الفصل الحادي عشر

54 2 0
                                    

أروحُ وقد ختمتَ على فُؤادي
بحبِّك أن يَحِلَّ به سِواكَا
ولو انّي استطعتُ خفَضتُ طَرفي
فلم أُبصِرْ به حتّى أراكَا

— أبو الطيب المتنبي

________

( الفصل الحادي عشر )

بداخل سيارته اللي وقفها بعيد عن البيت، وجنبه حازم.
اللي من قدر يستوعب اللي سمعه طلب يشوفه، وصار مصر يعرف اللي صار بالتفصيل.
- مستحيل ما تكون عارف شيء مساعد، كنتوا مع بعض على طول، كيف يصير هالشيء معاهم هم بس؟ ليش كنت مستثنى؟
هزّ مساعد رأسه بحيرة، وهو فعلا ما يملك الإجابة.
- ما أعرف يا حازم ما أعرف شيء صدقني.
حازم بإصرار:
- حاول تتذكر، مين كنتوا تطلعون معاه ومع مين كنتوا تتكلمون، وين كنتوا تروحون.
زفر مساعد أنفاسه بضيق وهو يلف وجهه عنه ويناظر الشباك، يحاول يفكر ويتذكر.. لكن كل هالمحاولات باءت بالفشل.
ما قدر يتذكر شيء مختلف، شيء مميز لافت للانتباه.
- صحيح ماني قادر أتذكر شيء، بس ما أتوقع المدرب منصور يكون ورى هالشيء.. مو هو اللي أخذهم لهناك.
- أجل كيف تفسر غيابه معاهم؟ كيف تفسر رجعته بعد يومين من دونهم؟
هزّ مساعد كتوفه بحيرة:
- ماأعرف، بس صدقني لو كان هو ورى اللي صار ما كان برة السجن، الموضوع مو هين.. مستحيل يتركونه لو كان عندهم دليل.
- قلتها بنفسك، لو كان عندهم دليل.. يمكن يكون أخفى كل الأدلة ونجح في تشتيت المحققين.
مساعد اللي صار شبه متأكد إنه المدرب مو ورى اللي صار:
- ما أتوقع هالشيء حازم، لكن هو الوحيد اللي ممكن يجاوب على أسئلتنا لو أهلك رفضوا.
استدار مساعد ناحية حازم وهو مقطب جبينه، يسأله بشك وفضول:
- تعال حازم علمني، إيش كان قصدك لما قلت لأبوك انه حرم ولده من البنت اللي يحبها؟ وأخوك قال انك تسوي كذا عشان بنت!
ارتبك حازم وشتت أنظاره بعيد عن مساعد وهو يرد بتلعثم:
- أنا قلت كذا؟
مساعد بحدة:
- أنا ما ودي أشك فيك حازم ولا أذكر احتمالات ممكن تكون غلط وأظلمك، بس صدقني لو عرفت بعدين انك ارتكبت أي خطأ بحق أختي ما راح تلوم إلا نفسك، إحنا زوجناك اياها لأننا نثق فيك.. وهي بنفسها وافقت عليك مع انها ما قد فكرت بالزواج أبدا ولا سمحت لأي شخص يتقرب منها، لو خذلتها أو جرحتها ما راح نسكت لك يا حازم.
اكتفى حازم بالسكوت، وهو يسب نفسه بداخله.. إيش هذي الورطة اللي حط نفسه فيها؟ كيف طاح بهالموقف المحرج؟
غمض عيونه للحظات يحاول يستجمع شتاته ويبعد هالإحراج عنه وهو يقول بثقة:
- لا تخاف على أختك مني يا مساعد، ما راح أأذيها أبدا.. تطمن من هالناحية، والحين أستأذن.
نزل من السيارة فورا وبدون لا ينتظر رد مساعد، لأنه يدري لو قعد أكثر يمكن راح يجيب العيد.. وآخر شيء ممكن يتمناه حاليا انه علاقته القديمة بنجمة تنكشف الحين وهم يحاولون يعرفون سر وفاة سعد وتركي بهالطريقة الغامضة!

حرّك مساعد السيارة واتجه للبيت.
يتمنى من قلبه ما يواجه أمه وهو تعبان لهالدرجة.
أمه اللي ما هدأت حتى الآن، وتبغى ترجع ألماس بأي طريقة.. للأسف، ندمت في الوقت اللي ما ينفع فيه الندم.
دخل للبيت وتفاجأ وهو يشوف آلاء أخيرا، بعد يوم كامل، جلس جنبها:
- فيك شيء؟ مانتِ على بعضك هالأيام.
ابتسمت له بهدوء:
- لا.. ما فيني شيء.
سألها بعد تردد، وهو يدعي بداخله انه سؤاله ما يثير فيها الشكوك:
- كيف حالك مع حازم؟ أمورك طيبة معاه؟
أجفلت آلاء، وناظرته بصدمة وبعيون متسعة:
- هااه؟
انصدم هو بدوره من ردة فعلها الغير متوقعة:
- إيش فيك انصدمتِ كذا؟ لا يكون صاير بينكم شيء؟
هزّت راسها بالنفي وبشكل متتالي، الحركة اللي خلت مساعد يشك أكثر:
- لا، إيش بيصير يعني؟ بس.. تفاجأت أول مرة تسألني عن علاقتي بحازم.
- لأني كنت ألاحظ انك تطلعين معاه كثير، تطلعين مبسوطة وترجعين مبسوطة.. بس بالأيام الأخيرة حالتك متغيرة.
أومأت رأسها بتفهم:
- لا ما عليك أمورنا طيبة، أنا بس حزينة عشان ألماس ما عاد بترجع، و... تعرف، أمي كيف قاعدة تلوم نفسها على اللي صار بأمان من جديد، كأن كل هالسنين ما مرت، مساعد.. أنا مخنوقة في هالبيت، أحس ما أقدر أتحمل أكثر.
ربَت مساعد على ذراعها ثم شد على كفها:
- أدري يا آلاء فاهم عليك، بس تحملي شوي.. كلها كم يوم وتنحل هالمشاكل، كل اللي أبيه منك الحين انك توقفين جنب أمي وتسانديها، صحيح غلطت لما اجبرت أمان وألماس على الزواج، بس غير كذا بعمرها ما قصرت معانا ولا ظلمتنا، تذكري انه كل هالأشياء صارت بسبب عادات ما قدرت تتخلى عنها وهي واحدة من هالمجتمع.

رواية: قيلولة القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن