صدمة مدويّه!!

13 0 0
                                    


 استيقظت عند الفجر، على وقع صياح ديكٍ في حديقة الاسطبل المجاور. صلّيْتُ الفجر، ثم مكثتُ حتّى طلعت الشّمس. وخرجتُ من الحديقة، فلمحتُ الشّارع العام من بعيد. تبشبش وجهي وفرح قلبي. وانطلقتُ أعدو فوق التّراب تجاه الشّارع.

وعندما اقتربتُ، لاحظت سيّارة قادمة من الشّارع، إنّها ليست غريبة علي! يبدو أنّ حظي تعيس لدرجة كبيرة! لقد كان كلاي هو من يقودها، وعيناه المخيفتان تحدّقان بي بشرر!

انطلق ناحيتي، ووقفتُ مستسلمًا؛ لا سبيل لي سوى أن أنتظره يأتي ويحملني إلى داخل سيارته. فقدتُ الأمل بالهرب؛ فكل ما حولي رمال، والاسطبلات أصبحت ليست قريبة مني. ها هو يقترب، وقد أوقف سيارته بالقرب مني.

نزل من مركبته بعينين غاضبتين، جذبني من يدي بيده الضّخمة، وفتح باب سيارته، ودفعني عنوة. لقد دخلت السيارة دون مقاومة. وصعد سيّارته، وقال لي بنبرة غليظة بصوته الأجش:

- لا ينبغي عليك أن تجعلني أبحثُ عنك طويلًا هكذا. إنّك تدرك بأنّ صبري في مثل هذه المواقف ينفدُ سريعًا.

وعاد بي إلى الإسطبل. لقد عدت إلى حتفي المحتوم!

كبّلني الأسمر بالسّلاسل! ووضعني في تلك الغرفة التي حبسني بداخلها سابقًا. كل ما كان يسلّيني هناك هو النّافذة التي فوقي؛ لقد تخلّلت أشعّة الشّمس الدّافئةُ خلالها، وسمعتُ صوت تغريد العصافير. ما أجمل أن تعيش حُرًّا بلا قيْد.

وبعد دقائق، دخل كلاي حاملًا صينيّة صغيرة، يعلوها صحن فيه جبنتين مالحتين وحبّتيْ زيتون، وخبز تنّور. وضعها أمامي، وقال باقتضاب:

- كُل.

سألتُه بنبرة ضيق وانهزام:

- متى ستقتلني؟!

حدّق نحوي بعينين جامدتين، وأجاب:

- أمستعجل أنت على الموت؟ لا تتعجّل نحْبك. كُل؛ فقد يكون هذا هو آخر ما تتناوله قبل أن تغادر العالم الدنيوي إلى العالم البرزخي.

قلتُ له رافضًا، ولازال شعور الانهزام يكتنفني:

- لا أريد. أفضّل أن أموت ببطن فارغ. افعل ما يحلو لك؛ لقد سئمتُ الحياة بسببك.

ظل يحدّقُ ناحيتي لوقت طويل؛ كانت نظراته تشتعل! ثم قام مغادرًا.

***

عاد إليّ بعد ساعات؛ عند وقت الغروب، ونظر ناحية الطعام؛ كان كما هو، لم آكل منه لقمة واحدة، ثم مشى ناحيتي، ووقف أمامي، فقال لي:

- لا يهمُّ إنْ أكلت أو لا. ما يهمني الآن هو أن تعرف كل الحقائق التي ينبغي عليك معرفتها. لنجلس في فناء الاسطبل؛ إنّ أجواء الظّلام تساعد كثيرًا على إفراغ الحديث. وبعدها سنفترق.

قلت له مصدومًا وغير مصدّق لما قاله:

- كيف سنفترق وأنت تخطط بشأن قتلي؟! إنّك محتال وكاذب. كيف سأصدّقك؟

ابتسم ابتسامة صفراء، وقام بفكّ وثاقي دون أن يجيب على سؤالي، ثم أخذني إلى الفناء، وجلسنا هناك. وطلب منّي الإنصات لما سيقوله ويوضّح الكثير من الأمور المشوّشة.

شعرتُ بأنّني مقبل على معرفة أشياء ستغيّر مجرى حياتي، فأصغيْتُ أذناي بإمعان تام. انتظرته يتحدّث، فأطال وقت سكوته كعادة هذا العملاق البغيض!

ثم شهق نفسًا عبر أنفه العريض قليلًا، فبدأ الأسمر بحديثه قائلًا:

- إنّي لا ألومك فيما فعلته البارحة، ولو كنتُ مكانك، لفعلت الشيء نفسه.

وعاد إلى صمته.

توقّعته أن يبدأ بالحقائق، لكن لا أرى أنّه وقتٌ مناسب لإبداء الرّأي فيما يخص موقفي تجاه ما حصل، فضلًا عن أنّ رأيه لا يهمّني أساسًا. وتابع كلاي حديثه بعد برهة:

- لم أكذب عليك بكل ما قلته، بالأخص بشأن والدك وذكرياتنا البعيدة، لكنّي كذبتُ بشأن أنّه بعثني لحمايتك؛ فهو في حقيقة الأمر لم يبعثني، إنّما أنا بادرتُ بهذا الشّيء.

حيّرني حقيقةً؛ يبادر لحمايتي وقد حاول قتلي!!! ولم أعلّق بشيء. وتابع يكمل حديثه:

- كان والدك صديقًا حقيقيًّا بالنّسبة إلي، ولكن مع مرور الزّمان، وبعدما تفرّق والداك، افترقتُ أنا أيضًا عن أبيك، لكن كان بيننا تواصل على فترات متباعدة من خلال الهاتف، ونادرًا ما كنّا نجلس في المقهى.

وأردف بصوت فيه حنين وحزن:

- كان سبب فراق والديْك هو أنت، حين كان عمرك يومان فقط.

صُعقت؛ كيف أكون السّبب وأنا لم أكن أعي شيئًا في ذلك الحين! فسألته عن السّبب، وألححتُ عليه أن يجيبني دون صمت! فتبسّم مجيبًا:

- إنّك عجول. لا تتعجّل على الألم يا أحمد.

أوْصِدْ البابَ جيّدًاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن