4/حبي لك ويشبه ورده حمراء

6.7K 151 0
                                    


كانت لورين تجلس في غرفة الطعام تصلح دفاتر الأنشاء لتلاميذها دخل جان دون أستأذان وسألها:
" هل أنت مشغولة؟".
" هذا واضح , أليس كذلك؟".
وقف خلفها يطل من فوق كتفيها وبدأ يقرأ في دفتر تلميذة صححت لها لورين وأعطتها علامة كاملة, كان جان يقرأ ويده تمر فوق شعرها المنسدل حول كتفيها ... لقد تركته مسترسلا بعد أن أعياها عقده بشرائط لكثرة ما عاكسها جان... وأخيرا استسلمت للفكرة.
أبعدت لورين يده بنزق من فوق شعرها , نظر اليها جان نظرة ساخرة وهو يبتسم ابتسامة غامضة, كان واثقا مما يفعل ... وقد لاحظت لورين تغيرا في الأستراتيجية المتبعة, لقد انتهى من فترة ابعاد أصدقائها عنها, وبدأ خططا جديدة.
كلما اقترب منها أحست شعورا جديدا يخيفها , هي لا تستطيع أن تتحمل قربه منها لما يثيره فيها من أحاسيس غريبة عليها, قربه منها يجعلها مرتبكة وعصبية وبالتالي يختل توازنها وهدوء بالها , وهي لا تستطيع أن تفعل أي شيء حيال هذه الأحاسيس التي يثيرها في داخلها.
" لقد أعطيت هذه الأنشاء علامة كاملة!".
" نعم, أعتقد أنها جيدة".
" هل تعرفين كيف أصححها ؟ (أخذ القلم من يدها وبدا) هكذا...(شطب بعض الكلمات) وهكذا( حذف جملة هناك) وأسلمها للفتاة لأعادة كتابتها(ترك القلم) عليها أعادة صياغتها من جديد, لغتها بغيضة ووحشية".
أخذت لورين ممحاة لأعادة الأنشاء كما كان وقالت معترضة:
" أنظر الى هذه الفوضى, لو تهتم بشؤونك فقط وتتركني أهتم بعملي!".
وبدلا من أن يدافع عن نفسه سحب كرسيا الى الطاولة وجلس عليه:
" أعطيني انشاء آخر:
وضعت لورين يديها فوق الكراسات تحميها وقالت بعصبية:
" لا يحق لك أن تلمسها , هذا عملي وأنا أصلحها وليس أنت".
" حسنا . أعدك بأن لا أكتب عليها بالقلم ولا أحذف منها ولا كلمة... مع أنني أرغب كثيرا في ذلك . ولكن أرجوك أسمحي لي بقراءتها . أنا لم أقرأ ما تكتبه المراهقات منذ سنوات, وهذا يفيد روحي وينعش ذاكرتي ( مد يده راجيا أن تسمح له) أرجوك. لقد وعدتك...".
وبعد تردد سمحت له لورين بقراءة المواضيع الأنشائية التي كتبتها الطالبات في صفها , اقترب بكرسيه من لورين , ولكنها حاولت أن تبتعد عنه , ترك ذراعه تلامس ذراعها وحين لم تعد تحتمل قربه بدأت تبتعد من جديد , ولكنه ربط رجليه برجل كرسيها ومنعها من التحرك بعد أن أمرها:
" ابقي ساكنة أرجوك, أريد أن أركز تفكيري في القراءة , آه و هذا مجهود جبار.( قلب الصفحة وقرأ العلامة المتدنية التي وضعتها لورين) ماذا؟ أنت حتما بدون تفكير يا امرأة ... هذا الموضوع الأنشائي ممتاز .
" وكيف ذلك؟ التراكيب خاطئة والقواعد رديئة واللغة عادية ومستعملة في حياتنا اليومية , لغة الشارع , لقد تجاهلت جميع القوانين المرعية في كتابة موضوع أنشاء..",
" انظري اليها من جديد. أنها تستعمل لغة حديثة لاذعة وتعابيرها مستجدة, أنها اللغة التي نسمعها حولنا كل يوم, لقد صممت أذنيك عن سماعها بأرادتك".
" ولكن اللغة المحكية لا يمكن أن نستعملها في كتابة الأنشاء , تراكيبها مفككة ومزرية".
" ولكني أعتقد أنها جيدة بل مبتكرة وغير عادية, هذه الفتاة تكره الطرق التقليدية في التعليم ولا تريد اتباع الوسائل القديمة التي تشربينها لهن كدواء فاسد مر عليه الزمن. أنني مستعد أن أمنح هذه الفتاة وظيفة مراسل مبتدىء في جريدتي اذا تقدمت تطلب عملا...".
بدأ جان يقرأ موضوعا آخر. قال:
" هذا القول غير صحيح , ألا تصرين على كتابة الحقائق؟ أول قواعد الكتابة الصحيحة هي كتابة الحقائق".
" ولكنني معلمة لغة وأنا لا أهتم بالحقائق كلها قدر اهتمامي بالخيال وصحة التعبير عن الرأي".
" أي رأي ؟ عليك تلقينهن الحقائق كلها ومن ثم يتكون لديهن الرأي الصحيح".
هزت رأسها متعجبة:
" لقد أعطيتهن الحقائق المتعلقة بكتابةالموضوعات الأنشائية والمقالة, واذا أثرت موضوعا يحرك عقولهن وتفكيرهن فأن الأهالي يتساءلون عن السبب وربما يعتقدون أن مستوى المدرسة قد بدأ ينحدر , وربما يعتقد البعض أن هذا الموضوع يعود لأنحدار في أخلاق المعلمة بالذات , وربما يرمي حولها ظلالا من الشك".
" أذن عليك تثقيف الأهالي أولا , اليس كذلك؟ (نظر اليها مشككا) طريقتك في تصحيح المواضيع الأنشائية تشير الى مقدار ما ينقصك من شجاعة كمعلمة للغة الأنكليزية , لقد قرأت الكتاب الذي أعرتك أياه ولكن شجاعتك الأدبية ليست كافية بما يسمح لك بتطبيق نظرية واحدة جديدة".
احمر وجهها خجلا وهو يراقبها عن كثب:
" أنت تشبهين المعلمين الذين جعلوني أهرب من مهنة التعليم . لم أحتمل شدة تعصبهم وعدم استعمال عقولهم وتزمتهم".
ضربت لورين يدها على الطاولة بحركة عصبية غاضبة , لم تعد تحتمل استفزازه وتهجمه عليها.
" يمكنك أن تخرج وتتركني وحدي".
بدأت لورين تفقد ثقتها بنفسها , وسائل التعليم التي تتبعها لا تفي بالقبول وأهتزت مبادئها جملة وتفصيلا , أحست أن كل شيء قد أختلط في عقلها.
" عندما أنتهي من عملي معك سأخرج(ابتسم وهو يرى كراهيتها واضحة في عينيها) ما هذا؟ ( مد يده وأمسك بمقالة كتبتها لورين) مقالة(قرأ اسم الكاتبة وابتسم بخبث ظاهر) موضوع من تأليف معلمة اللغة الأنكليزية نفسها(فرك يديه) سيكون مسليا للغاية".
" هذا المقال مطلوب من مجلة المدرسة (حاولت أن تهرب المقال من بين يديه عبثا , ضحك كثيرا وهو يقرأ) وأنت مديرة التحرير, حتما أنها قصة العام".
" لا أسمح لك بقراءته!".
" لا بأس فأنا لم أسألك السماح".
بدأ يقرأ وهي تتقوقع قربه خجلا , قرأ المقال حتى النهاية وهي صامتة تنتظر ردة فعله أو تقييمه".
سألته بلهفة:
"هل هو جيد؟".
" ماذا أستطيع أن أقول؟".
"اذن المقالة رديئة!".
ضحك كثيرا لتلهفها , كانت كطفلة صغيرة تنتظر بعض التشجيع .
" نعم (مد يده ليمسك القلم: أنها رديئة . هذا ما كنت أنتظر , ولكن الآراء جيدة ومبتكرة(بدأ يشطب بالقلم جملة هنا وأخرى هناك, يحذف ويبدل... وأخيرا رفع حاجبيه وسألها) : هل أستطيع تصحيحها؟".
هزت لورين رأسها موافقة, كانت تعلم ما الذي سيحصل للمقالة .
" عندما أنتهي لن تتعرفي الى مقالتك...".
كان جان يعمل بموضوعية فائقة , يحرك القلم ويغير في ترتيب الكلمات في كل جملة, كانت كالمريض يشاهد عملية جراحية تجرى له... راقبته وقرأت ملاحظاته القاسية في الحواشي, كانت واثقة أنه تعمد جرحها قدر المستطاع ولكنها لم تحس ألم الجراح, وأخيرا ناولها المقالة بعد أن أنتهى من عملية التصحيح وعادت لكامل أحاسيسها من جديد.
لقد تحسنت المقالة أكثر مما انتظرت , نظرت اليه محدقة لا تصدق نظراته الساخرة وهو يقول:
" هل ستسامحينني على فعلتي؟ (مشى نحو الباب) بعد تفكير , أريد الخروج من هنا قبل أن أنال نصيبي من الأهانات الضارية, لقد قررت أن أقاضيك أمام المحاكم لكثرة أستعمالك الشتائم والأعتداءات على شخصي".
ابتسم جان ابتسامة عريضة ثم غادر الغرفة.
كانت لورين تستعد لزيارة صديقتها آن لمساعدتها في تقصير ذيل فستانها, ارتدت تنورة جديدة واسعة وفوقها كنزة بيضاء ذات ياقة عالية .
دخلت والدتها الى غرفتها وسرت من شكلها الجديد , وقالت:
" أنت جميلةوجسمك متناسق وهذه الكنزة الجديدة تبرز معالم جمالك, لماذا لا تضعين بعض مساحيق التجميل على وجهك؟".
وللحال باشرت لورين بوضع بعض مساحيق التجميل على وجهها من ظل للعينين وبعض الكحل حول العينين ثم رشة بودرة خفيفة على الوجه , ثم خططت بقلم الحواجب فوق حاجبيها وبدأت تمشط شعرها وترتبه.
فتح جان باب غرفته ونادته بريل على الفور طالبة منه الحضور:
" تعال يا جان الى غرفة لورين وانظر لجمال ابنتي!".
" لماذا يا ماما؟".
ولكنه حضر على الفور ولم ينفع اعتراض لورين.
مد جان رأسه الى داخل الغرفة وابتسم بمكر وهو يراقبها ترتب شعرها الأملس المنسدل بأغراء حول كتفيها.
" استديري يا لورين ليراك جيدا".
بدت تعابير وجه جان شبيهة بما شاهدته أول مرة عندما خطا على عتبة البيت , تفحصها مليا ... حللها وجزأها ثم أعاد تركيب أجزائها خلال ثوان قليلة. وجدت لورين صعوبة في تفسير نظراته , خجلت واحمرت وجنتاها واستدارت من جديد تواجه مرآتها وتكمل ترتيب نفسها.
" هناك أنقلاب كلي وتحول سحري وتغير ظاهر".
نظر جان الى داخل الغرفة يتفحص محتوياتها , نظر الى سريرها وخزانتها وطاولة الزينة وما تحويه من أدوات تجميل وسأل:
" هل ستخرجين؟".
قالت بريل تجيب بالنيابة عنها:
" ستخرج لزيارة صديقتها آن".
" بلغيها حبي".
ثم خرج على أعقابه.
وصلت لورين لعند آن واستقبلتها صديقتها مهللة ومرحبة بانحناءة تمثيلية وهي تطري أناقتها وجمالها وقالت:
" أنت فتاة مختلفة عما تعودت , بدأت تنافسين مارغو في أناقتها وترتيبها , هل هناك تغير في منزلكم؟".
فهمت لورين قصدها , احمرت وجنتاها خجلا قبل أن تجيب قائلة:
" لقد قال أنني تحولت وتبدلت...".
" هل قال ذلك... لقد لحظ شكلك الجديد , نصحتك ونفعت معك النصيحة وأدت الى نتائج ملموسة".
" ولكنه حتما لا يعني بكلامه أي شيء يا آن ... هيا دعينا ننتهي من خياطة ذيل الفستان فهذا هو المهم الآن".
صعدت آن فوق طاولة صغيرة واستدارت ببطء , بدأت لورين تشبك الذيل بدبابيس صغيرة للطول المطلوب, وبعد أن أنتهيتا من عملهما صنعت آن بعض الشاي وشربتاه سوية ثم عادت لورين الى بيتها وتركت آن لتكمل خياطة فستانها.
دخلت لورين البيت وسمعت موسيقى تنساب برفق من غرفة جان , كانت المقطوعة الموسيقية التي تحبها كثيرا, وقفت بالممر أمام غرفته تستمع صامتة دون حراك, انخفضت الموسيقى بشكل ملحوظ وتحركت لورين فوق الأرضية الخشبية فصدرت بعض الأصوات والأهتزازات في الأرضية , حبست أنفاسها وهي تتمنى أن لا يكون جان قد سمعها , ولكن باب غرفته فتح بسرعة وظهر جان بادي الأنزعاج وهو يسأل بعصبية:
" ماذ تفعلين عندك؟".
" آسفة, كنت أسمع القطعة الموسيقية".
بدأت السير باتجاه غرفتها ولكنه تبعها وأمسك بها وجذبها الى داخل غرفته دون أن تدري ماذا يحصل, ثم أغلق الباب وراءها وأجلسها على كرسي مريح وقال:
" اصمتي الآن ودعيني أسمع الموسيقى...".
أغلق جان عينيه وسرح مع الموسيقى بينما لورين تراقبه قلقة مرتبكة, بدا صامتا رزينا وطيبا للغاية , عاد الصبي الهادىء بل الرجل المثير في حياتها, الرجل الذي يثير ويحرك عواطفها أكثر من أي رجل في العالم ... فتح جان عينيه ونظر اليها نظرة مطولة كأنه يقرأ أفكارها.

روايات احلام/ عبير : لا احد ســــواكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن