أربع.

117 21 16
                                    


يشهد البحر لقاء صديقَيه المفضّلَين كل يومٍ على شاطئه، يجلسان ويتدفّق الحديث بينهما كالماء الجاري في منحدرٍ سلِس لا يوقف مجراه عائق..

لكن اليوم لم يستمر حديثهما لوقتٍ طويل فلديها جلسة مع طبيبها النفسي والذي لا تشعر هي بالحاجة إليه الآن، لكن لا ضير من الذهاب كي لا تقلق جدتها..

"كيف حالكِ هيفرون؟"

سأل طبيبها النفسي فورَ أن بدأت جلستهما الثانية مانحًا إياها كوبًا من القهوة ليجلس بالكرسيّ المقابل لها..

كانت شاردة ولم تردّ على سؤاله، عيناها مثبتتان على كوب القهوة بين كفّيها ويراقبها هو بهدوء واضعًا قدمًا فوق الأخرى ويحتسي البعض من كوب قهوته الدافئ..

"قابلتُ شابًا على الشاطئ.."

استهلّت حديثها وأناملها الباردة تداعب أطراف الكوب الدافئ ولم يعقّب هو منتظرًا إياها أن تُكمل ولم تُطل انتظاره فأكملت:

"حينما رأيته لأوّل مرة، شعرتُ بشيءٍ غريب.. لا أعلم ماهيّته، وكأنّني أعرفه منذ زمنٍ طويل.."

تنقّلت عيناها في بقعٍ مختلفة على الأرض لتُضيف:

"بالرغم من أنّها كانت أول مرة أراه بها لكن شعرتُ وكأنّني على استعدادٍ لأهربَ إليه حينما تضيق بي دُنياي.. شعرتُ بالراحة والألفة و.."

صمتَت تحاول التفكير في كلمةٍ تعبّر عن ما خالجها من شعورٍ ليخمّن هو بهدوء:

"الحب؟"

نظرَت إليه ثمّ وزّعَت نظراتها على بُقعٍ مختلفة من الغرفة بأكملها وكأنها تفكر لتحرّك رأسها نافية، وضعَت الكوب على الطاولة لتُوضّح:

"كانَ شعورًا أعمق من الحبّ، كرابطٍ متين ليسَ من السهل قطعه، وكأنّ بيننا ميثاقًا لا يُنقَض.."

رفعَت عينيها ناظرةً إليه لتُضيف كلمةً واحدة:

"كالصّداقة."

ابتسم برصانةٍ تليق به، شتّان بين هذه الفتاة الجالسة أمامه الآن وسابقتها التي لم تتحدث بحرفٍ واحد إن لم يطلب هو منها..

"كان ذاكَ اللقاء بعد جلستنا الأولى، صحيح؟"

أومأت برأسها لتؤكد صحة سؤاله وأضافت:

"تقابلنا ليلًا بعد الجلسة وبضع مراتٍ أخرى."

"هل تتحدثان أم تفضلان الصمت فقط بينما تراقبان البحر؟"

لَـيـلـةٌ لا قـمَـر لَـهـا. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن