قصة أخرى من زمن غابر.
الوجه الأكثر بؤساً من "حضن يدوم".-
هل رأت والدتها في عينيها ما تراه هي في عينيّ هذا الصغير المتجمد برداً الآن؟
ألهذا كرهت تلك المرأة الشتاء؟أما عنها هي، فقد أحبته، بالتحديد أحبت الصقيع، رأت فيه معلّمها وصديقها الوفي.
وبقدر ما أحبته مسبقاً، كرهته اليوم.كرهته مرة عندما جُفّ حليبها وليس بحوزتها ما تأكله، وأثار حنقها حينما سلبَ صغيرها قواه وأعياه فكفّهَ عن الصراخ.
ضمّتْ الجسد الضئيل إلى صدرها بكل ما تبقّى لديها من قوى تحاول تدفئته.
لو أنها فقط تستطيع دفنه في الداخل... عميقاً حيث تفور الدماء وتغلي بغضاً وترقباً، لما ترددت ثانية واحدة، ولكانت مرّت هذه الليلة بسلام....أطبقت جفنيها بقوّة تتجاهل الرائحة النتنة للفراء الذي يحيطها وطفلها، يمدّهما ببعض الدفئ.
ذلك عندما استشعرت أول دفقة من الدماء تغادرها، تلامس الأرضية المبتلة.
لا ليس هذا ما تاقت إليه!حواسها تنبّهت، البؤبؤان أخذا يهتزّان بجنون في قلب مسكنيهما، بينما سرت قشعريرة مريرة عبر كامل بدنها أيقظت الطفل من سباته المؤقت فغمغم ببعض الأصوات الخافتة قبل أن يتشبث أكثر ببشرة والدته، لم يحاول البحث عن حليب في هذه المرة، ولم تملك الأنثى البالغة حديثاً وقتاً للتعجب من أمر هذا اليأس الطارئ، فلديها ما يشغلها الآن....
لقد تعلّمتْ بأكثر الطرق وحشية وصعوبة أن هذه الفترة المؤلمة من الشهر تحمل من الخطر ما يكفي لجعلها مرحلة عبور؛ عتبة مميتة تخطّتها بشقّ الأنفس لمرّات عديدة مسبقاً، ولكن ليس مع رضيع يعتمد بحياته عليها!.
وهل فكرتْ لوهلة أن تكره الصقيع؟ هي ممتنة له بحقّ، هي تدرك هذه الحقيقة على الأقل.
نصف الوحوش الضخمة نائمة في مكان ما ولن تستيقظ في أي وقت قريب، ولكن ما يزال.... هنالك دائماً بعض المفترسات الجائعات المتربصات في الظلام في انتظار عشاء اليوم.
راقبت سيل الدماء بعصبية، هل وصلتهنّ الرائحة بحلول الآن؟
ربما سيخرج لها أحدهم في أية لحظة، عليها التيّقظ.هذه العتبة هي الأشدّ خطورة على الإطلاق، ولكنها لها، ستنفذ منها أيضاً بطريقة ما...
الاستسلام ليس خياراً متاحاً، لن تسمح لأي شيء أن يخطف منها ابنها الذي عانت طويلاً لتحصل عليه! لتسمع صوته، لتحتضنه بحنان، ولتختبر كل هذه المشاعر الجديدة...
ربما تكون ملاذه ومَن يبقيه على قيد الحياة، ولكنه كاسر وحدتها القاسية... هي أيضاً تحتاجه بقدر ما يحتاجها وربما أكثر!.
تستطيع من موقعها سماع تكسّر بعض الأغصان، تبعاً لنوعية الصوت أدركتْ أن مطاردها ضخم الجثة.
تقزّمها أمامه يمنحها بعض الفرص، ولكن عامل الجذب المتدفّق منها كفيل بأن يُميل دفّة الصراع إلى العدوّ.لا تملك شيئاً ماصّاً بكفاءة.
مرة أخرى، مقتت الشتاء لتعريته أشجارها الحانيات.تمسّكت بالطفل جيداً تخفيه تماماً بالفراء، ثمّ حثّت خطاها في الأدغال، محاولةً تجنّب ما تطئه، باحثةً عن البقع الملوّثة بالطين والروث فربما تضلل أنوف مطارديها وتكسبها بعض الوقت.
في موقف مماثل، ربما كانت لتستعين بأي شيء تصادفه لتوقف النزيف، أو لتشوّش الرائحة.
ولكنها رأت الكثير من الأطفال يموتون بعد التغذّي من أثداء النساء المريضات، وهي لن تخاطر بوليدها، المرض عدو أيضاً، وهو فتّاك، ربما لن يقتلها شخصياً ولكنّ تأثيره أقوى على الصغار.دموعها أوعذت للصّغير بأن يبكي هو الآخر، لا وقت لديها لتهدئته.
ما دام لا يملك صوتاً ليصدره مع ضعفه الراهن، إذاً لا بأس.شعرت بتوقف النزيف فابتسمت، هذا لن يستمر طويلاً، عليها أن تقتنص فرصتها في الحال.
تلفتت حولها، بإمكانها أن ترى جحراً في المدى البعيد، المشكلة أن المكان مفتوح، وقمر هذه الليلة مضيء.
لا يهم. ركضت، ركضت بسرعة، لا تمنح نفسها برهة لتلهث حتى.
ربما تكون هذه العتبة خطرة، ولكنها ليست ضعيفة!.
لن تستسلم، ستعيش ليوم آخر، وسيعيش هذا الصغير._النهاية_
أنت تقرأ
Random
Non-FictionBy me: ꪜꪖ᥅᥅ꪗ متنوع التصنيف العمري: +16 قصص وخواطر عشوائية. للتمتع بالعمل بلا اتصال، اتبع روابط التحميل المباشر المرفقة بالفصول. الجميلة مصممة الغلاف @-NAGII