الفصل السابع

64 3 0
                                    

اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

_____

فلمّا رأوني العاذلون مُتيّمًا
كئيبًا بمن أهوى وعقلي ذاهبُ
رثوا لي وقالوا كنت بالأمسِ عاقِلاً
أصابتك عينٌ ؟ قُلتُ عينٌ وحاجِبُٰ.
— عمر الأنسي

_____

( الفصل السابع )

_____

كانوا ساكتين طول الطريق، من وسط العاصمة إلى حديقة على حدودها.
كانت هي متكتفة بحزم كعادتها، هادئة.. تناظر الشارع من الشباك بكل تركيز، كأنها لوحدها في عالم آخر.
أما هو فما يدري كيف قدر يصب تركيزه على الطريق ويسوق وهو يشوف هالمنظر، وجهها الخالي من أي مكياج.. واضح عليه التعب والإرهاق، شيء من الهالات ظهرت تحت عيونها.
أول مرة بحياته يشوف هالوجه الجميل وهو بهالوضع، أكيد انه السبب!
اعتدلت بجلستها أخيرا وتحركت لما توقفت السيارة، والتفت لها وهي تلبس نقابها:
- يلا ننزل؟
ردّت بكل برود وهدوء ولا مبالاة:
- أفضّل نتكلم جوة السيارة، مثل ما تشوف الشمس قوية.. غير إني ما أضمن نفسي يمكن أفقد أعصابي بأي لحظة.
ما استغرب من هالشيء، ولا تعجب.. هذا المتوقع منها أساسا.
ارتبك فجأة وتوتر، صحيح إنه كان مخطط لكل شيء يبي يقوله، مخطط للمواضيع اللي يبي يتكلم عنها معاها عشان يصحح الوضع.
إلا إنه كل هالأشياء تبخرت من عقله، لما صار قدامها.. واستوعب حجم المصيبة اللي هم فيها.
استوعب المرحلة اللي هم وصلوها.
تنهد بهدوء وضيق ثم تكلم:
- أنا آسف.
ظلّت ألماس على وضعها، بدون ما تتحرك أو تلتفت له أو تظهر أي ردة فعل.
إلا إنه انصدم لما ابتسمت، ألماس ابتسمت! عرف هالشيء فورا من عيونها.
كمّل بحيرة:
- آسف لأني طاوعتك وجبتك هنا، ثم تركتك بدون ما أفكر بالعواقب.
سألت بعد صمت قصير، وبنبرة جدية:
- مين؟
رفع حواجبه مستغرب:
- مين اللي مين؟
- مين نشر هالإشاعة القذرة عني؟ مين علّم أهل الديرة؟ مين علّم خالاتي؟
ارتبك سلطان وهو يبعد أنظاره عنه ويشد بقبضته على المقود.
ما في مفر، ما في مهرب من الموضوع.. طالما كان السبب في أذيتها، والسبب في انه الأمور توصل لهالحد.. لازم يكون صريح.. بس كيف يصارحها؟ كيف يقول لها انه امه السبب في كل شيء قاعد يصير الحين؟
جاوبت بداله:
- ما أبي أتهم أحد، بس ما أعتقد في أحد زعلان من اللي صار كثر عمتي.
ارتفع ضغطها وحسّت بدمها يحترق من شدة الغيظ لما قال:
- حتى لو ما كانت أمي زعلانة معصبة من الوضع، كانوا راح يدرون.. عاجلا أو آجلا.
كتمت غيظها بأعجوبة وهي تلتفت له بكامل جسمها:
- كانوا راح يدرون إني جيت أكمل دراستي، ما كانوا راح يتهموني ويقذفوني يقولون اني جيت أسوي علاقة مع شخص غريب، عشان كذا تركني بثاني يوم من زواجي يا سلطان.
وكملت بحرقة وهي على وشك انها تبكي:
- ولو انت ما سكتت عنها ذاك اليوم لما قالت نفس الشيء قدامك، ما تجرأت ونشرت هالإشاعة عني.
سكتت شوي تلتقط أنفاسها، قبل لا تكمل وهي تضربه على يده بعصبية:
- ليش يا سلطان؟ ليش كنت ساكت؟ حتى لو خرجتك عن طورك وسويت فيك شيء ما تستحقه ما أقدر أعذرك على سكوتك ذيك الليلة، هذا هو الحب اللي تتكلم عنه؟ هذا هو حبك لي؟ اللي عشانه سويت المستحيل حتى وافقت أمك ووافقت أنا على الزواج؟ الحب اللي عشانه تبي تحرمني من دراستي؟ تبي تحرمني من اني أحقق هدفي؟ لا والله شكرا خل هالحب لنفسك لأني ما أبيه.
سكتت سلطان لثواني قبل لا يلتفت لها ويرد:
- أنا أعترف يا ألماس، أعترف إني كنت غلطان لما سكتت ولا رديت عليها، بس ما شفتِ كيف كان الموقف حامي؟ لو تدخلت كانت أمي راح تعصب أكثر وتسوي لنا فضيحة في الفندق، تدخلنا بمشاكل احنا بغنى عنها.
ناظرته ألماس بتعجب وعيونها تتسع، قبل لا تنفجر وهي تصرخ بصوت أعلى:
- هذا هو عذرك؟ هذا عذرك الغبي يا سلطان؟ لا والله كثر الله خيرك بعدتنا عن مشاكل احنا في غنى عنها، مدام أمك راح تزعل لو تدخلت ودافعت عن شرف زوجتك ليش من الأساس تتزوج وحدة هي ما تبيك تدافع عنها؟ ليش تتزوج وحدة تكرهها وتتمنى لها الشر؟ لو فكرت أعذرك على اللي صار بهذيك الليلة إيش تقول عن اللي قاعد يصير الحين؟ ليش ما خرجت وتكلمت قدام الناس وقلت لهم إني مو كذا، وانه الكلام اللي قاعدين يقولونه باطل.. ولا أمك يا حبيبها راح تزعل وتعصب أكثر؟
أجفلت لما بعدها عنه فجأة وهو يصارخ:
- هذي أمي يا ألماس أمي.
رجعت بجلستها لورى حتى التصق ظهرها بالباب وعيونها تدمع وهي تناظره بصدمة، قبل لا تضحك بسخرية:
- وعشانها أمك راح تظل ساكت؟ إلى متى؟ ليش ما قلت هذي أمي ما أقدر أتحداها وآخذ البنت اللي هي تكرهها لأني أحبها!
- خلينا نتكلم عن اللي قاعد يصير الحين، لا تجيبين طاري اللي انتهى ومضى.
وكمّل بدون لا يناظرها:
- انتِ بنفسك اعترفتِ وقلتِ إنك كنتِ تتوقعين اللي قاعد يصير الحين، مع ذلك سويتِ اللي براسك لا تحاولي تحطي كل الغلط براسي.
- كنت أتوقع كل شيء إلا إنهم يقذفوني ويصير الموضوع عادي عندك.
كانت نبرتها موجعة ومؤلمة، خلاه يندم على سكوته فعلا.. إلا انه ما قدر يتقبل هالاتهام، لما التفت لها وقال بهدوء:
- تعتقدين اني سكتت لأني راضي؟ أو الموضوع عاجبني يا ألماس؟ انتِ تعرفين شكثر أحبك واللي صاير قاعد يقتلني حرفيا، من جهة عنادك ورفضك لي حتى بعد كل هالسنين والمحاولات، ومن جهة الإشاعات هذي.. تحسبينهم يتكلمون عنك بس؟ ما فكرتِ تشوفين الموضوع من جوانب ثانية؟ إيش ممكن يقولون عن اللي ما قدر يكسب زوجته خلال 6 سنين؟ بعد ما انتظرها كل هالوقت تركته بكل برود وراحت لشخص ثاني! أي رجال هذا؟ أكيد فيه وفيه ولا ليش تتركه!

رواية: قيلولة القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن