الجزء الثامن

28 2 1
                                    

وهكذا تحدثنا لمدة ساعتين متواصلين ثم قطعنا لننام قليلاً حتى نستعد لما ينتظرنا في الغد.
في الصباح الباكر إستيقظت على آذان الفجر، صليت وقرأت وردي اليومي وكذلك الأذكار، أخذت حماماً دافئاً ومنعشاً، إعتنيت ببشرتي قليلاً ثم إرتديت فستاناً عادياً، ذهبت للحديقة وتناولت فطوري مع والدي، دردشنا قليلاً وكنت أشعر بالسعادة لتحسن العلاقة بيننا، وما هي إلا دقائق حتى أتت خلود وزوجها، إعتذر زوجها قائلاً:"أستمحيكم عذراً خلود عنيدة، أصرت على أن نأتي في هذا الصباح الباكر، أتيت لألقي السلام والمغادرة فأنا لدي عمل مهم اليوم"
قال أبي:"ولو يا بني إنني أعرف إبنتي حق المعرفة، وأيضاً أنت لست غريب، لا تنسى أنك فرداً من هذه العائلة يا بني، وما دام لديك عمل فدعني لا أؤخرك عنه، تيسر يا بني ولنا من بعد ذلك لقاء وحديث"
بعد ذلك طلبت خلود الإذن من والدي لكي تأخذني ونختار فستاناً من أحد فساتيني التي إشتريتها مؤخراً، إختارت فستاناً حريرياً فضفاضاً ذو اللون البنفسجي الهادئ، وحجاب ذو اللون الأبيض، هنا زاد حماسي وكنت أشعر بالسعادة المفرطة، أما خلود فكانت قد إقتنت فستاناً زهرياً فضفاضاً وحجاباً زهري لكن لونه أغمق من لون الفستان، تذكرت حديثي البارحة مع عمر وكان قد قال لي أن الحفل لن يكون فيه إلا العائلتين يعني الأب والأم والإخوة فقط، فإرتحت قليلاً لأنني كنت لأشعر بالخجل الشديد من وجود الكثير من الناس.
وها قد حل المساء، إرتديت فستاني وحجابي، لم أضع ولو نقطة صغيرة من المكياج على وجهي، ركبت أنا مع أبي بينما خلود مع زوجها علي، أما عن السيدة التي تعتني بمنزلنا فكانت إبنتها مريضة وزوجها لا يستطيع المجيء وتركهم لوحدهم لذا إعتذرا لعدم حضورهم حفل الزفاف. وصلنا لموقع الحفل، كان الموقع مزين بطريقة راقية وجميلة للغاية وكان الديكور مزين بالتوليب ذو اللون الأبيض وهو المفضل لدي، كان هذا الحفل بحضور الإمام وشيخنا صالح، تقدمت نحو الطاولة التي هي بالمنتصف وجلست على إحدى كرسيها، وصل عمر وكان يرتدي مثل الشيخ صالح ما شاء الله، كم لاقت عليه العباءة السوداء، شعرت وكأنه يكاد يطير من الفرح وذلك لملامح وجهه، جلسنا وبدأ الشيخ صالح يقول:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أبنائي الأعزاء ويا الحضور الكرام، أسأل الله أن يسعدكما ويحفظكما من كل شر لأنكما إتبعتوا نصيحتي، وما شاء الله تبارك الرحمن عليكما، تالله أنكما لائقين على بعض، ولباس السترة والعفة زادكما جمالاً ورونقاً"
قلت له أنا وعمر:"بارك الله فيك يا شيخنا"
فقال:"وبارك الله فيكم أنتم أيضاً، لنبدأ على بركة الله، إذاً عائشة المختاري هل تقبلين بعمر الخليلي زوجاً لكِ؟"
شعرت بنبضات قلبي الخفيفة وذاك الشعور الجميل الذي أسأل الله أن يبثه في جسد كل فتاة
قلت له وأنا منزلة رأسي من شدة الخجل:"نعم، أقبل"
فقال الشيخ:"الحمد لله، وأنت يا عمر الخليلي هل تقبل عائشة المختاري زوجة لك؟"
إبتسم عمر وقال بسعادة مفرطة:"نعم يا شيخ، أنا أقبل بها كزوجة وكصاحبة وكحبيبة"
فضحك الشيخ وقال:"إذاً على سنة الله ورسوله أعلنكما زوجاً وزوجة وأسأل الله أن يبارك لكما حياتكما الزوجية وأن يرزقكما الذرية الصالحة"
قلت أنا وعمر:"آمين"
كانت تلك اللحظات من أجمل اللحظات التي عشتها بحياتي.
عند عودتنا ركبت مع عمر في سيارته الخاصة، تجولنا قليلاً في أنحاء المدينة ثم إتجهنا للمنزل، ما أن دخلت حتى أجده يأخذني من يدي وراح يجولني في المنزل ثم ترك غرفته للأخير، عندما دخلت غرفته وجدتها باردة وألوانها غامقة وتسد النفس، قطبت حاجباي ونظرت لعمر وقلت:
"حقاً؟ هل هذه تدعى غرفة النوم، إنها كالسجن"
أعاد عمر النظر لي ولغرفته مراراً وتكراراً ثم أخيراً قال:"ما العيب الذي بها؟"
نظرت إليه وقلت:"عيب؟ بل هي كلها عيوب، بحقك أنظر فقط للألوان الغامقة التي تسد النفس، والبرودة التي تجعل الجسد يقشعر، تالله لم أرى غرفة مثلها من قبل مخيفة هكذا"
نظر إليّ بإهتمام وقال:"لهذه الدرجة هي بشعة؟ مالذي يمكنني فعله لها؟"
نظرت بتمعن للغرفة وقلت:"سأتدبر الأمر، كل ما تحتاجه هو تغيير طلاء الجدران والتخلص من كل هذا الأثاث لتكون واسعة قليلاً، ولكن ليس الآن لنتركها للأسبوع القادم"
إبتسم عمر وقال:"حسناً كما تود عائشتي"
إنتبهت للسرير وتذكرت أننا سننام بجانب بعض، إبتلعت ريقي وقلت له:
"حسناً إذاً سأغير ملابسي، أين الحمام؟"
نظر ليمينه وقال:"هاهو ذا"
فتحت إحدى حقائبي وأخرجت ملابس نوم فضفاضة قليلاً زهرية، لأنني ذات جسم رقيق وبشرة بيضاء أحب إرتداء الزهري، عمر سيرى شعري للمرة الأولى وأنا أشعر بالخجل الشديد، ذهبت للحمام وغيرت ملابسي ووجدت مستحضراتي مرتبة في الحمام، لا أدري من رتبهم لكنني ممتنة له لأنني تخلصت من همّ ترتيبهم، وضعت مرطب الجسم ووضعت قليلاً من عطري، سرحت شعري الذي يصل لمنتصف ظهري، أخذت أنفاساً عميقة محاولة السيطرة على الخجل والتوتر الذي أصابني في تلك اللحظة، فتحت الباب ببطء ونظرت من الفتحة الصغيرة لأرى، لم أجد عمر فشعرت براحة وخرجت من الحمام، أعتقد كانت الحادية عشر ليلاً وكنا قبلاً قد ذهبنا للمسجد وصلينا وتناولنا العشاء في مطعم قريب، مددت يداي ثم رميت بنفسي على السرير، وعندما دخل عمر نهظت بسرعة وأنا أكاد أسقط مغمى عليّ من شدة الخجل، كان مذهولاً حيث وقف في مكانه ولم يتحرك بتاتاً وفاهه مفتوحاً، خشيت أن يكون قد أصابه شيء ما، أغلقت باب الغرفة من وراءه وقلت له:
"عمر!! ما بك؟"
قال لي وهو يبتسم:"هل رأيتِ عائشة يا فتاة؟ لقد كانت هنا"
قطبت حاجباي وقلت:"مالذي تقصده؟"
بدأ يتمتم كلمات غير مفهومة كل ما سمعته وإستطعت فهمه•ما شاء الله•
قال لي وهو يحاوط وجنتاي بيديه:"ما هذا يا عائشة؟ الجمال بالحجاب غير الجمال بلا حجاب، سبحان الله الذي خلقك أحسن خلق، ما شاء الله تبارك الرحمن، والله لأنني سعيد أن الله رزقني بفتاة ملتزمة وجميلة مثل عائشتي، وشعرك يا إلهي عالم ٱخر، ما شاء الله"
توردت وجنتاي خجلاً، نظرت إليه وقلت:"هل يمكنك أن تحضر لي قارورة ماء من فضلك؟"
قال وكأنه قد فهم الأمر:"بالطبع عائشتي، إنتظريني ثواني وسٱتي"
ما أن خرج حتى بدأت بالتنفس بشكل هائج وكأنني كنت تحت الماء فكدت أختنق، ضحكت على حالي ثم تذكرت أنني سأنام بجانبه فقلت في نفسي:
"يا إلهي! مجرد تغزله بشعري جعلني هكذا، ماذا سيحدث لي لو نمت بجانبه وإستيقظت صباحاً لأجده يحاوطني بذراعه أو ينظر إلي؟"
وضعت يداي على وجهي وبدأت أقول:"سأعتاد، سأعتاد، إنه الآن زوجي وليس شخصاً غريباً، كفاكِ يا عائشة وكوني شجاعة"
حتى دخل عمر وهو يقول:"لماذا؟ هل ستصارعينني أم ستقتلينني أثناء نومي؟"
قطبت حاجباي وقلت:"مالذي تقوله؟"
قال:"سمعتكِ تقولين 'كفاكِ يا عائشة وكوني شجاعة' لذلك إعتقدت أننا سندخل حرب أو ستحدث جريمة!"
مِلتُ برأسي قليلاً وقلت:"على فكرة توقعاتك سيئة للغاية"
كان يكتم ضحكته وقال:"إذاً هل سيحدث الأسوأ؟"
قلت له:"بالله عليك يا عمر مالذي تتحدث عنه في هذا الوقت، هات عنك قارورة الماء ودعني أنام قليلاً فقد تعبت اليوم"
ضحك بخفة ثم غير ملامحه للجدية وقال:"أنظري إن لم تكوني قادرة على النوم بجانبي فيمكنني النوم على الأرض"
قلت في قرارة نفسي:"هل أدعه ينام في الأرض؟"
ثم إستغفرت وقلت له:"عمر أعتقد أننا الآن متزوجان، فمالذي تقصده بقولك أنك ستنام على الأرض؟"
قال بإبتسامة:"قلت ذلك لأنني خشيت أن لا تكوني مرتاحة بالنوم وأنتِ بجانبي"
إبتسمت وقلت:"سأعتاد"
قال:"إذاً أنتِ حقاً ستشعرين بالإنزعاج؟"
إستغفرت وقلت:"يا عمر دعني على الأقل أجرب الأمر وحينها سأخبرك إذما إنزعجت أم لا"
أومأ برأسه وقال:"حسناً كما تودين عائشتي".

زواج بدون قيودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن