أوصد الباب جيدا

34 3 0
                                    


1

(أوصِد الباب جيّدًا، ولا تمنح ثقتَك للغرباء؛ لاسيّما المريبين).

لقد ترك أبي هذه الرّسالة في ورقة بيضاء، ووضعها عند رأسي واختفى في ظروف مفاجئة قبل أيّام، وقد بحثتُ عنه في كل مكان. ذهبتُ إلى مركز الشّرطة؛ قدّمتُ بلاغًا عن اختفائه، ثم نشرتُ صورته في جميع وسائل التّواصل الاجتماعي.

إنّني أشعرُ بالخوف وحيدًا في هذا المنزل الموحش، ولا أعرف أحدًا من أقربائي؛ فقد قضيْتُ حياتي كلّها في هذا المنزل ومع الجيران.

كنتُ أسأل والدي عن أقربائي، فكان يجيبني بأنّهم ماتوا جميعًا، ولا أعلم أن كانوا ماتوا على حقيقة المعنى، أم مجازيًّا؛ بأنْ ماتوا بقطع الصّلة، ماتوا بقلوبهم التي تحجّرت كحال الكثير من القلوب!

لا أعلم...

لقد كان يدلّلني منذُ أنْ كنتُ صغيرًا، واكتفيْتُ بحبّه الذي تفرّدتُ به. حتّى أمّي لم أعلم بشأنها سوى أنّها تركتني عند أبي، ورحلتْ بعيدًا منذُ طفولتي! ليْتني رأيتها، ليتني اشتممتُ راحتها!

***

إنّ التّلفاز أمامي مملٌّ على نحو عجيب!

القنوات لا تعرض شيئًا جديدًا، ولا حتّى برنامجًا لافتًا يجعلُ وقتي يمرُّ سريعًا؛ فكل ما أشاهده هو مجرّد روتين آلي!

الرّوتينيّة مملّة قطعًا.

وصلني تنبيه عبر تطبيق الطّائر الأزرق، قرأته من الشّاشة، كان شخصًا يوجّه سؤالًا: "أين اختفى؟".

إنّه يغيظني! وما يُدريني أين اختفى، لقد كتبتُ كل شيء في تغريدتي وقت اختفائه. لن أجيبَ هذا المجهول؛ فلستُ بمزاج جيّد.

***

في هذه اللحظات، أكثر ما يُسلّيني هي ذكرى والدي؛ ابتسامته، ضحكاته، صوته الفخم، عيناه اللامعتان بالحُبّ والعطف، شعور الحنان الذي كان يكتنف قلبه!

لا أنكرُ أنّه كان يضربني أحيانًا، لكنّني أدركتُ لاحقًا بأنّ ضربه كان رحمة ومصلحة. الضربُ قوّم اعوجاجي، كما القَدَر، يبتلينا الله ببلايا، نبكي ونتجرّعُ الألم، لكنّ بعد ذلك، يتبيّن لنا بأنّ هذه البلايا هي عينُ الرّحمة.

وأنا الآن في بلاء يُشبه البلايا العظام!

فقدُ أبي مؤلم يا عالم. ليت أحد يسمعني!!!

أوْصِدْ البابَ جيّدًاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن