٩ | حاجز وهمي

79 20 35
                                    

حلَّ الصباح وكنت أول من غادر البيت، الحركة بالخارج كانت ضئيلة والأروقة خامدة بما أن الوقت لا يزال مبكرًا، ومعظم التجار لم يعرضوا سلعهم بالسوق بعد.

وقفت أمام دكان أجاويد المغلق، واستنزفت وقت انتظاري لقدومه في مراقبة المارة إلى أن صادفت عيناي هيأته من بعيد، شاب غارق في ثياب فضفاضة يداري بها ما سلب منه، يسير منطويًا على نفسه من الخجل، وبصره لم يفارق حجارة الطريق.

حمل حزمة مفاتيحه بيده الوحيدة، وطفق يقلب بينها قبل أن يدرك وجود شخص أمام باب دكانه. حمل بصره من قدماي إلى وجهي ببطء، فمرت عبر عينيه نظرة مستغربة وما لبثت طويلاً إلا وتلاشت.

- لم أتوقع عودتكِ بهذه السرعة!

التفظ ممازحًا وهو يفتح الباب الخشبي بابتسامة أظهرت الغمازة الوحيدة بخده الأيمن، فبادلته أنا الأخرى عندما التمست حسَّ الفكاهة في صوته.

- لم يحن موعد التدريب بعد، فقلت لأذهب إلى السيد أجاويد وأتجاذب معه أطراف الحديث، لعل الوقت يمر بشكل أسرع.

- يمكنكِ مناداتي بأجاويد فقط، لا داعي للرسميات بعد الآن.

- حسنًا، أنا شخص لا يطيق الرسميات من الأساس!

أخذت الكرسي الصغير الذي بقي في مكانه منذ البارحة ووضعته خارجًا، بينما هو انشغل بالترتيب لبدء يومه العملي.

- أخبرتني البارحة أنك تخرج لجمع الأعشاب كل شهر، أليس كذلك؟

- أجل..

- أجاويد، أريد بعضًا من البابونج لو سمحت.

قاطع حديثنا كهلٌ دلف الدكان وقام بمصافحة أجاويد، سأله الأخير عن حاله وحال عائلته قبل أن يقول معتذرًا:
- لقد نفذ البابونج هذا الأسبوع كحال الكثير من الأعشاب كما ترى، فأنا لم أتمكن من الخروج الشهر المنصرم.

- لا بأس بذلك، سعيد أنك أصبحت بخير، سأعود إليك مجددًا.

خرج الرجل لأنتفض واقفة على قدماي، واقتربت من أجاويد الذي يقوم ينفض الغبار عن الطاولة التي حملت فوقها أعشابه. 

- لماذا لم تخرج من القرية الشهر الفائت؟

- عانيت من نزلة برد شديدة، وشفيت منها بصعوبة.

- أوه..

ربما يكون شكي بمحله إذًا! هل الظلال تنفر من رائحة بخور العود؟

جلت بنظري في المكان ورحت أحمل بعضًا من الأعشاب وأقربها من أنفي، إلى أن وصلت إلى المصدر الذي أريده، ربما!

أخشاب صغيرة بحجم الاصبع، رائحتها قوية جدًا وفي نفس الوقت هادئة وسلسلة. 

- هل تريدين البعض منها؟

- ماذا؟

- أرى أنكِ مهتمة برائحة أخشاب العود، من المؤكد أنكِ أحببتها.

قرية التفاح الأخضرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن