هروب إلى المتاهة!

8 0 0
                                    


تنفّستُ بعمق، وخفضتُ جسدي أكثر لئلّا يلاحظ وجودي. ثم سحبتُ نفسي إلى أسفل السّيّارة زحفًا. وحينما شاهدتُه يدخل عبر أحد الأبواب إلى داخل المبنى السّكني، استغللتُ فرصتي، وركضتُ نحو باب المرآب الخارجي، دفعتُ بجسدي للأمام وقدماي ترتفعان من قوّة اندفاعي للأمام. لقد استخدمتُ كل طاقتي لكي أهرب من الموت المحتوم!

وكنتُ أتساءل عن تلك السّيّدة؛ من تكون؟ ولماذا تريد منه أن يقتلني؟ ما الذي فعلته؟! أو رُبّما كان للأمر صلة بوالدي وتلك العصابة التي تبحث عنه؟! يؤسفني أنّ كلاي هو فرد من العصابة أو أنّه قاتل مأجور! لا أعلم حقيقة بالضّبط ما هي هويّته!!!

وصلتُ عند الباب، وحاولتُ فتحه لكنّه مغلق بإحكام! تبًّا.

ونظرتُ حولي، وفي نفس الوقت سمعتُ صدى صراخ كلاي الأجش يتردّدُ من خلال نوافذ السّكن. إنّه لا محالة يبحث عنّي.

لاحظتُ السّور الجانبي، وانطلقتُ إليه. كان السّور عاليًا، ولم أجرّب في حياتي قط صعود الأسوار. سأحاول، سأتسلّقه بأي طريقة.

قذفتُ نفسي إلى الأعلى محاولًا التّشبّث بأي شيء يساعدني على الوصول إلى الأعلى، لكن لم أجد شيئًا. والتفتُّ إلى الجانب الآخر، انطلقت هناك أبحث عن شيء، ففرأيتُ دلوًا خشبيًّا. اندفعتُ ناحيته وفمي يلهث من التّعب.

حملتُ الدّلو، وعدتُ إلى السّور، ووضعتُه هناك. وعند ذاك، سمعتُ صياح كلاي من بعيد، كان للتّو قد خرج من المبنى، وهو ينادي على اسمي بصوته الجهوري.

ارتقيْت الدّلو بقدميَّ، ثم قذفتُ بنفسي إلى أعلى السّور، وتمكّنتُ من الصّعود فوقه، وعند ذاك، سمعتُ صوت سقوط الدّلو على الأرض. أظنُّه قد أثار انتباه كلاي!

لقد كان الصّعود صعبًا لولا الدّلو الخشبي، أمّا النّزول، فرُبّما سيتكسّر جسدي لو قذفتُ بنفسي هكذا عبثًا!

سحقًا. يجب أن أنزل قبل أن يصل العملاق الأسمر؛ فالوقت قصير جدًّا. ولم أستطع التّفكير كثيرًا، إنّما فكرة ألهمني الله بها؛ كانت أن أمسك طرف السّور وأنزل بجسدي حتّى يتدلّى، ثم أترك الطّرف، وأضع يدي على طابوق السّور المتماسك لكي أمتص طاقة الهبوط حتى أصل إلى الأرض. والحمدلله قمتُ بما فكّرت وخطّطتُ، فنزلتُ بسلام.

ثم فررتُ إلى ناحية الظّلام.

***

إنّ المكان هنا موحشٌ جدًّا؛ الكلاب الضّالة منتشرة في كل مكان! إنّ أشكالها مخيفة من بين الظّلام. آمل ألّا تلاحظ وجودي، سأقوم بقدر المستطاع التّخفّي عنها.

قررتُ الاتصال بعمليات وزارة الداخلية، لكن ظهر لي تنبيه بأنّ بطارية الهاتف ضعيفة جدًّا، وهي على وشك النفاد، ولن تكفيني لإجراء ربع المكالمة. لا خيار لدي سوى محاولة الخروج من متاهة هذا المكان، ثم أتدبّر أمر الطّوارئ.

ومشيتُ أتلمّسُ جدران الاسطبلات وأتوارى خلف السّيّارات المنتشرة هناك. وظللتُ أمشي حتّى سمعتُ صوت أقدام بالقرب منّي. واختبأتُ خلف أقرب سيّارة. وانخفضتُ بجسدي سوى رأسي الذي كان يرتفعُ قليلًا إلى وسط نافذة السّيّارة لأستطيع لمح من الذي يسير خلفي وأتأكّد من هويّته.

لقد كان كلاي! كيف له أن عرف بأنّني أمشي في هذا الطّريق؟! أهو كلب يمتلك حاسّة شمٍّ قويّة؟!

مشى كلاي عدّة خطوات قبل أن يقف، ويتلفّت في كل مكان، ثم مضى يكمل بحثه. وانتظرته حتّى توارى عن ناظري. وانطلقتُ أمشي مشيًا سريعًا.

وعلى بُعد بضع أمتار، انحرفتُ إلى شارع آخر، وكان أمامي هناك شارع طويل؛ يا لهوْل وضعي، أعتقد بأنّني لن أخرج من هنا بهذه الطّريقة الفوضويّة! سأحاول، وسأتمكّن من الخروج سالمًا بحول الله وقوته.

***

تخطّيْتُ مسافة طويلة؛ لقد أنهكني التّعب. أصبحتُ ألهثُ ككلبٍ طريدٍ في الصّحراء. وبعد لحظات، سمعتُ صوت كلاب خلفي، فالتفتُ ببطء والخوف قد استحوذ على جسدي، فنظرتُ إليها؛ كان عددها أربعة.

فانطلقتُ أجري بكل ما لديّ من لياقة واندفاع، ولا أعلم إلى أين أتّجه! وركضتُ حتّى وجدتُ حديقةً أمامي؛ سورها ليس بالطّويل كثيرًا، فقفزت مرتقيًا السّور، ثم هبطتُ على الأرض.

وهناك، لهثتُ لدقيقتين أو ثلاث حتّى عادت أنفاسي إلى طبيعتها، ثم شهقتُ زفيرًا شعرتُ بعده بالارتياح. وجلستُ في مكاني. وعزمتُ على البقاء هنا حتّى يحل الصّباح لأضمن الأمان. ثم تأمّلتُ المكان، ووجدته مناسبًا، حيث أنّ أضواؤه كانت مُطفأة، وهذا يبين لي، على الأرجح، بأنّ صاحب الإسطبل لن يأتي إلى هنا في مثل هذا الوقت.

وبعد بضع دقائق من الاستراحة، لمحتُ أضواء سيّارة بالقرب من الحديقة، تجوب المكان، فتلصّصتُ النّظر عبر مربّعات شباك سور الحديقة، والشّجيْرات تغطّيني، أحاول رؤية السّيّارة التي ستمر بعد لحظات.

كانت السّيّارة هي نفسها سيّارة كلاي!

وسمعتُ نباح كلبٍ وهو يلحق بالسّيّارة، وتبعه بضعةُ كلاب أخرى ينبحون. إنّ نباحهم مزعج! وقمتُ باستغلال ما تبقّى لهاتفي من طاقة في إشعال مصباحه لأتفقّد المكان أكثر، وأبحث عن ما يصلح ليكون فراشًا لي.

وقمتُ بإشعال المصباح، ووجدتُ أنّ المكان مناسب. وحين وقعت عيناي على سجّادة فوق دولاب صغير، في زاوية الحديقة، انطفأ هاتفي. ومشيت ناحية الزاوية، وقمت بحمل السّجادة وفرشها على الأرض. واستلقيْتُ فوقها. وظللتُ أفكّر وأتأمّل رؤية النّجوم المنتشرة إلى أن غلبني النّوم.

أوْصِدْ البابَ جيّدًاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن