الثالث والعشرون

68 2 0
                                    

وَطَرفٌ إِن سَقى العُشّاقَ كَأساً
بِها نَقصٌ سَقانيها دِهاقا
وَخَصرٌ تَثبُتُ الأَبصارُ فيهِ
كَأَنَّ عَلَيهِ مِن حَدَقِ نِطاقا
— أبو الطيب المتنبي

____________

( الفصل الثالث والعشرون )

حتى سمعت رنين الجرس.. وقتها وصلت لذروة التوتر، وكانت على وشك البكاء.
بعد ما تركتها جيهان وراحت تستقبل الضيوف، هي وعمتها الكبيرة.
كانت تمشي في الغرفة يمين يسير تحاول تخفف من توترها، حتى اندقّ الباب بخفة.
- ادخلي جيهان من وين نازل عليك هالأدب فجأة.
تفاجأت هي واتسعت عيونها، ضحكت بارتباك وهي تشوف ألماس تدخل.
واللي شهقت وهي تغطي فمها بذهول وانبهار حقيقي:
- نسمة!!!!
زمّت نسمة شفايفها بإحراج وخجل:
- إيش فيك لا تبالغين.
مسكت ألماس يد نسمة ورفعتها وهي تخليها تدور:
- أنا أبالغ! أبدا بس الله يعين مساعد.
اكتفت نسمة بضحكة خجِلة ووجهها يحمرّ:
- يعني تمام شكلي؟
هزّت الثانية راسها بإيجاب:
- انتِ دايم جميلة يا روحي، بس هذي المرة الأولى اللي أشوفك فيها متأنقة ومتكشخة وحاطة مكياج.. شكلك، واااو إذا انا انبهرت بهالشكل فـ الله يعين مساعد فعلا.
قرصتها نسمة على كتفها بخفة:
- لا تربكيني زيادة.
تنهدت ألماس براحة وهي تشوف نسمة مبسوطة وعيونها تلمع.
دايم كانت تتمنى لمساعد بنت طيبة تستاهله، وتستاهل قلبه الطيب.
نسمة مو بس تستاهله، إلا مناسبة له بشكل مو طبيعي.. وهذا الشيء أسعدها كثير.
فرحت لما سمعت بقراره وانه يبغى يخطب يدها رسمي.
هي الوحيدة اللي كانت شاهدة على قصة حبه العجيبة.
الوحيدة اللي كانت تدري عن كل شيء صار مع مساعد ونسمة.
في البداية لما كانت تدعي انه ربي يجمع مساعد بهالبنت الغريبة، كانت تعتقد انه الموضوع درامي.. ومستحيل يتحقق على أرض الواقع!
لكن هالشيء صار فعلا!
دعوات مساعد تحققت وصارت واضحة زي الشمس.
فعلا.. المعجزات تتحقق إذا ربي أراد!

خرجت نسمة مع ألماس وجلست مع أهلها وعماتها، أم مساعد اللي ارتاحت لها كثير.. وريّحتها أكثر بتعاملها الجميل واللطيف معاها.
ومرّ الوقت وهي جالسة معاهم بدون ما تحسّ.. حتى استأذنوا عماتها فجأة وخرجوا من مجلس النساء، لما قالت ألماس إنه مساعد جاي يشوفها!
اتسعت عيونها وتسارعت دقات قلبها، ونزلت وجهها بشكل تلقائيا.. حتى انها من زود التوتر مسكت يد صفية اللي كانت جالسة جنبها وضغطت عليها بدون ما تحس من زود التوتر.
ضحكت صفية من رد فعلها، وتركتها على راحتها حتى لا ترتبك زيادة.

كانت تسمع صوت أنفاسها المتسارعة، قبل لا ترفع راسها على دخلة ولدها وتبتسم بسعادة.
لمّا دخل مساعد وألقى نظرة سريعة على نسمة اللي جالسة جنب أمه، شوي وتدخل فيها!
ألقى السلام وجلس على الأريكة المقابلة لنسمة، وجنبه ألماس اللي ما قدرت تكتم ضحكتها من شكله.
كان متوتر ومرتبك أكثر من نسمة.
لكن ما قدر يقاوم رغبته في انه يناظرها، ويشبع عيونه منها!
ظهرت على وجهه أمارات الإحباط بعد ما فشل في رؤية وجه نسمة اللي لا زالت منزل راسها من الإحراج.
وشعرها الطويل يغطي منتصف وجهها، والنصف الثاني مغطى بسبب قربها الشديد من صفية؟
تكلم مساعد بهدوء، وبنبرة وضحت فيه اليأس:
- يمه أنا مو جاي أشوفك!
ضحكوا كلهم بصوت عالي منه، واحمرّ وجه نسمة أكثر.
خاصة لما ابتعدت عنها صفية شوي بدون ما تترك يدها، ومسكت شعرها.. رجعته لورى أذنها.. ثم حطت يدها على ذقنها حتى ترفع راسها بلطف:
- خلي الولد يشوفك قبل لا يفقد أعصابه.
ابتسمت نسمة بارتباك، حسّت انها عاجزة ترفع عيونها تناظره.
مع ذلك أرغمت نفسها، وعدّت للثلاثة.. قبل لا تفتح عيونها وترفع راسها ببطء، حتى قابلت عيونها عيونه.
فيضان من المشاعر اجتاحتهم اثنينهم.. وضغطت هي على يد صفية أكثر بدون ما تحس، حتى حسّت بضيق في التنفس وحرارة في صدرها هالمشاعر الغريبة.
لقَت نفسها تبتسم وعيونها تدمع.
وابتسم لها هو بعد.
كان منظرها بعينه مبهر بشكل ما قدر عقله يصدقه.
بفستانها الفاتح اللي مناسبها ومناسب لون بشرتها بشكل مذهل، ومكياجها الخفيف اللي أبرز ملامحها، والروج الهاديء اللي يزين ثغرها المبتسم بهدوء وخجل.
منظره وهو منبهر، ونسمة وهي مستحية.. خلى صفية وبناتها يرغبون في عقد القران على الفور وتركهم لوحدهم!
حتى اكتشفوا انها ما كانت رغبتهم الوحيدة!
لما وقف مساعد فجأة والتفت تحت أنظار نسمة المتعجبة، وهو يقول:
- ما أقدر يمه بروح أجيب الشيخ الحين.
خرج فورا بخطوات سريعة حتى خرج من الغرفة وابتعد عن القسم تماما.
تعالَت ضحكاتهم وزاد خجل نسمة اللي غطت وجهها بيدينها وهي تضحك معاهم.
تكلمت آلاء من بين ضحكاتها:
- يمه من متى هالولد خفيف لهالدرجة! تطمني ألماس لا يكون خرج يجيب الشيخ صدق.
وقفت نسمة وخرجت بدون ما تقول شيء وهي حاسة انها مو قادرة تسيطر على نفسها أكثر.
حتى دخلت الغرفة وأسندت ظهرها على الباب بعد ما قفلته، ثم غطت خدودها بيدينها.. واللي صارت ساخنة تماما.
حطّت يدها فوق قلبها تتنهد براحة.. سعيدة جدا!
متأكدة إنها بحياتها كلها ما قد مرّت بهالشعور ولا جربته!
شعورها لما طاحت عينها بعين مساعد وما بينهم أي حواجز.
الشوفة بالنسبة لوضعهم ما كانت ضرورية، كانت مجرد اجراء شكلي عشان أعمامها، اللي قالت لهم جيهان انه العريس من طرفها.
لكن حاليا، وبعد ما شافته وشافها تحس انها كانت ضرورية فعلا، حتى تتأكد من قرارها ومشاعرها أكثر!

رواية: قيلولة القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن