الجزء الحادي عشر

58 2 0
                                    

عندما وصلنا للمدرسة كانوا قد فتحوا الباب حتى لا يضطر التلاميذ للإنتظار تحت المطر، أوقف عمر السيارة على جنب ثم نزلنا مع بعض ودخلنا، وسط هذا الأمر كان هناك شخص ينظر من بعيد لما يحصل وكان يغلي من الداخل، نعم كانت سيدرا فقد رأيتها في اللحظة الأخيرة تنظر إلينا ووجهها متصبغ باللون الأحمر، لم أعرف مالذي عليّ فعله؟ دخلنا لقاعة كبيرة فعلمت أن هناك أمراً ما سيحصل غير الدراسة، وحقاً كان هناك إجتماع لنا جميعاً، وقال مدير الثانوية أن اليوم لن تكون هناك دراسة لأنه سيناقشنا حول موضوع ما، كان عمر يعانق كف يدي، ووسط الحشود لم أكن أعلم أنهم سيلاحظون هذا المنظر، كان الإجتماع حول القوانين الجديدة للثانوية، والأمر الجميل أن أحد القوانين كان ينص على اللباس المحترم أي الحجاب الشرعي للفتيات واللباس المحترم للذكور، شاهدت رفضاً عنيفاً من معظم الفتيات ومنهم كانت مجموعة bkl فلم أستغرب طبعاً، وبعدها أحد القوانين يقول أن الصداقات بين الشباب والبنات ممنوع منعاً باتاً ففرحت لأن سيدرا لن تجد هناك سبيل لتدور حول عمر وتأذي كرامتها وشرفها، وهنا كانت المفاجأة حيث تكلمت سيدرا التي كانت ورائنا وقالت:
"وماذا عن هذا يا أستاذ؟ أنت تقول صداقات لكن هذا لربما يكون علاقة غير شرعية يا سيدي"
لوهلة لم أعي ما تقوله سيدرا، وكذلك عمر فعل ولم يترك يدي لأنه لم يكن يدري عما تتكلم عنه، لمح المدير لعناق يدينا فقال:
"تفضلا للمنصة رجاءاً"
فألقيت بنظرات لعمر وكذلك هو فعل ثم صعدنا وكنا لا نزال متشابكين الأيادي، عندما وصلنا قال المدير:
"لتشرحا لي هذا الأمر!"
تلعثمت أنا وشعرت بثقل لساني فإلتزمت الصمت لكن عمر إبتسم وقال بثقة:
"نحن متزوجان"
ساد صمت عميق في القاعة، ثم قطعه المدير وهو قاطب حاجبيه:"كيف؟ أنا لم أفهم؟ كيف متزوجان؟"
فقال عمر:"نعم يا أستاذ نحن متزوجان لنا أكثر من شهرين، وحسب ملامحك أعتقد أنك لم تستطع التصديق، بإمكانك الإتصال بأبي أو بوالدها لتتأكد"
قال المدير:"طبعاً سأتصل فهذا شيء لا يصدق"
ثم إتصل بوالد عمر وسأله وعندما سمع إجابة عمي نظر إلينا بصدمة، ثم تحولت الصدمة لملامح سعادة وشرقت إبتسامة على وجهه
قال:"مبارك لكما ورزقكما بالذرية الصالحة، أعتذر عن سوء الظن هذا"
قال عمر له:"ولو يا أستاذ من حقك فمن أين لك أن تعلم هذا! وحقاً ما حدث لم يؤذينا بشعرة سوى عائشة تكاد تنفجر من الخجل"
قال الأخيرة بصوت منخفض، فضحك المدير وقال:"أعذرينا يا عائشة"
قلت بصوت منخفض:"ولو يا أستاذ لم يحصل شيء"
إستدار بوجهه بإتجاه سيدرا وقال:"هل يمكنكِ الإعتذار؟"
نظرت إليها فوجدتها تغلي من الداخل تكاد تنفجر بالبكاء، شعرت بإنفطار قلبها، كنت أود أن أخبرها بالشكل المناسب لكنها هي من فعلت هذا
فقلت بسرعة:"حقاً ليس هناك داعٍ للإعتذار يا أستاذ، كلنا نخطأ وهي أخطأت ونحن كمسلمين نحب العفو"
إبتسم المدير وقال:"حسناً يا بنيتي كما تشائين، مرة ثانية مبارك لكما"
ثم بعدها نزلنا من المنصة أنا وعمر، إتجهت لسيدرا لكي أحدثها ولكنها على حين غرة خرجت بسرعة، لم ينتبه لها أحد عند خروجها فوددت اللحاق بها لكن خفت من الوقوع في المتاعب
قلت لعمر:"عمر هل أستطيع الذهاب للحمام؟ سأعدل شعري وأعود"
قال:"سأذهب معكِ"
قلت له بإصرار:"إبقى هنا وإستمع لما يقوله المدير حتى لا يفوتنا شيء"
تنهد ثم قال:"حسناً أنا أنتظرك لكن لا تتأخري"
أومأت له برأسي وخرجت، إتجهت للحمام ووجدت سيدرا هناك، إقتربت منها وقلت:"كنت سأشرح لك الأمر لكنك إتخذت الخطوة الخطأ وفعلت هذا لنفسك"
صرخت في وجهي وقالت:"عليكِ اللعنة، منذ أن دخلتِ حياتنا تغير كل شيء، ولم تكتفي بهذا بل ذهبتِ وأغريت الشخص الذي أحبه وجعلتيه يتزوجك، أنتِ حقاً مخادعة ومنافقة "
قلت لها وأنا أحاول تهدأتها:" أنظري، أعلم أنكِ تقولين هذا لأنك مصدومة ولكن كان يجب عليك إستوعاب الأمر من البداية أي عمر لم يكن لكِ ولن يكون لأنك لم تتركي فرصة إلا وجعلت كرامتك تنحط وقيمتك تتلاشى وشرفك يضيع، أما بالنسبة للقوانين التي وضعها المدير كان يجب عليه وضعها من البداية، ليس لي علاقة بالأمر لكن ليت كان لي علاقة حقاً لأنني لكنت سأشعر بالفخر طوال حياتي، وكذلك أعلم أن الأمر في البداية سيكون صعب إما بالنسبة لموضوع عمر أو القوانين الجديدة لكن مع مرور الوقت ستعتادين عليها وتتغير نظرتك تجاهها، سيدرا عزيزتي أنا وأنتِ شخصان مختلفان لكننا نبقى أخوات في الإسلام وأنا لا أحب أن أرى أختي تسير في الطريق الخاطئ ولا أستطيع فعل شيء لها"
صرخت مرة أخرى وشتمتني وقالت:"ما شأنكِ أنت؟ ما شأنكِ بي؟ أنا لست أختك ولا صديقتك ولا قريبتك لما تهتمي لأمري هكذا؟ أنا أكرهك يا منافقة أكرهك، إبتعدي عن طريقي ولا تتدخلي في أموري مجدداً"
قلت لها:"إهدئي سيدرا نحن نحاول حل الموضوع بطريقة هادئة"
وكالعادة بقيت تصرخ ولكن هذه المرة فقدت أعصابها فلكمتني في وجهي وراحت تضربني بكل أنواع الضرب وأنا لأنني كنت هزيلة ضعيفة لم أستطع الدفاع عن نفسي فسقطت مغمى عليّ، بعدما رأتني بتلك الحالة خرجت وتركتني، أما عمر كان قد جاء ليطمأن لأنني قد أخذت وقتاً طويلاً، دق الباب عدة المرات ثم عندما فتحه ووجدني مغمى عليّ ووجهي مليء بالكدمات والدماء تنزف من فمي وأنفي هرع لي وهو مصدوماً، حاول إيقاظي لكنه كان يفشل، عاد للقاعة وطلب المساعدة، بعدها إتصلوا بالإسعاف.
في المستشفى، فتحت عيني ببطء، أما العين الثانية فلم أستطع فتحها لأنها كانت منتفخة
قلت بصوت ضعيف:"خلود"
وذلك لأن خلود كانت بجانبي، إستفاقت من نومها وقالت وهي تقف:"عائشة عزيزتي، هل إستيقظت؟ كيف تشعرين؟ هل تتألمين؟ هل أنادي الطبيب؟"
قلت لها:"كلا، أنا بخير، أين هو والدي؟"
رأيت تغير ملامحها، قالت:"عندما رآكِ بهذه الحالة إرتفع ضغطه وأغمي عليّ وهو الآن نائم"
ما هي إلا لحظات حتى بدأت الدموع تنزل بغزارة من عيناي، قلت بصوت مبحوح:"ماذا عن عمر؟ وعمي وعمتي؟"
قالت:"عمر لم يتركك ولو لثانية، لكنه ذهب الآن ليصلي الفجر سيأتي بعد قليل، عمي كريم وعمتي جمانة كانا هنا ولم يغادرا حتى الواحدة ليلاً"
مسحت لي دموعي وقالت:"توقفي عن البكاء الآن، أخبريني من فعل بكِ هذا؟"
أغمضت عيناي وأنا أحاول أن أنسى أن سيدرا هي التي فعلت هذا، دخل عمر وتقدم لي بسرعة
قال بلهفة:"عائشتي هل أنتِ بخير؟"
قلت له:"عمر أنا بخير الحمد لله، لا تقلقوا عليّ"
نظر لخلود وقال:"هل قالت من فعل هذا؟"
أومأت برأسها نفياً، تنهد ثم قال:"أخبرتك أن أذهب معك لكنك كنتِ مصرة على الذهاب لوحدكِ، لو ذهبت معك لما حصل كل هذا، لكن الحمد لله على كل حال"
أغمضت عيناي وسط حديثه وغفوت.
في الصباح التالي إستيقظت فوجدت كل العائلة حولي، إبتسمت وقلت:
"السلام عليكم يا جماعة"
ردوا السلام وكان أبي عند رأسي يمرر على شعري بيده، قلت:"إذن متى سأخرج من هذا المكان؟"
قالت خلود:"ليس الآن يا عائشة، ستبقي هنا ليومين آخرين حتى يتأكد الطبيب أنه لم يحصل لكِ شيء خطير كالكسور"
تنهدت وقلت:"لا، أنا أود العودة للمنزل، لا أحب المستشفى"
توجهت بعيناي لعمر وكأنني أتوسله ليخرجني من هنا، فقال:"حسناً سنتكلم مع الطبيب ونخرجك من هنا بشرط أن تبقي في المنزل بدون حراك حتى نطمأن عليكِ أكثر"
فرد عليه عمي:"عمر معه حق يا إبنتي وسنذهب الآن لنتكلم معه"
وهنا دق الباب ودخلت ممرضة وقالت:"عذراً هناك شرطيان عند الباب يودان إستجواب الآنسة عائشة"
خرج والدي وعمي ليتكلموا معهم ثم عادوا وطلبوا من الجميع إخلاء الغرفة، وما دخل إلا أبي وعمي ويتبعهم الشرطيان.

زواج بدون قيودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن