ذَريني أَنَل ما لا يُنالُ مِنَ العُلى
فَصَعبُ العُلى في الصَّعبِ وَالسَّهلُ في السَّهلِ
تُريدينَ لُقيانَ المَعالي رَخيصَةً
وَلا بُدَّ دونَ الشَهدِ مِن إِبَرِ النَحلِ
حَذِرتِ عَلَينا المَوتَ وَالخَيلُ تَلتَقي
وَلَم تَعلَمي عَن أَيِّ عاقِبَةٍ تُجلَي
— المتنبي_____________
( الفصل السابع عشر )
المحامي بقلة صبر:
- وإيش الفايدة لو صرتِ عبرة والموضوع منتهي بشكل غير عادل؟ المفروض يكون زوجك هو العبرة مو انتِ.. غلطتك الوحيدة إنك فقدتِ أعصابك وذبحتيه وأنا مو معترض على حكمهم عليك لهالتهمة، بس لازم تاخذين حقك بعد، قولي لهم انك تعرضتِ للعنف، هذا سبب كافي إنك ما تتخلين عن الأمل.
أمان بهدوء:
- أفضّل إني أحط آمالي على أشياء أبسط، إنه الزنزانة تكون أبرد في الصيف، وتكون دافية الشتاء.. إنه الأكل ممكن يتغير وآكل شيء ألذ من اللي اعتدنا عليه، إني أحصّل بطانية جديدة كل بعد فترة، زميلاتي في الزنزانة يكونون ألطف معي!
جلس المحامي على الكرسي بقلة حيلة، غمض عيونه بتعب.. مو هذا اللي توقعه منها، ولا هذا اللي جا عشانه.
مسك القلم بيده بقوة ثم قال بجدية:
- أنا آسف بس ماني انسان فاضي، ولا قطعت كل هالطريق عشان أرجع بدون فايدة، ما راح أسحب الطلب وانتِ بعد ما راح تسوين هالشيء، بتطلعين المحكمة غصبا عنك.. وتعترفين بكل شيء.
أخذ أغراضه بسرعة وهو يسمعها تعترض بغضب، تجاهلها تماما وخرج بخطوات سريعة.
جلست هي على الكرسي بضعف.. والصداع يفتك براسها، والدموع الثقيلة تتجمع بعيونها.. تحس انها مختنقة، حرفيا.
فتحت يدينها اللي كانت مقبوضة طول هالوقت، وهالها منظر كف يدينها.. اللي تجمعت فيها الدم وتجمدت على أطرافها بسبب أظافرها الحادة اللي غرستها فيها بقوة!____
ما كان مساعد مستعد للمواجهة أبدا.
ولا حتى مجرد الإحتمال إنه ممكن يصادفها ما خطر على باله.
من بعد ما قفل منها يتهرب من أسئلتها الفضولية اللي ما يلومها عليها، صار يقفل جواله في أغلب الأوقات.. ويتجنب الدخول لتطبيقات الرسائل.
والغريب انها هي بعد لا اتصلت ولا أرسلت شيء خلال الأربع أيام الفائتة.
وهذا الشيء وبشكل غريب، خلاه في حيرة عظيمة.. وضياع!
كان مرتاح نوعا ما، إلا انه الضيق سيطر عليه.
فكرة إنها بدأت تبتعد عنه، وراح تتخلى عنه قريب.. بما إنه حاجتها معاه خلصت!
كانت فكرة مريعة ومخيفة بالنسبة له.. لأنه يحبها، يحبها كثير.
وما يقدر يتخيل نفسه مرتبط بغيرها.
تضايق من نفسه كثر ما تضايق من اللي صار.
كان يبي يكون معاها، جنبها.. يساعدها ويساندها ويخفف عليها.
لكنه اضطر يبتعد، أكثر من أي وقت آخر.
كان متطمن عليها مع البنات، متطمن عليها وألماس جنبها.. أخته اللي ما يثق في أحد كثر ما يثق فيها هي، يثق فيها أكثر من نفسه حتى.يتذكر اللي صار بعد مقابلة منصور، بعد ما شافوه للمرة الأولى هو وحازم.
تركه حازم، وبقى هو لوحده مع منصور.
منصور اللي كان صادق، كان متألم ومتوجع كثير.. الوجع اللي بان في وجهه، وخلى مساعد يشك فيه.
مستحيل يكون وجع متعلق بفقدان اثنين من طلابه فقط، حتى لو كان يعزهم وكانوا قريبين منه.. ويحس بتأنيب الضمير كونه ما قدر ينقذهم، مستحيل يظل على نفس الحالة حتى بعد مرور كل هالوقت.
أكيد في سبب ثاني أكبر.
الشك اللي خلى مساعد يرجع يقابله مرة ثانية بدون حازم ويصارحه:
- ليش أحس إنه التحقيق ما تمّ بشكل مرضي!
ناظره منصور بعيون متسعة من الصدمة:
- إيش قصدك مساعد؟ إيش اللي يخليك تحس كذا؟
خرج مساعد جوال سعد من جيبه وحط قدامه، تكتف وعيونه بعيون منصور.
اللي رفع عيونه بتساؤل بعد ما ناظر هالجوال قديم الطراز.
نطق مساعد ببطء:
- هذا جوال سعد، اللي صار بيدي من 10 سنين.. وطول هالفترة كنت أنتظر أحد يجي يأخذه مني، لكن... الظاهر ماحد كان مهتم بسعد!
التزم منصور الصمت وهو ينزل عيونه ويناظر الجوال.
كمّل مساعد وهو يسند ذراعه على الطاولة:
- قول الحقيقة أستاذ منصور، حتى لو القضية منتهية بالنسبة لكم.. ما انتهت بالنسبة لعوائل الضحية، أم تركي اللي فقدت بصرها ولا زالت تنتظره عند الباب كل يوم، وأبوه اللي كبر من الهم ولا قادر يقول الحقيقة لأهله وخاصة زوجته حتى ما تنهار ويفقدها هي الثانية بعد، وأخت سعد.. ما لها بالدنيا أحد، كانت تنتظر أخوها طول هالوقت بدون ما تعرف انه متوفي، مو من حقهم يعرفون الحقيقة وبالتفصيل، مو من حقهم يعرفون إيش اللي صار بالضبط؟
منصور بعد صمت قصير:
- ما ننلام على سكوت أبو تركي، هو يعرف كل اللي صار وبالتفصيل.. وهو اللي اختار انه ما يقول لهم شيء، أما عن سعد.. صحيح ما اهتموا فيه كثير من بعد وفاة جده، ماحد سأل عنه ولا حتى عن جثته، مو ذنبنا اللي صار معاه، لو أهله بنفسهم مو مهتمين بالقضية ليش احنا نهتم؟
مساعد وهو يقبض يده بغضب:
- مو عذر، لو كنتوا تبون تحلون القضية فعلا وبذمة وضمير، لو يهمكم أمرهم كانوا بحثتوا من كل النواحي، مو حتى هالشيء البسيط مثل جواله ما تدرون عنه.
قاطعه منصور بحدة:
- هذا لأنه جثته أول جثة لقيناها وتأكدنا منها يا مساعد، جده دفنه بيدينه.. إيش كنا بنسوي بجواله واحنا عارفين القضية ومتأكدين منها؟
أنت تقرأ
رواية: قيلولة القمر
Romanceلا احلل النقل بغير اذن '°° أتعشَقُ مثلي الرّبا و الشّجرْ فـ تُهدِي الضّياءَ لها يا قمرْ أتعشقُها أم رثيتَ لـ حاليْ ؟ فـ جئتَ تُشاركنيْ فيْ السّهرْ أعزّكَ أنّي مقيمُ الرّحـالْ؟ فسيحُ الخيالِ بعيدَ النّظرْ نُقيمُ و نحسبُ أنّا نُطيلُ و أيّامنا كلّـها ف...