الجزء السابع

40 2 5
                                    

تسوقت أنا وأختي وإشتريت بعضاً من الملابس الجديدة، للمناسبات وللنوم وللبيت، وكذلك إشتريت أشياء أحتاجها، جهزت كل شيء ووضعته في حقائب وصناديق، وفي منتصف النهار وردني إتصال من عمر، شعرت بقلبي يكاد يتوقف من شدة خفقانه، وهذه أول مرة أتحدث معه في الهاتف، أجبته وقلت:
"السلام عليكم"
فقال:"وعليكم السلام عائشتي، كيف حالك؟ وكيف حال تجهيزاتك؟"
إبتلعت ريقي وقلت:"كل شيء بخير الحمد لله، أخبرني كيف حالك أنت؟"
قال:"أنا بخير الحمد لله، لا بل أنا سعيد للغاية، وأخيراً سنعيش معاً تحت سقف واحد"
لم أجد ما أقوله فإكتفيت بالصمت ثم قطعه هو بقوله:"القسم ممل بدونك، أنا الآن جالس في مكانك وأتحدث معك، وأما عن سيدرا زعيمة عصابة BKL فهي من الصباح تزعجني، تود أن تعرف علاقتي بك، كيف أتعامل معها؟"
إستغفرت ثم قلت:"أهملها لا تهتم بها، لا تكلمها، ووحدها ستبتعد عنك، مع الأيام بإذن الله سأتحدث معها وأعيدها لطريق الصواب، أتركها عليّ"
قال:"الحمد لله لأنه رزقني بفتاة مثلك، أه لقد إنتهت فترة الإستراحة أراك لاحقًا عائشتي، أتركك في رعاية الله وحفظه"
بعدها أغلقنا الخط وبقي نصف تفكيري مشغول حول تلك الفتاة التي لم أعرف إسمها إلا اليوم.

بعد صلاة العصر جمعني أبي أنا وأختي وزوجها كونه فرد من العائلة فيحب أبي مشاركته أمورنا، قال علي:
"يا عمي عساه خيراً؟"
إبتسم أبي وقال:"كل الخير يا بني، تحدثت مع صالح أب أسامة أقصد عمر، وإتفقنا أن نقيم حفل زفاف صغير مختلف عن الأول وبعدها يأخذوا عائشة معهم حتى لا يلفظ الكثير من الكلام السيء عنهما، وطبعاً جمعتكم أنتم الثلاثة لأنكم العائلة بأكملها فكما ترون البعض يكرهنا والبعض يحقد علينا، ولم يبقى الترابط إلا بيننا نحن وأسأل الله أن لا يفرقنا عن بعض أبداً وأن لا يملأ قلوبنا بالحقد تجاه بعضنا"
قلنا كلنا:"آمين"
ثم قالت أختي:"أبي، أين سنقيم حفل الزفاف؟"
نظر إليّ والدي وقال:"سمعت أن البنات منذ صغرهم يحلمون بزفافهم الذي سيكون جميلاً وأنيقاً لذلك تحدثت مع إحدى شركات تنظيم حفلات الزفاف وقررنا أن نقيمه على شاطئ البحر ولقد رأيت الموقع إنه جميل للغاية والمكان مناسب، ووددت أن أفعلها مفاجئة لعائشة، فما رأيك بها؟"
إندهشت أنا لأنني حقيقة منذ صغري وأنا أحلم بزفافي على شاطئ البحر لكنني لم أخبر أحد بهذا، من فرط السعادة وجدت نفسي أبكي، نهض أبي مسرعاً وأتى بجانبي وقال مستغرباً:
"ما بك يا بنيتي؟ ألم تعجبك الفكرة؟ لنغيرها إذاً!! هل أنت حزينة لأنني زوجتك في هذا السن؟"
إبتسمت ومسحت دموعي، قلت له:"كلا، ليس ما تفكر به يا أبي، كل ما في الأمر أنني منذ أن كنت صغيرة أحلم بزفاف على شاطئ البحر ولكنني لم أخبر أحد ولا حتى خلود، وتفاجئت حقاً بفكرتك وبنفس الوقت أنا سعيدة جداً"
عانقني والدي بحرارة وقال:"لا أدري كيف فكرت فيها لكنني سعيد للغاية لأنكِ سعيدة"
قالت خلود:"حسناً يكفي عناق يا جماعة أنا أغار"
فضحكنا لما قالته، ثم أضافت:"الفكرة بالأساس جميلة للغاية وأعجبتني كثيراً، إذاً متى سيقام حفل الزفاف؟"
قال أبي:"بعد يومين ولكن إن أرادت عائشة يمكن أن نجعله غداً، فالغد واليوم الذي بعده إجازة يعني لا توجد مدرسة وسيكون هذا مناسب للغاية، والآن يقع القرار على عائشة"
قال علي:"والله يا أختاه بالنسبة لي أعتقد أن غداً سيكون مناسباً جداً، ولكن يبقى القرار قرارك"
فكرت مليًّا ثم قلت:"حسناً سيكون غداً، أصلاً أنا وخلود كنا قد حضرنا الملابس التي سنلبسها لذا لن تكون هناك مشكلة غداً بإذن الله"
قالت خلود:"دائماً تتخذين القرارات الصحيحة ما شاء الله عليكِ حبيبتي"
فقال أبي:"طبعاً فهي فتاة واعية ومثقفة، على كل حال سأتصل بالشركة وأبلغهم بأن يبدؤوا التحضيرات غداً، والآن لنذهب يا علي لنصلي في المسجد ودعِ الفتيات يصلون ثم يحضرون أنفسهم جيداً للغد"
أومأ علي برأسه ثم غادرا، صليت المغرب مع خلود، وكنت مفرطة بالسعادة.
إجتمعنا مجدداً لنتناول العشاء، وبعد الإنتهاء قال أبي أنه إلتقى بصديقه صالح بعد صلاة المغرب وقد تناولا أطراف الحديث عن موضوع الزفاف الذي سيقام غداً وقال أن أسامة كان معه وبدا من وجهه أنه مفرط بالسعادة، ويقول أنه قد طلب منه الإذن لكي يحدثني في الهاتف وقد أذن له بذلك، كنت أشعر بالخجل الشديد. بعد العشاء غادر علي وخلود، وأخبرتني مسبقاً أنها ستأتي في الصباح الباكر لتجهزني، وفي هذه الأثناء كنت أجلس في غرفتي أتأمل وأسترخي لكي لا أتوتر ويطير النوم من عيني، رن هاتفي فنظرت ووجدته عمر، خفق قلبي بقوة، أجبت فقال:
"السلام عليكم عائشتي، كيف حالك؟"
قلت:"بخير الحمد لله، وأنت كيف حالك؟"
قال:"أحمد الله كثيراً، فأنا في غاية السعادة اليوم"
قلت له:"أدام الله حمدك، ما سر السعادة؟"
ضحك وقال:"تتصرفين وكأنك لا تعلمين، لا تخبريني أنكِ الآن غارقة في خجلك"
ضحكت أنا بخفوت ثم قلت له:"لا، أنا لست كذلك، أخبرني والدي منذ قليل أنك طلبت منه الإذن لتتصل بي عساه خير؟"
تنهد ثم إستغفر، قال:"عائشة إن كنتِ متفرغة الآن هل أستطيع إخبارك بقصة؟"
قلت له:"أنا متفرغة لا عليك، يمكنك إخباري بها"
ثم بدأ بالسرد:"قبل خمس سنين كنت معجب بفتاة، كان مجرد إعجاب لكنني قلت في نفسي أنني أحبها، كانت معي بنفس الصف، كانت هادئة وجميلة، كم من مرة أردت مواجهتها والإعتراف بمشاعري لكنني لاحظت أنها تتجاهل الجميع وتتعامل ببرود فخشيت أن تعاملني مثلهم، لذا كتمت الأمر بداخلي، هي كانت فتاة متحجبة ونحيفة أكثر منكِ، مع الأيام أصبحت كثيرة الإغماء والسعال، وبعدها لم تظهر مرة أخرى، سألت عنها الكثير لكنني لم أجدها ولم أسمع عنها أي خبر، مرت خمسة أشهر وأنا عائد من المدرسة للبيت مررت على المقبرة فوجدت جنازة تقام هناك، سألت عن الميت لأترحم عليه، وصدمت عندما سمعت بإسمها، شعرت أن الأرض تدور بي ولا أستطيع التحكم في ساقاي، لم أجرأ على التقدم لقبرها فغادرت بسرعة، كان ذاك اليوم من أسوأ أيام حياتي ولم أنهار مطلقاً كما إنهرت في ذاك اليوم، لم أكن إلا معجباً لكنني تعلقت بها وعندما غادرت الحياة ساد الهدوء في داخلي حتى أشعلتِ النار أنتِ، شعوري تجاهك ليس إعجاباً وإنما حباً، قلتِ لي ذاك اليوم أنكِ لا تودين علاقتنا أن تتطور إلا بعد تخرجك لكنني أنا آسف لأنني لا أستطيع التحكم في مشاعري"
صمت طويل ساد بيننا، قطعته قائلة:"رحمة الله عليها، ما قلته كان في أيام كنت أعتبرك غريباً لكنك الآن أصبحت قريباً، وأما عن مشاعرك فأنا أحبها كونها تبعث الدفء في داخلي"
كان سعيداً للغاية شعرت بذلك، فقال لي:"تالله لأحبنكِ أكثر من أي شخص في هذا العالم، طبعاً ستقولين ووالدتك وأبيك، هؤلاء لهم مكانتهم في قلبي طبعاً ولكنكِ أنتِ ذو مكانة مميزة، لو كانت لدي المقدرة على التحكم بالوقت لجعلتُ الساعات تمر كالثواني، أُسرع الأحداث لكي تلحق الساعة التي سأكون فيها أنا وأنتِ تحت سقف واحد وأراكِ يومياً، أنظر لشعرك الذي لم يصدف لي رؤيته بتاتاً وأمرر أناملي داخله، ليت الوقت يسرع أكثر"
ضحكت بخفة وقلت:"ما عليك إلا أن تصبر يا عمر، صدقني ستندم على كلامك لأنك ستفقد طعم الراحة والهدوء والسكينة في حياتك، ما ينتظرك ليس بالهين يا عزيزي"
ضحك وقال:"ولو يا عائشتي كل ما يهم أنكِ ستكونين بجانبي طوال الوقت، بعدما أتخرج سأحصل على وظيفة مناسبة فأنا لا أود أن أعتمد على والدي أو النقود التي تركها لي جدي، أود أن يكون لي مالي الخاص من عرق جبيني وحينها سنسافر كثيراً ونقضي أوقاتاً جميلة مع بعض ولن أفوت ولو فرصة صغيرة لأجلس بجانبك أو أعانق كف يدك أو أعانقك".

زواج بدون قيودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن