."

لم تعقّب، لا تعرف ماذا يُقال، تودّ عتابه، الاعتذار له، إخباره أنّها تشتاق إليه لحدّ قد يكاد لا يوجد، لكنها تعلم أنّه يدرك كلّ هذا بالفعل، لا حاجة للكلمات..

"لم يكُن هذا خطؤكِ هيف، لستِ أنتِ مَن تأخرتي في إيجادي، أنا مَن ذهبتُ باكرًا كي لا تتمكني من مَنعي.. لذا كُفّي عن لومِ ذاتكِ."

نظرَت للأسفل تبكي بصمت، تشعر بروحها تحترقُ بنارٍ هادئة، تشعرُ بكلّ إنشٍ من روحها يتآكل من لهيب الحزن والأسف..

"انظري إليّ.."

فعلَت كما قال لترى ابتسامته المُشرقة لأول مرةٍ منذ أن قابلته على هذا الشاطئ ليقول:

"أكان العالَم قاسيًا عليكِ لهذا الحد بدوني؟"

أومأت ليغلبها البكاء مجددًا، لا تدري أتشعر بالشفقة على حالِها أم على حاله؟ أم على كليهما؟

لَـيـلـةٌ لا قـمَـر لَـهـا. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن