أواخر تشرين الثاني(نوفمبر) والحفلة الراقصة التي ستقام بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الجريدة التي يعمل بها جان مدير تحرير الأخبار فيها وقد أقترب موعدها , لورين متحمسة جدا لرفقة جان الى هذه الحفلة, وحماسها يزداد يوما بعد يوم وتعتبر موعدها نعمة كبرى.
نزلت لورين الى السوق برفقة والدتها وأنتقت ثوبا جديدا يليق بالمناسبة المرتقبة, اشترت فستانا من المخمل الأحمر , يظهر جمال وتناسق تقاطيع جسمها , دون أكمام , وقبة مفتوحة مستديرة تكشف عن قسم كبير من الرقبة والصدر , وستعيرها والدتها عقدها اللؤلؤ المكون من دورين لتجمل به صدرها.
في طريقهما الى المنزل أخبرت بريل أبنتها لورين أن أبن جيمس سيعود الى أنكلترا خلال الأيام القليلة المقبلة.
قالت لورين مندهشة:
" لم أكن أعرف أن عنده أبنا شابا".
" أنا متأكدة أنني أخبرتك ذلك, وقلت أيضا أن اسمه ماتيو".
" ما شكله؟ هل هو متزوج؟".
" رأيت صورته عند جيمس , شاب وسيم شعره كثيف ويشبه والده بوجهه المستدير البشوش .... أنه غير متزوج ولكن جيمس يتوق أن يراه مستقرا وهو في هذا العمر , أخبرني والده أن لديه صديقة حميمة في الخارج وهو يعرفها منذ سنتين أو أكثر, ماتيو مهندس مدني يقوم ببناء الجسوء في خارج أنكلترا".
وعندما وصلتا الى المنزل دخلت لورين الى غرفتها وأعادت تجربة فستانها الجديد وهي مسرورة فرحة, وقفت في غرفة والدتها تعيد النظر اليه في المرآة عندما سمعتا صوت سيارة جان تقف في المدخل , دفعت بريل لورين الى غرفتها وقالت:
" أسرعي يا عزيزتي وبدلي ثيابك... لا تدعيه يراك في الفستان الجديد قبل الحفلة , نريد أن نفاجئه".
بدلت لورين بسرعة فائقة وعادت الى ثيابها التي كانت ترتديها في السوق, ونزلت من غرفتها باتجاه غرفة الجلوس , التقت جان في طريقها , بصحبة فتاة أخرى غير مارغو ولكنها تفوقها أناقة وأنوثة وأكثر شموخا وتكبرا , لم يدع جان الفتاة تتكلم بل دفعها بسرعة الى داخل غرفته وأغلق الباب دونهما.
قالت لورين في نفسها: أنه وردة جديدة في حديقته... وأحست وجعا أليما في قلبها وحزنا في كيانها , بقيت الزائرة الجديدة مدة طويلة معه في الغرفة , لم تسمع لورين الضحك المعتاد أو الثرثرة وحتى الموسيقى... الهدوء يخيم كليا على جو الغرفة , وكانت تفضل لو تسمع الضجيج والقهقهات ورائحة السكائر تنساب عبر الباب المغلق أكثر بكثير من هذا الصمت المخيف... الذي غالبا ما يلف المحبين والعاشقين.
وبعد مدة طويلة خرج جان بصحبة الفتاة وأوصلها الى الباب الخارجي مودعا , وعاد الى غرفة الجلوس حيث التقى لورين وبادرها قائلا:
" أهلا لورين".
لم تجب, نظرت اليه نظرة حادة غاضبة وكأنها لا تصدق ما الذي يجري حولها, حدق اليها وقال متسائلا:
" لماذا؟ هل تغارين؟".
قالت بنزق:
"ولم أغار؟ أنت لا تعني لي شيئا البتة , لا تخدع نفسك وتعتقد أن سحرك لا يقاوم ... فأنا لست وردة في حديقتك...".
كانت لورين تريد أن تسخر منه ولكن الألم كان يعصر فؤادها , دخلت الحمام تحتمي فيه وأطلقت لدموعها العنان , وبقيت تغسل وجهها من الدموع المتساقطة رغما عنها حتى هدأت نفسها وارتاحت , دخلت سريرها تحاول النوم ولكن النوم جفاها...
وفي صباح اليوم التالي التقاها جان وهو في طريقه الى عمله, قال يخاطبها كأن الحديث بينهما لم ينقطع منذ البارحة:
" اذا كنت تصرين على معرفة ما كنا نفعل البارحة... كنا ننجز بعض الأعمال الصحافية...( وسعت لورين عينيها غير مصدقة) واذا نظرت الى يا آنسة فارس هذه النظرة كأنك لا تصدقين ما أقول, فحماقتك لا حدود لها...".
احمرت لورين خجلا بل غضبا, وصعقت من وقاحته في مخاطبتها وركضت تلملم أذيال الخيبة والمهانة.
وبعد بضع ليال قالت بريل تحادث أبنتها:
" لقد قابلت ماتيو...".
" ماتيو؟".
" أنه ابن جيمس , هل تذكرين؟ أنه شاب مهذب وقد دعوته للعشاء مع جيمس في الأسبوع القادم, في الليلة التالية للحفلة الراقصة لأهل الصحافة".
" صحيح, حسنا. سأكون جاهزة للقائه".
وصل موعد الحفلة الراقصة, كانت لورين تترقب بلهفة كبرى حلول الموعد كطفلة صغيرة, أرتدت ثيابها بمساعد ة والدتها وبحماس واضح, كانت تلبس تنورتها عندما سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتها , وعلى الفور فتح الباب وأطل جان برأسه دون أن ينتظر السماح له بالدخول , فتشت لورين عن روب المنزل لتستر به نفسها ولكنها كانت قد علقته خلف الباب.
ضحك جان ببراءة وقال:
" هل ستذهبين هكذا الى الحفلة؟ ستكونين أجمل الفتيات وأكثرهن أغراء".
صرخت لورين بصوت غاضب:
" وماذا تريد الآن؟".
" جئت لأعلمك أن هوغ سيمر عليك ليصحبك الى الحفلة".
غطت وجنتيها بيديها من الخجل وبانت جيبة الأمل في عينيها:
"ولكن... ولكن كنت أعتقد أنني سأذهب برفقتك...".
هز كتفيه وقال:
" أسف, لقد غيرت مارغو رأيها في آخر لحظة... تريدني أن أرافقها ... وما تريده مارغو تحصل عليه...".
ثارت ثائرتها وشدت على قبضة يدها بانفعال ظاهر, لم يعد يهمها أن تخفي غضبها أو أنفعالها.
بصقت في الهواء وقالت:
" أنت شهم وشجاع, أنك تحافظ على مواعيدك وأرتباطاتك وتفي بوعودك".
" من يسمعك( كان يحدق بها بنهم وخبث ويتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها) يعتقد أن أملك قد خاب...".
بقيت برل صامتة تراقب ما يجري حولها دون أن تتكلم , ولكنها أخيرا قالت بحماس:
" نعم ,لقد خاب أملها فعلا , كانت تريد أن تذهب الى الحفلة برفقتك أنت".
استدارت لورين تخاطب والدتها وقد ازداد غضبها أضعافا لتعليق والدتها:
" هذا ليس صحيحا , لا يهمني أن أرافقه".
فتحت بريل فمها مستغربة كليا ما يجري, ولكنها لم تتكلم.
قال جان:
" أهكذا؟ يراودني خاطر أكيد أن أتصل بمارغو وأعتذر منها وأصحبك أنت فقط لأثير غضبك وأزعجك".
ضحكت بريل ضحكة متكلفة في محاولة لتهدئة الجو وقالت:
" لا , لا تفعل , لا يهم الآن أن نزيد الأمور سوءا , سيصحبها هوغ".
استدار جان وخرج:
" مساء الخير يا سيدة فارس( والتفت الى لورين) سأراك في الحفلة فيما بعد".
" لا أريد أن أذهب, آسفة يا أماه ولكن حماسي قد تبخر ولم أعد راغبة في الذهاب".
قالت بريل:
" من الواضح أن أملك قد خاب يا صغيرتي , ولكن لا بأس , سترينه هناك وربما سترقصين معه أيضا...".
أنهت لورين أرتداء ثيابها وتحضير نفسها , ألقت نظرة أخيرة على نفسها في المرآة وشاهدت تعابير وجهها الحزينة , قالت في نفسها :أنا لا أريد رفقة هوغ وهو أيضا لا يريد صحبتي , كلانا يتطلع الى رفيق آخر... تجمعنا المصيبة الواحدة.
بدأت والدتها تطري محاسنها في محاولة لرفع معنوياته , استعارت لورين منديله الأحمر وربطته في شعرها متحدية.
قالت بريل:
" لماذا؟ اتركيه منسدلا أكثر ويضفي عليك جمالا فوق جملك ".
" لا أريد, أنه يضايقني وينساب على وجهي ويثير عصبيتي".
استقبلت لورين هوغ بفتور ظاهر وابتسامة متكلفة , كانت جامدة النظرات حائرة... ترد على مجاملته بكلمات تافهة لا معنى لها , قاد سيارته الى الفندق حيث ستقام الحفلة , أوقفها في المرآب , وجدت سيارة جان تقف بالقرب من سيارة هوغ , نزلت من السيارة بعد أن لفت نفسها بمعطفها الواسع , وأنتظرت هوغ حتى أقفل السيارة ومشى صوبها ووضع ذراعه وقادها الى داخل الفندق . دخلت لورين الى غرفة السيدات لترتب زينتها وتخلع معطفها وقالت تخاطب هوغ:
" سألقاك هنا بعد دقائق قليلة".
ألقت لورين نظرة أخيرة على المرآة تطمئن الى جمالها وأناقتها , كانت تظن ثوبها جميلا ولكنها بعد أن شاهدت أثواب الأخريات حولها وجدت أن فستانها يبدو بالمقارنة عاديا جدا.
قالت مارغو حين شاهدت لورين في غرفة السيدات:
" أهلا يا آنسة فارس".
كانت موردة الخدين وسحرها طاغيا بفستان أبيض واسع محلى بالكشاكش , ترتدي معه جزمة بيضاء , وتضع كذلك وردة بيضاء في شعرها.
"مساء الخير يا آنسة فرنش".
" هل هوغ معك؟".
" أنه ينتظرني في الخارج".
"حسنا علي أن أجد جان, أنه شاب لطيف , خفيف الظل ... قال أنه لا يمانع في تبديل المرافقين لنا في آخر لحظة, جان راقص ماهر بينما هوغ لا يجيد الرقص... كان لا بد من مرافقة جان بدلا من هوغ كي أتمتع بالرقص في هذه الحفلة ... وأنت لا ما مانع عندك يا آنسة فارس!".
تصرفات مارغو سخيفة وطفولية للغاية مما جعل لورين تشعر بأنها تكبرها بمئة سنة أو أكثر, ابتسمت لورين وهزت رأسها موافقة دون أن تجيب بكلمة واحدة , ثم تبعت مارغو الى خارج غرفة السيدات وشاهدتها وهي تحيي هوغ وترفع له يدها ثم تدخل الى قاعة الفندق حيث ستقام الحفلة الراقصة , وغابت وسط الجموع.
أنت تقرأ
روايات احلام/ عبير : لا احد ســــواك
Romanceالملخص " لن تكوني زهرة في حديقتي أبدا" كان يردد لها هذا بينما يجمع الأخريات الأشد جرأة منها في باقات زاهية سرعان ما تذبل وتأخذ طريقها الى زوايا النسيان. وعندما دخل حياتها المقفرة كسحابة واعدة بالمطر, أحبت لورين الصحافي الشاب جان داربي . بكل جوارحها...