[أيعقل لرائحة الكولونيا أن تبكي المرء]

140 4 2
                                    

فلاش باك
المشهد الأول :(مشفي الأمراض العقلية)
* تتذكر كارما عندما أخذتها السيدة مليحة إلى مشفي الأمراض العقلية عقب وفاة جدها مباشرةً ، حينها دخلت كارما إلى المشفي و كانت تبدو تائهة ، لا تعرف أين هي أو في أي عام ، فقط تنظر إلى الفراغ هكذا ، و بعد الكشف و تشخيص حالتها كصدمة عصبية حادة أثّرت علي قدرتها علي الكلام .
ـ جهزوا لها غرفة ، دخلتها بكل هدوء ، ثم تمددت في السرير و رفعت الغطاء علي وجهها و كأنها معتادة علي المكان ، لم يدهشها شيئاً ، أساساً لم تنظر إلى شيء ، لم تعترض علي مجيئها إلى هنا ، حتي لم تسأل عن سبب وجودها أو كم يوماً أو شهراً أو حتي عاماً هتبقي .
ـ قبّلتها السيدة مليحة من رأسها و هي تبكي ، ثم تركتها و ذهبت ، و لأنها أغلقت الباب خلفها ، إنتفضت كارما من علي السرير و قامت بفتح الباب مجدداً ، أصبحت تخاف من أن يغلق عليها.
ـ بعد قليل دخلت إليها فتاة تبدو في العشرين ، ذات بشرة بيضاء صافية و شعراً أسود .
ـ نقرت علي الباب ثم دخلت و جلست علي السرير في مقابل كارما .
إبتسمت لها و قالت : أنتي جديدة هنا ، أليس كذلك ؟
* نظرت إليها كارما بطرف عينها و لم تتحدث.
قالت الفتاة : لا تقولي شيئاً ، لقد رأيتكم و أنتم تدخلون من باب المشفي أساساً .
ثم مدت يدها إلى كارما لتصافحها و قالت : أنا اسمي نهير ، و أنتي ؟
* و بالطبع لا يوجد رد ، و لم تمد يدها لتصافحها أيضاً ، فأخذت نهير يدها و صافحتها ثم قالت : لقد سعدت بلقائك كثيراً يا أصلي ، لا لا ، لا تبدين كأصلي ، ماذا عن ليلي ؟ لا ، أنتي صغيرة جداً ، لابد إنه اسماً جديداً ، امممم سيلين ، آيدا ، ميرڤي ، إنطقي يا فتاة .
* لم تجاوبها كارما حتي إنها بدأت تشعر بالصداع مجدداً .
تابعت نهير وقالت : على كل حال ، يمكنني أن أسأل الطبيب ، هذا سهلاً للغاية ، هيا سأتركك ترتاحين الآن و لكن سأراك لاحقاً ، اتفقنا ؟
* قالت هذا و خرجت من الغرفة .
ـ ثم ركضت كارما مجدداً لتمسك بالباب قبل أن تغلقه نهير .
ـ نظرت إليها و عرفت إن غلق الباب يسبب لها مشكلة ، فقالت : حسناً إذاً ، ليبقي مفتوحاً .
* وضعت كارما رأسها بين وسادتين مثل الشطيرة و ضغطتهما بذراعها تحاول أن توقف الأصوات التي تسمعها و تسبب لها الصداع ، كانت أشبه بالنقر علي الباب بقوة ، و الصراخ من خلفه ، كاد رأسها أن ينفجر منه ، كما إن ضوء الغرفة أيضاً كان يزعجها ، نهضت من السرير و أخذت تدور في الغرفة لا تعرف متي سيتوقف هذا .
ـ و في يوماً آخر دخلت نهير إلى غرفة كارما و لكن لم تجد أحداً .
نادت نهير بصوت عالي و قالت : كارما ، أين أنتي يا فتاة ؟
* و لأن رأس كارما لم يكن يحتمل ، فأخرجت لها يدها من تحت السرير لكي تعلمها بمكانها و تكف عن الصراخ .
ـ فزعت نهير عندما خرجت يد من تحت السرير هكذا ، و إنخفضت لتنظر ، و عندما وجدتها بدأت بالضحك بشدة .
ـ كانت شخصية نهير مرحة و مليئة بالحيوية ، و علي الرغم من إن كارما لم تكن تتحدث معها و لكنها كانت تستمع لها ، حتي إنها إعتادت أن تزورها في غرفتها كل يوم ، كانوا يخففون عن بعضهم البعض بشكلٍ غير مباشر .
ـ و بعد مرور أسبوع جاءت السيدة مليحة لكي تزور كارما ، و قد أخذت لها في هذه المرة دفتر الرسم الخاص بها.
ـ دخلت السيدة مليحة و معها الطبيب المعالج إلى غرفة كارما ، و كانت نهير تتحدث معها كالعادة ، و عندما دخلوا توقفت عن الكلام و نهضت لكي تفسح الطريق للسيدة مليحة ، جلست السيدة مليحة بجانب كارما و إحتضنتها بقوة ، ثم نظرت إليها بشفقة و قالت للطبيب : مازالت لم تتحسن بعد ، إنها تبدو و لكنها لا تعرفني .
الطبيب : لا تنتظري تحسناً من أول أسبوع يا سيدة مليحة.
نهير : و لكنها تحسنت .
* نظرت إليها السيدة مليحة و هي حذرة قليلاً
فابتسمت نهير و قالت : لا تقلقي أنا لست مجنونة ، أنا آتي فقط إلى هنا لترتاح من الخارج قليلاً ، أليس كذلك يا دكتور ؟
الطبيب : بالطبع .
ثم وجّه كلامه للسيدة مليحة و قال : لا تقلقي نهير تساعدني في علاج المرضي أساساً ، و لكنها تعلقت ب كارما منذ أن أتت و أهملت الجميع .
إبتسمت نهير و نظرت إلى كارما و قالت : هذا صحيح .
ثم توجهت بالحديث إلى السيدة مليحة و قالت : لا تندهشي لإنني أحب البقاء هنا ، فـ...
قاطعتها مليحة و قالت : لم أندهش من هذا ، علي العكس أنتي محقة تماماً .
* سرحت مليحة قليلاً في وجه نهير مما جعلها ترتبك و تقول : حسناً ، سأترككم بمفردكم و أخرج قليلاً .
ـ في يوماً آخر دخلت نهير غرفة كارما التي أصبحت غرفتها أيضاً من كثرة البقاء بها ، فوجدتها مشغولة بدفتر الرسم الذي أعطته لها السيدة مليحة ، تقلب الصفحات و تنظر إلى الرسومات قليلاً ثم تمزقها و ترميها ، جلست نهير بجانبها و أخذت الدفتر و أبعدته عن يداها ، ثم تصفحت باقي الرسومات.
نهير : لماذا تمزيقها إنها جميلة ، هل أنتي من رسمتي كل هذه ؟
ثم تابعت : إن كان لدي موهبة كهذه ، لما إحتجت إلى هذا المكان أبداً ، الفنان يعبر عن نفسه و مشاكله و كل شيء بالرسم .
* نظرت إليها كارما و كأنها تقول (لا تبالغين)
فقالت نهير : ماذا ؟ هل قلت شيئاً خاطئاً ؟
ثم تابعت : في الحقيقة لا أعرف عن هذا الكثير ، و لكن أعتقد إنني محقة ، طالما لا تودين التحدث ، فالتعبري عما تريدين بالرسم إذاً ، صدقيني عليكِ أن تفرغي ما بداخلك بأي طريقة ، هذا فقط ما تحتاجين إليه ، فالترسمي شيئاً أو شخصاً يسعدك مثلاً .
* في يوماً آخر دخلت نهير غرفة كارما مجدداً ، و لأول مرة تسمع صوتها تتحدث إلى صورة في دفترها ، فرحت كثيراً و ركضت إليها لكي تعانقها ، و لكن كارما عندما رأتها تتقدم نحوها أغلقت الدفتر و وضعته تحت وسادتها ، و نظرت إلى الساعة المعلقة .
فقالت نهير : نعم أعرف لقد تأخرت قليلاً.
ثم عانقتها بشدة و الغريب أنها كانت تبكي من فرحتها .
* نظرت إليها كارما بإندهاش ، فقالت نهير : لماذا أخفيتي الصورة إذاً ؟ أريد أن أرى سبب هذا التطور أيضاً ، سأذهب و أخبر أوزغور بهذا
ـ و في يوماً آخر كانت كارما مع نهير في الحجرة العامة التي يبقي بها جميع المرضي عندما يبدؤون بالتحسن ، لقد أخدت نهير كارما لتعرفها علي الجميع .
ـ و بعد قليل ، أدخلوا رجلاً على كرسي متحرك ، إنه مريضاً جديد .

الحفرة الموسم الخامسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن