9/ هزيمه جديده

6K 143 4
                                    

-
بقي يوم واحد على العيد ,مرت لورين من أمام غرفة جان المغلقة بعد سفره وشعرت بحنين كبير وشوق اليه. لم يكن قد مر على سفره أكثر من ساعات قليلة ومع ذلك أفتقدته بشكل مريع.
قالت بريل تخاطب ابنتها:
" يبدو عليك الأرهاق والشحوب, هل أنت بخير؟".
" نعم يا أماه".
لم تخبر والدتها بأن رجليها ضعيفتان لا تقويان على حملها , وشعور بالكسل والتراخي يجتاحها , فتحس بحاجة ماسة للراحة , أقنعت لورين نفسها بأن سبب شعورها غياب جان ليس الا.
قالت بريل:
" علينا صنع كعكة التوابل ولف بقية الهدايا , نعم, لقد نسيت يا لورين شراء هدية لجان وسينزعج أن لم تفكري به.
" ولماذا أشتري له هدية؟ أنه ليس من أفراد العائلة وهو مسافر ولن يكون بيننا يوم العيد( أرادت أن تقنع نفسها بأنها على صواب بينما والدتها هي المخطئة) ثم أنه لم يشتري لي هدية فلماذا أربكه بهديتي؟".
" يا عزيزتي لقد اشترى لك جان هدية وتركها بغرفته , لم أرغب في أخبارك قبل العيد... لقد ترك لك رسالة يتحدث فيها عن وردة في حديقة".
فرحت لورين كثيرا وانحدرت دموع الفرح على وجنتيها رغما عنها, قالت في نفسها:
"لم ينسى هديته".
وقالت تخاطب والدتها:
" أنت على حق اذن, يجب أن أسرع الى السوق لأشتري له هدية قبل أن تغلق المحلات أبوابها بمناسبة الأعياد".
بعد أن تناولت غداءها نزلت لورين تجوب محلات بيع الألبسة الرجالية بحثا عن هدية مناسبة, قررت أن تشتري له ربطة عنق على ذوقها, أمضت وقتا تفتش وتنتقي وأخيرا قر قرارها على واحدة ثمينة وألوانها مشرقة , دفعت ثمنها وخرجت راكضة الى البيت , وقامت على لفها وترتيبها وانتظرت مرور الأيام حتى يعود وتقدمها له بنفسها.
ساعدت والدتها في أعمال المنزل وتنظيفه استعدادا للعيد , سيحضر جيمس وماتيو بعد الفطور لتمضية أيام العيد , وبعد أن أنتهت من أعمالها شعرت بالوهن يغلبها ولم تستطع أن تخفي الأمر عن والدتها...
قالت لورين:
"علي أن أستريح في الفراش لأنني منهكة ومتوعكة الصحة".
نظرت اليها والدتها بخوف :
" أعتقد أن عليك ملازمة الفراش بعد أن تتناولي هذه الحبوب المقوية لتتغلبي على المرض, وأن شاء الله ستتحسنين في الغد".
" لا بد من التحسن , ولن أترك كل الحمل على ظهرك وحدك".
مرت وهي في طريقها الى غرفتها بغرفة جان... هل غيابه هو السبب في مرضها؟ لا يمكن , ولكنه أثر تأثيرا كبيرا على حالتها السيئة اجمالا.
شربت الحليب الساخن وابتلعت الأدوية التي أحضرتها بريل , ونامت وهي تأمل أن تستيقظ بصحتها الكاملة.
ولكن المرض تمكن منها أكثر من السابق , وشعرت باجهاد وضعف أسوأ, حاولت النهوض من فراشها ولكن رجليها لم تقويا على حملها, وعادت ترتاح مجبرة, وتقبلت والدتها الأمر الواقع صابرة وجزعة خوفا على ابنتها الوحيدة.
قالت بريل:
" أنها الأنفلوانزا قد هدت عافيتك, عليك بملازمة سريرك".
" ومن سيساعدك في أعباء المنزل وخدمة الضيوف؟".
شمر جيمس عن ساعديه ووضع مريلة حول وسطه فوق ثيابه, وقدم ما استطاع من مساعدة لبريل.
نشف الصحون ورتب مائدة الطعام وما الى ذلك.
قالت لورين تحادث ماتيو:
" والدك خدوم وقدم يد المساعدة لوالدتي في أعمال المنزل وخفف عنها العبء".
قال ماتيو:
" وابنه كذلك".
" سيكون زوجا مثاليا لوالدتي بعد الزواج".
" وكذلك ابنه مستعد للزواج, فقط لو تقبلين به".
ضحكت للورين كثيرا وشاركها ماتيو وهو يقول في نفسه: ربما وهي على ما هي عليه من الضعف, أستطيع أن أقنعها لترضى بي زوجا للمستقبل...
وبعد قليل أدارت لورين وجهها الى الحائط مبتعدة عنه , وفهم ماتيو قصدها فتركها ترتاح.
" سأراك فيما بعد يا حبيبتي".
لم تستطع لورين أن تأكل طعام العيد من الديك الرومي المحشي والسلطة, كان النوم يغلبها من شدة الأعياء , وفي المساء شعرت ببعض التحسن النسبي, فتجمعوا حول سريرها ومعهم لفائف الهدايا وقد صمموا على عدم فتحها الا بعد أن تستعيد لورين عافيتها ونشاطها وتشاركهم في تبادل الهدايا.
فتح ماتيو هدايا لورين أمامها واحدة واحدة , قدم لها جيمس كنزة جميلة تناسب التنورة الجديدة التي قدمتها لها والدتها, وقدم لها ماتيو عقدا من اللؤلؤ مكونا من دورين , وقال مازحا:
" لقد تضايقت والدتك من كثرة ما استعرت عقدها وأقنعتني بشراء عقد لك".
قالت بريل ضاحكة:
" هذا ليس صحيحا , لقد اشتراه بارادته".
حمل ماتيو القفازات التي أهدتها له لورين ووضعها قرب قلبه بحركة ودية.
خرجت بريل الى غرفة جان وعادت تحمل هديته الى لورين , فتحتها لورين فرحة وقرأت:
" الى الوردة التي رفضت أن تنمو في حديقتي".
(بائع الورد)
قالت بريل :
" لم أفهم ما يريد أن يقوله لك".
ضحك ماتيو كثيرا بينما تعجب جيمس مما سمع ولكنه بدا مرتاح البال.
أخبرتهم لورين باقتضاب ما قصد جان بكلماته...
كانت هديته أسطوانة في غلاف زاهي الألوان لسمفونية العالم الجديد... ولم تستطع لورين أن تخفي دموع الفرح.
فهم ماتيو أسباب دموعها ولكن والدتها علقت قائلة:
" لا تحزني يا حبيبتي , ستناولينه هديته حين يحضر بعد العيد".
" لقد نسي أنني لا أملك آلة الفونوغراف ليتسنى لي سماع الأسطوانة...".
قال ماتيو مازحا:
" ربما سيهديك الفونوغراف في عيد الميلاد المقبل".
ضحك الجميع وتبادلوا التهاني والتمنيات.
ومع نهاية اليوم بدت لورين منزعجة تكاد تنهار , الضعف يغمرها والنعاس يغلبها حتى أنها لم تقوى على قراءة المجلات التي أحضرها لها ماتيو لتتسلى بها , أغمضت عينيها واستسلمت للرقاد حين رن جرس الهاتف فجأة , استفاقت فزعة وسمعت والدتها تخاطب جان ... أحست برعشة لذيذة في كيانها .
قالت بريل:
" أهلا جان, هل أمضيت عيدا سعيدا؟ نعم, شكرا, لورين مريضة وترتاح في سريرها , أنها الأنفلوانزا , جان, لقد أعجبتها هديتك وربما ستحب أنت أيضا هديتها , هي مريضة حقيقة, منذ البارحة, ستحضر بنفسك لتستلم هديتك منها!(ضحكت) سأخبرها بذلك . أهلا, سأخبرها بذلك وربما يفرح قلبها , هل والدتك قربك؟ أهلا نانسي , كيف حالك؟".
لم تهتم لورين بمتابعة الحديث على الهاتف بعد أن ترك جان السماعة, لقد فعلت هذه المخابرة فعل السحر وأثرت فيها تأثيرا ملموسا , جرت الدماء سريعة في عروقها وزادت دقات قلبها , الفرحة غمرتها والسعادة أطلت من عينيها وحولها الهدايا التي استلمتها...
صعدت والدتها لتقول:
" سيحضر جان ووالدته مساء الغد".
" ولكن جان سيغيب ثلاثة أيام...".
" لديه أسباب خاصة ويريد العودة وستحضر والدته معه, ستبقى في ضيافتنا أياما قليلة , ستنام في غرفة جان وسينام هو في قاعة الجلوس فوق الأريكة , تأسف لمرضك كثيرا وهو يعتقد أنه السبب في مرضك لأنك مشيت معه في الليل البارد... وهو يلوم نفسه".
هزت لورين رأسها موافقة وسألت:
" وماذا قال أيضا؟".
" فقط أضاف ,أنه يرسل اليك حبه".
نامت لورين نوما عميقا وحلمت أحلاما هادئة جميلة , وفي الصباح أستيقظت متوردة الخدين مشعة العينين مما جعل ماتيو يعلق قائلا:
" بت أعتقد أن مرضك حيلة وأنت محتالة كبيرة , أو ربما هو مرض نفساني والدواء الشافي هو في المخابرة الهاتفية التي تلقيتها ليلة البارحة".
وصل جان ووالدته وكانت لورين لا تزال طريحة الفراش , ولكنها جاهدت وجلست في فراشها.
قالت بريل:
" من المؤسف أن تراك نانسي على هذه الحال من الضعف والشحوب , وكنت أتمنى لو تراك على طبيعتك الجميلة الفاتنة".
حين وصل جان أحست لورين بضربات قلبها تدوي في أذنيها كقرع الطبول , كانت والدة جان , نانسي, متوسطة الطول مليئة الجسم, في متوسط العمر, تقارب عمر بريل ولكنها تبدو أصغر منها رغم شعرها الرمادي, حادة العينين كجان , وابتسامتها دافئة حنونة خالية من السخرية التي لا تفارق ابتسامة ابنها.
قالت نانسي:
"يا آلهي , لقد كبرت. لم أرك منذ عشر سنوات , أليس كذلك يا بريل؟ منذ حضرت مع زوجك هنري ولورين لزيارتنا".
سألت لورين:
" وأين كان جان؟".
قالت نانسي:
" في الخارج , أنت لم تقابليه أبدا الا عندما كنت طفلة في الثانية من عمرك, وهو كان في الثانية عشرة".
قالت بريل:
" صحيح, يومها أرادت لورين أن تجلس على ركبتيه وهو يرفض".
ضحك جان كثيرا وقهقه بصوت مرتفع بينما أكملت والدته تقول:
" شاهدنا لورين تزحف الى قرب مقعده , كان جان جالسا يقرأ في كتاب , بقيت تزعجه وقتا طويلا مما اضطره أخيرا الى وضع كتابه جانبا , ضربها وأجلسها بعيدا عنه ثم عاد ليكمل قراءته".
" لا أذكر ذلك.(فرك بيديه مازحا) كنت أعرف كيف أتعامل مع الجنس الآخر حتى وأنا في تلك السن المبكرة".
نظرت والدته اليه تسأله:
" وماذا تفعل الآن لو حاولت أن تجلس لورين على ركبتيك؟".
" يا آلهي , هذا غير معقول , لا أعرف ماذا أفعل!".
وضحك , احمرت لورين خجلا من نظراته الخبيثة ثم سألته لتغير الموضوع:
" لماذا حضرت قبل الموعد المحدد لعودتك ياجان؟".
أجابت نانسي:
" كنت أريد أن نبقى للغد ولكنه رغب العودة ليرى فتاة اشتاق اليها كثيرا, لم يخبرني عن اسمها , وأنا لا أستطيع مواكبة مغامراته العاطفية التي لا تحصى...".
قالت بريل:
" أوه, ربما يريد أن يرى مارغو , هي تتصل به دائما وتأتي أيضا لزيارته .( نظرت بريل الى نانسي) عليك رؤيتها... أنها شابة فاتنة وأنيقة( التفتت الى جان وسألته) هل هي الحب الحقيقي في حياتك يا جان؟ أم تفضل أن لا أسألك؟".
قال جان متفلسفا:
" هذا يتوقف ... ماذا تقصدين بالحب الحقيقي؟( ابتسم وهو ينظر الى لورين ويكمل حديثه) أنت معلمة للغة الأنكليزية وخبيرة في المعاني يا آنسة فارس, كيف تعرفين كلمة... حب , وكلمة حقيقي؟".
أبعدت لورين نظرها عن نظراته الخبيثة وتجاهلت سؤاله.
قالت بريل:
" يحاول جان أن يتهرب من الأجابة يا نانسي ... معه حق , الأنسان حر في تصرفاته ولا يريد أن يتدخل أحد في خصوصياته ... أليس كذلك يا جان؟".
" نعم , نعم".
خرج الجميع من غرفة لورين ليستريحوا في غرفة الجلوس وعاد جان وحده , قال:
"أهلا لورين".
كأنه يراها للمرة الأولى منذ عاد من مانشيستر.
" أشكرك على هديتك يا جان. ( مدت يدها لتصافحه شاكرة , أمسك بها وشد عليها) المشكلة أنني لا أملك آلة فونوغراف لأستمع الى الأسطوانة التي أهديتني اياها".
" هذا هو السر , أنني أدعوك لزيارتي في غرفتي لتستمعي الى الأسطوانة عندي, وعندما تدخلين... هل تعرفين ماذا سيحصل؟ ربما سأخبرك كما فعلت حين كنت في الثانية من عمرك...".
ضحكا كثيرا وجلس قربها فوق السرير.
" أبتعد عني حتى لا تصاب بالعدوى".
عبس قليلا قبل أن يقول:
" آسف يا لورين , لقد تسببت لك بالأنفلونزا يوم مشينا في الليل وصعدنا التلة, لقد أفسدت عليك بهجة العيد, على فكرة , حضرت بنفسي لأستلم هديتي منك".
وبسرعة مدت يدها تحت مخدتها وأخرجت لفافة جميلة وأعطته أياها , أستلمها منها وأنحنى ليقبلها , أدارت وجهها خجلا.
فتح هديته وبدا عليه الأبتهاج وقربها من قميصه قائلا:
" شكرا, سأرتديها حتى تبلى خيوطها , يبدو أنها غالية الثمن, وسأحتاج الى سنين عديدة قبل أن تفنى , جاء دوري لشكرك( عانقها فلم تقاوم أو تتهرب . أنساقت اليه كليا ونسيت مرضها وضعفها) هل أشتقت الي؟".
هزت رأسها موافقة وبذلك تم أعترافها الكامل بحبها له.
" ماذا ؟ اشتقت الي بالرغم من وجود ماتيو قربك...".
لم تجبه , بقيت صامتة , لف ذراعيه حولها من جديد بحرارة وعاطفة مشبوبة ثم نظر الى عينيها وقرأ حبها الواضح.
" لقد ربحت المعركة أليس كذلك؟".
شعرت لورين بحزن عميق في داخلها وتساءلت:
" وأية معركة!".
" لقد أدخلتك الى حديقتي رغما عنك . لا يمكنك النكران , أنت وردة يانعة تنمو في حديقتي...".
تغير لونه واشتد صوته حدة وظهرت النظرة الخبيثة في عينيه وهو يقول:
" أنت تعرفين مصيرك, سأفعل بك كما أفعل بورودي المزهرة ... سأقطفك( مر بيده على عنقها بحركة مميتة) وأرميك كالعشب اليابس...( ابتسم ابتسامة غريبة ربما هي ابتسامة النصر ) لن تستطيعي أن تفعلي أي شيء يا عزيزتي الصغيرة ويا حبيبتي".
كان جان يتشدق ويفاخر , شعرت لورين أنها وقعت في فخ مميت , وقعت في فخ رجل حاذق , حاولت أن تخلص نفسها من الفخ باستماتة وقالت:
" وماذا بشأن ماتيو؟ أنه رجل طيب ومخلص وصادق ولا أعرف بعد أن كنت أحبه".
" وأنا لست صادقا أو مخلصا أليس كذلك؟".
" أنت لست مخلصا وأنت بنفسك أخبرتني بذلك".
" وهل أنت واثقة أن ماتيو صادق ومخلص في حبه لك؟".
تمتمت بصوت غير مسموع:
" أعرف أنه يحبني...".
" وهل تحبينه؟".
رفعت جفنيها ايجابا ولكن صوتها اختفى.
" أنا أعرف من تحبين يا صغيرتي...( سخر منها) أنك لا تحبين ماتيو بالتأكيد".
" يريد أن يتزوج مني( تمتمت) أليس هذا برهاناعلى أنه يحبني؟".
ران الصمت بينهما , بدا الأستياء جليا على محياه.
" أنت تتهربين من حبي وتستخدمين ماتيو للهروب من حبي , ألا تخجلين من نفسك؟".
تركها وخرج غاضبا لا يلوي على شيء.
دفنت لورين رأسها في مخدتها وبكت , لقد تعمد أن يذلها بعد أن أوقعها في غرامه وحرك عواطفها نحوه وجعلها تعتمد بأحاسيسها عليه وحده, أستطاع أن يسيطر على عواطفها بمقدرته الفائقة في هذا المضمار بالرغم من أمكانياتها العقلانية المميزة, وثقت به وأحبته وستندم على حبها وثقتها الى آخر يوم في حياتها.
قال ماتيو:
" ما الأمر يا حبيبتي؟".
التفتت اليه ورأى دموعها, أخذها بين ذراعيه وبكت بحرقة على صدره , ضمها اليه بحنان وربت على شعرها بلطف.
فتح جان الباب وقال:
" لورين , لقد أحضرت لك الجرائد لتتسلي...".
تمسكت بماتيو أكثر وتظاهرت بعناقه , بقيا لا يلتفتان اليه, وقف برهة ثم خرج غاضبا وصفق الباب وراءه.
سألها ماتيو عن سبب بكائها وحين أخبرته بما تشعر به هز رأسه مستغربا وقال:
" عليك أن لا تصدقي كل ما يقول , أنه يمزح وهو لا يعني نصف ما يقوله, عمله يحتاج للكلام وهذه بضاعته".
" أنه يقصد كل كلمة قالها لي".
هز ماتيو كتفيه منزعجا وقال:
" اذا كنت مصممة على روايتك فعليك أن تبعديه عن تفكيرك كليا".
ابتسمت لورين بوهن وقالت:
"سأحاول , هذا هو الحل الوحيد لمشكلتي".
أجَلت نانسي سفرها وبقيت في ضيافة بريل لعيد رأس السنة, نانسي رقيقة ولطيفة ومسلية, وكانت تتكلم عن طفولة جان وتذكر بعضا من طرائفه العديدة, وجدت لورين بعض السرور في حديثها , وكانت بريل تنضم اليها وتتحدث عن قصص طفولة لورين , كان جان يتناول طعامه في غرفة الطعام أثناء وجود والدته , وحين يستمع الى تلك القصص يبدو عليه الضجر وعدم الأكتراث.
ليلة رأس السنة ترك جان المنزل في العاشرة مساء, قال أن لديه موعدا مع رجال الصحافة ولم يحدد موعد عودته.
قال ماتيو مازحا:
" وهل ستبقى لساعات الصباح الأولى؟".
" وربما أبقى كل الليل خارج البيت( نظر الى لورين بخبث وأكمل) وهذا يتوقف على الجو".
جمدت لورين وحاولت أن تخفي غيرتها الحقيقية وأقتربت أكثر من ماتيو, ودعهم جان وألقى نظرة ساخرة على لورين وصفق الباب وراءه بعصبية.
أنضم جيمس الى العائلة في االسهرة, تابع الجميع برامج التلفزيون المسلية وعند منتصف الليل تبادلوا التهاني مع بعض وغنوا فرحين مرحين بالسنة الجديدة.
لم تشعر لورين بعودة جان من سهرته, وفي صباح اليوم التالي التقته على السلالم , كان يرتدي روب المنزل وهو في طريقه الى الحمام, منظره كسول ولا يزال النعاس يداعب أجفانه , نظرت اليه لوؤين نظرة استغراب وتساؤل , قال على الفور:
" لقد عدت متأخرا الى البيت, لم أمض الليل بطوله في الخارج, هل تعتبرين تصرفي غير لائق؟".
" ولماذا أهتم بأمرك؟ أنا لا أهتم الا بماتيو وما يفعله وأنا مسرورة بعلاقتي به, ولكن خيبة الأمل تبدو جلية عليك, ربما لم توفق بصيد لسهرة رأس السنة كما توقعت. أم هل فقدت جاذبيتك مع الجنس الآخر؟".
تركته ومشت وقد بدا منزعجا للغاية وبوده لو يعضها بأسنانه ليشفي غليله.
تركتهم نانسي في اليوم التالي عائدة الى بيتها, ودعت لورين بحرارة قائلة:
" أرجو أن تقبلي دعوتي قريبا يا عزيزتي, أرجو أن أراك في منزلي , أحضري بصحبة جان في عطلة مدرسية".
وعدتها لورين أن تزورها في عطلة الصيف وقالت:
" أفضل الأنتقال بالقطار ولا أريد أن أزعج جان".
عبست نانسي:
" لن يكون طلبك أزعاجا , أليس كذلك يا جان؟".
" أزعاجا؟( نظر الى لورين ساخرا) لا لن أنزعج أبدا... ولكنني لا أنصحك بذلك, ربما ينفذ الوقود من السيارة ولا أحد يعرف ماذا سيحصل عندئذ , أنا صحافي دون مبادىء أو أخلاق , أليس هذا رأي لورين بالصحافيين؟".
ضحكت نانسي وقالت:
"لا تهتمي يا لورين, أنه يمزح كعادته , حتما يسره أن يحضر معك لزيارتي".
قال جان:
" أنا لست متأكدا( نظر في وجه لورين متفحصا) وربما في الصيف تكون الأمور قد تغيرت جذريا في حياتنا".
نظرت والدته اليه متعجبة مما تسمع:
" هل صممت على الزواج يا بني؟ أرجو أن أرى فتاتك ولو مرة قبل أن تصبح كنتي...".
" أعدك بذلك يا أماه قبل أن يتم ذلك".
دفعها دفعا للخروج.
قالت لورين في نفسها وهي مجروحة الخاطر:
" سيتزوج مارغو قريبا جدا على ما يبدو".
مع الفصل الدراسي الجديد تابعت لورين مشروع الصحافة مع تلميذاتها , كانت تتكلم مع آن في غرفة الأساتذة وتشرح الخطوات التي تتبعها بصوت مسموع , سمعتها الآنسة غريسمون , معلمة اللغة الأنكليزية المسنة.
قالت الآنسة غريموسن:
" أنت يا آنسة فارس مخطئة في عملك. لقد نصحتك من قبل ولم تسمعي نصحي, عليك أن لا تحيدي عن المنهاج المقرر , في رأيي أنت تضيعين وقت التلميذات في موضوع تافه".
قالت آن متمتمة:
" أنتبهي يا لورين لنفسك والا أصبحت عجوزا شمطاء مثلها في المستقبل".
كانت الآنسة غريمسون تحتسي فنجان الشاي الثالث , شعرها رمادي معقوص مستدير فوق رقبتها , عيناها جامدتان لا حياة فيهما وتجاعيد وجهها واضحة ومخيفة , تحيط بعينيها هالة سوداء , وهي كثيرة الأنتقاد لكل ما تراه حولها, تقليدية في ثيابها وطريقة تعليمها حتى الجذور.
قالت لورين بعصبية:
"لا , لن أصبح مثلها أبدا...".
" ولماذا هذه المرارة في عينيك ونظرتك اذن؟ خيبة الأمل في الحب بادية بوضوح على محياك , أنصحك أن تنسيه قبل أن يحطمك ...".
وبعد أيام قليلة طلبت رئيسة المدرسة الأجتماع بلورين في مكتبها .
قالت آن تواسيها:
" لا بد أن الآنسة غريمسون قد أخبرت الرئيسة عن مشروع الصحافة... استعدي للأجابة ولا تدعي الحية الرقطاء تنال منك".
جلست لورين في مكتب الرئيسة وألقت نظرة فاحصة الى أدراجها المنتفخة وعينيها القاسيتين الباردتين , قصيرة وممتلئة في الأماكن التي لا تحتاج للأمتلاء , مسنة... وستحال الى التقاعد بعد سنتين فقط.
نظرت الآنسة مالادي نظرة حادة مؤنبة الى لورين وقالت:
" سمعت أنك يا آنسة فارس تتجاهلين المنهاج المقرر في مادة اللغة الأنكليزية ولديك مشروع يبحث في الصحافة...".
نهضت لورين لتنفي التهمة الموجهة اليها وقالت:
" هذا ليس صحيحا يا آنسة مالادي , أنا لا أحيد عن البرنامج المقرر ولكنني أقدم بعض مواده بطرق حديثة ووسائل جديدة تساعدني في تعليم اللغة الأنكليزية".
" هل لي أن أسألك .... كيف؟".
" ضمن مادة تعليم التعابير المستحدثة في اللغة , هناك حاجة ماسة لتطوير اللغة حسب الحاجة اليومية , أخترت حقل الصحافة لأنه يشرح تطوير اللغة السهلة ويسهل على الفتيات فهم الهدف من تطوير استعمال بعض الكلمات, كما وأنه يساعدهن على معرفة ما يدور حولهن في العالم خارج نطاق محيط المدرسة".
" لقد جعلت نفسك مسؤولة عن موضوع شائك... من أين أستيقت معلوماتك في هذا الموضوع؟".
" قرأت كتبا .... ولديَ صديق صحافي".
" صحافي؟ أليس من واجبك أن تتقدمي بطلب رسمي يخولك تدريس الصحافة يا آنسة فارس قبل الشروع في هذا العمل؟ آراؤك جريئة وتزعج معلمي الدائرة كلها , وكذلك ستتعلم الفتيات في الوقت المناسب ما يدور حولهن من أخبار عالمية, والى ذلك الحين علينا حمايتهن بكل وسيلة ممكنة, نحن في هذه المؤسسة التربوية العريقة في التقاليد نحارب التيارات الجديدة في التربية لأنها تشجع على اللهو وأهدافنا السامية تضيع في مثل هذه التجربة الخاطئة".
رفعت لورين نظرها الى صورة الملة فكتوريا التي تتصدر مكتب الرئيسة وقالت في نفسها: (بقي سنتان فقط وتتقاعد هذه الحيزبون...).
عادت لورين من عملها في الكلية التقنية تعبة محطمة وقد خبا حماسها بعد حديثها مع رئيسة المدرسة , وتمنت لو تتكلم مع جان وتطلب نصحه ولكن الأتصال بينهما مقطوع منذ عدة أيام , لقد تعمدت لورين الأبتعاد عن طريقه وعاملها هو بنفس الأسلوب, فكرت بأن تتحدث مع ماتيو... قالت في نفسها: يستطيع أن يستمع ويتعاطف , ولكنه لن يستطيع أن يقدم النصح.
خلعت معطفها وسمعت أصواتا من غرفة جان , قالت في نفسها: لا بد وأنه يتسلى مع وردة جديدة من وروده.
وحين تناهت الى سمعها ضحكات ماتيو تسمرت في مقعدها , لقد اختلط صوت ماتيو بصوت مارغو... كانت تتسلى بصيد جديد, ماتيو.
تذكرت كلمات جان الساخرة وهو يقول لها: هل أنت متأكدة من أخلاص ماتيو ومحبته؟ لقد دبر له مقلبا ليبعده عن حياتها كليا.
لقد نصب جان فخا لماتيو وأوقعه في شراك مارغو.... وفتنتها الطاغية , الحلقة المفرغة أياها ... مارغو وهوغ والآن ماتيو ومارغو... التاريخ يعيد نفسه.
ثارت لورين ثورة عارمة أجتاحت أعصابها وعرفت للحال أنها لا يمكن أن تتفادى المقدر ... النهاية واضحة منذ الآن.
جلس جيمس يقرأ جريدته في غرفة الجلوس بينما والدتها تقوم ببعض الآعمال في المطبخ , حدقت لورين في نار الموقد تستلهمها بعض الأفكار.
قال جيمس:
" لا تدعي حزنك يرتسم على وجهك, أنه يفسد شكلك وجمالك ويضيع الفرص من حياتك".
تفاجأت من دقة تعابيره ... كأنه يقرأ أفكارها على وجهها.
سألها:
" هل تحطم قلبك.... هل هو ماتيو؟".
" لا , أنه رجل آخر . ولدي مشاكلي في عملي".
اعترفت له ببساطة بما يثقل كاهلها.
" هذا من تأثير جان عليك , لقد غير شكلك وآرائك".
" وما الخطأ في ذلك؟".
" لا شيء يا عزيزتي , غير أنك تقفين وحدك الآن دون مساعداته المعنوية, عليك أن تكوني واثقة مئة في المئة من معتقداتك وآرائك , لتستطيعي أن تقنعي الآخرين بقوة أهدافك الجديدة".
" لقد بدأت".
" حسنا , تابعي نشاطك وأتمنى لك حظا موفقا".
" أنت تتكلم الآن كوالدتي , أصبحت متفائلا مثلها, لقد أنتقلت اليك العدوى ".
" ولهذا السبب أحبها".
قال مبتسما بحنان.
حدقت لورين به مستغربة , لم تكن تعتقد أن أحدا يستطيع أن يحب والدتها كما أحبها والدها من قبل.... وخلال فترة قصيرة ستفترق عن والدتها لتذهب كل منهما في طريقها, عليها أن تصارع الحياة بمفردها .
وأخيرا نزل ماتيو من غرفة جان يضحك بمرح , ورفع يده محييا والده ثم مشى نحو لورين وقبلها قبلة خاطفة على وجنتها , قبلة أخوية.
قالت لورين تخاطب ماتيو:
" هل تمتعت بوقتك؟".
" نعم, كم أنا مسرور لتعرفي الى مارغو. أنها فتاة فاتنة... هل تعرفينها؟".
" نعم, بالتأكيد".
" تعالي الى فوق وأنضمي الينا, أنا واثق بأن جان لن يمانع".
" لا , شكرا".
قالت في نفسها ليس في نيتي أن أشاهد مارغو تخطف مني رجلي للمرة الثانية(.
ربت ماتيو على كتفها وقفز عائدا الى غرفة جان.
قالت لورين في نفسها من جديد لقد هزمت من جديد , علي أن أعترف بصراحة أنني لا أملك جاذبية ولا يمكنني أن أحظى باهتمام رجل لوقت طويل....).
قال جيمس:
" لقد خسرت ماتيو يا لورين .... وليس الذنب ذنبه".
" أنا لا ألومه, أنا الملامة, لقد أبعدته عني بطريقة ما....".
تبادلت بريل وجيمس نظرات تحمل معان عديدة , أحست لورين أنها أصبحت خارج نطاق حياتهما الفعلية , أصبحت وحيدة متى قبل أن يتم الزواج بينهما .... وستبقى دائما وحيدة.

روايات احلام/ عبير : لا احد ســــواكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن