الجزء العاشر

28 2 1
                                    

قال لي:"لا أعلم القصة بأكملها لكنني أعتقد أنها أصبحت هكذا منذ أن تطلقا والديها، وعلى ما أظن أن والدها كان رجلاً سلفيا صالحا، ولربما حدثت بعض المشاكل فطلق زوجته وهذا ما جعل سيدرا تكره الملتزمين وتظنهم منافقين، لكن بالنسبة لي أعتقد أن الأمر بعيداً كلياً عن الفرضية التي وضعتها؛ عندما إنتقلت للمرحلة الثانوية ويوم دخلت إليها تم تصنيفي على أنني أوسم وأرقى شاب في الثانوية وطبعاً الفتيات هداهن الله كانوا لا يدعونني وشأني، وبعد مدة رأيتهم لا يقتربون مني وكلما رأوني هربوا وهذا ما جعلني سعيداً طبعاً ولكنني إستغربت عما حصل ليجعلهم هكذا، وطبعاً كانت سيدرا هداها الله وراء الأمر، كانت تعنفهم وتهددهم إذما إقتربوا مني ومنذاك اليوم وهي تلاحقني، لا أخفي عنك وأسأل الله أن يكون قد غفر لي هذا الذنب، إرتبطت بسيدرا لمدة أسبوع كانت فتاة غامضة للغاية ومتسلطة كثيراً وعندما أيقنت لما أفعله إنفصلت عنها، لكنها لم تتركني وشأني بل لاحقتني لسنين، ولازالت تفعل ذلك يعني أتمنى لو تكون مثلك وتستوعب الأمر الذي تفعله وتكف عن فعله"
إبتسمت له وقلت:"أسأل الله أن يهديها ويثبت قلبها"
قال:"ٱمين"
وطبعاً لم أتوقف هنا عن الكلام بل واصلت قائلة:"إذاً أنت يا عمر تخبرني أنني تزوجت أوسم فتى في ثانويتي"
فضحك عمر بشدة وقال:"وأنا تزوجت أجمل فتاة في الكون"
قلت له:"ليس في الكون يا عزيزي بل في نظرك فقط لأن هناك من هن أجمل مني في الكون"
ضحك عمر وقال:"لا تجادليني في ما قلته يا عائشتي والآن دعينا نذهب لنتجول قليلاً"
فقلت له:"إنتظر ليأتي عمي ويعطيني هديتي"
ضحك عمر وقال:"ستأخذينها في المساء، لنذهب الآن"
وأخيراً إرتديت حجابي وأخذنا الإذن من والدة عمر ثم خرجنا.
ونحن نسير في الحديقة قلت لعمر:"عمر هل نعلن عن زواجنا في الثانوية؟"
قال:"أود ذلك بشدة لكن يبقى الرأي رأيك طبعاً"
فقلت له:"كذلك أنا أود ولكن المشكلة الوحيدة هي سيدرا أخاف أن يحصل لها مكروه لا قدر الله فلقد رأيت الحب في عيناها تجاهك"
قطب عمر حاجباه وتوقف عن المشي، جعلنا نجلس في كرسي بجانبنا وقال:"أستغفر الله وما علاقتي أنا بها الآن؟ نعم أخطأت وإرتكبت ذنب عظيم لأنني إرتبطت بها وجعلتها تتعلق بي أكثر ولكنني لم أحبها يوماً، أسأل الله أن يغفر لي ذنبي ويخرجني من قلبها وأن يرزقها شخصاً صالحاً يليق بها، يا عائشتي هذه الفتاة إرتكبت ذنب وأنا كذلك شاركته معها لكنني راجعت نفسي وتبت على هذا الأمر، ما يجعلني غير ملزماً للوقوع في حبها أو جعلها حلالي فقط لأنها تحبني، وأنا أفضل لو تعلم أمر زواجنا أفضل من أن تبقى تحوم حولنا وتخلق لنا المشاكل، نعم ستتألم كثيراً وسينفطر قلبها ولكنها ستكون تجربة ودرس لها لكي لا تقع في نفس الخطأ مجدداً في المستقبل،ولو لم ترتاحي للأمر بإمكانك التحدث معها بهدوء وتخبريها عن الأمر بطريقتك وأنا أثق أنها ستتفهم الأمر وتتنحى جانباً عن طريقنا، أسأل الله أن يهديها ويثبت قلبها"، قلت له:"ٱمين، وبإذن الله غداً سأخصص مدة زمنية لها لأكلمها وأشرح لها الأمر"، سيدرا أصبحت الموضوع المهم الآن الذي لا أود الإبتعاد عنه حتى أصلحه، أخطأت وسارت في المنعطف الخطأ وجاء دوري أنا لأرشدها للطريق الصحيح، لربما لن يكون بالأمر السهل ولكنني سأبقى أحاول حتى أقنعها، وأنا واثقة أنني سأجعلها شخصاً مختلفاً قبل نهاية العام.عند عودتنا للمنزل وجدت عمي كريم بإنتظاري في قاعة الجلوس وكان حاملاً بيده هدية، إقتربت منه وقلت:"عساه خيراً يا عمي؟ هل بشأن الهدية؟"، قال وهو يبتسم:"نعم يا بنيتي لقد أحضرت ما وعدتكِ به"، وأعطاني العلبة التي كان يحملها، فتحتها بلهفة ووجدت بداخلها حجاب فضفاض ذو اللون الزهري وقلادة فضية تحمل شكل فراشة صغيرة مرصعة بالألماس المزيف، كدت أطير من الفرحة بالرغم من أنني لم أكن أملك حجاباً زهرياً بتاتاً وعن القلادة فلم يفكر أحد أن يهديني مثلها، شكرته كثيراً وركضت لغرفتي لأجربه، كانت تفاصيل الحجاب البسيطة مميزة للغاية وكذلك القلادة كانت من أروع الهدايا التي حصلت عليها، نزلت مسرعة لأريهم شكله عليّ، قال لي عمي:"ما شاء الله تبارك الرحمان وكأن القمر إستقر ببيتنا"، فضحكت بخجل وقالت جمانة:"ما شاء الله جميلة ومميزة كعادتكِ"، بينما عمر قال:"أسأل الله أن يحفظك لزوجك يا عائشة"، فضحك الجميع وقال له عمي:"ما شاء الله أراك رومنسياً هذه الأيام يا عمر، وأودك أن تبقى هكذا العمر كله"، وقالت جمانة:"معك حق يا أبا عمر، ولدنا الآن قد كبر وتزوج وعن قريب ستكون له عائلة صغيرة، وأنا سعيدة للغاية من أجلهما"، قلت لهم:"بارك الله فيكما يا أحسن والدين في العالم، أنا محظوظة لأن الله سبحانه وتعالى رزقني بعائلة مثلكم".جهزت الحجاب الذي أهداني إياه أبا عمر وكذلك حقيبتي، وبعدها ذهبت للحمام وأخذت حماماً منعشاً، وضعت ماسكات للبشرة وكريم الترطيب للجسم ومرطب الشفاه ثم وضعت بعضاً من عطري، إرتديت ملابس النوم ذات اللون الزهري، خرجت من الحمام كالعادة ووجدت عمر يطل من النافذة على الشارع، إستدار بإتجاهي ثم إبتلع ريقه وقال:"أعتقد أنها ستمطر"، فقلت له:"ليتها تمطر فأنا أحب المطر"، إبتسم ثم إقترب وقال:"لكن إن أمطرت سيتسخ حجابك من الأسفل وستظهر عليه بقع المطر، لو أمطرت عليك إرتداء حجابك الأسود"، تنهدت وقلت:"وأنا التي تحمست لإرتداء الحجاب الزهري"، فقال عمر:"بإمكانك إرتداؤه وسنذهب بالسيارة ونعود بها"، قلت له:"ولكنني لن أستطيع الإستمتاع بالمطر، بالمشي تحته، على الأقل سأكتفي برؤيته وعند عودتنا سأستمتع به"، إبتسم عمر وقال:" أحب طريقة تفكيرك يا عائشتي"، قلت في نفسي:"وأنا أحبك أنت"، ثم تجمدت في مكاني، قال عمر:"عائشة! ما بك؟"، وناداني بضع مرات قبل أن أختفي من أمامه وأدخل الحمام وأغلق الباب، بقيت أقول وأكرر:"ماذا؟ أحب؟ أحبه؟ أحب عمر؟ حب؟ أحب؟ عمر؟"، بينما عمر كان يطرق الباب ويناديني مراراً وتكراراً، وضعت يداي على فمي بطريقة لا إرادية، بعد مدة فتحت الباب وخرجت، هرع لي عمر وهو يمسكني من ذراعاي ويقول:"هل أنتِ بخير؟ هل حصل لكِ شيء؟"، نظرت إليه بشرود وقلت:"لا شيء، لم يحصل شيء"، لكنه لم يكف عن السؤال فقد كان قلقاً للغاية بشأني، تظاهرت بأنني نائمة فإستسلم هو كذلك ونام، لكنني لم أستطع النوم بتاتاً، عندما تأكدت بأنه نائم ذهبت لأصلي وأستخير الله، وسبحان الله بعد الصلاة نمت بعمق وعندما إستيقظت كان هناك وقت قبل آذان الفجر، فذهبت وتوضأت وبعدها أيقظت عمر وصلينا مع بعض، ثم ذهبنا للمسجد لنصلي صلاة الفجر، ومن بعد ذلك عدنا للمنزل وكان عمر طوال الطريق يحاول إستدراجي بكلامه لأخبره عما حصل لي البارحة لكنني لم أجد ما أقوله فإلتزمت الصمت، في البيت تناولنا الفطور ثم جلست أنا وعمر في الحديقة لنراجع دروس الأسبوع الذي مضى حتى أمطرت، شعرت بقلبي يخفق من شدة ولعي بالمطر، فنهظت كالمجنونة لأدور وأرقص تحته وعمر يناديني ويقول:"تعالي أدخلي البيت يا عائشة ستمرضين، هيا يا عائشة لا تعاندي"، لكنني لم أسمع لكلامه وكنت أدري أنني لن أمرض فأنا معتادة عليه، بعدها دخلت وجففت نفسي ثم إرتديت حجابي الأسود وتركت حجابي الزهري ليوم مشمس وجميل، خرجت مع عمر وركبنا السيارة، رن هاتفي فإذا به أبي كنت قد إتصلت به مسبقاً، أجبت فقال لي:"صباح الخير يا غالية، كيف حالكِ؟"، قلت له:"صباح النور أبي، أنا بخير الحمد لله، ماذا عنك؟"، قال:"بخير يا بنيتي الحمد والشكر لله، تالله يا بنيتي ما أن رأيتها تمطر حتى أتيت في بالي وقلت لعلها ترقص وتدور كعادتها"، وأنهى كلامه بضحكة، فضحكت أنا وقلت له:"والله معك حق يا والدي، تعودت على هذا الأمر ولا أعتقد أنني سأستطيع أن أتخلص منه"، فقال والدي:"ولما تتخلصين منه يا عزيزتي؟ ليس عيباً أو حراماً هو طبعاً لطيف أصيب فتاة لطيفة"، فقلت له بخجل:"يا الله يا أبي كم أحب كلامك الجميل هذا"، ضحك بخفة ثم قال:"لعلكِ الآن في طريقك للمدرسة، إعتني بنفسك وبزوجك وسأتصل لاحقاً لأطمئن عليك"؛ بعد تحدثي مع والدي قلت لعمر:"عمر! أيا ترى نستطيع أن نذهب هذا المساء للمقهى الذي بجانب منزلكم سمعت أنه يقدم كابتشينو لذيذ وأعتقد أنه سيكون رائعاً مع هذا الجو؟"، قال عمر وإبتسامة عريضة على وجهه:"ما توده عائشتي سيكون".

زواج بدون قيودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن