الفَصلُ الخامِسُ.

27 3 17
                                    

صَوتٌ خفيف وهادِئ لَكنّه بِطريقةٍ ما
مُرعب كأنّهُ بعيدُ
هو هَمسٌ أُنثَوي تَحوّلَ لاحقًا إلى صَفعةٍ خفيفةٍ عَقبَها فَتحتُ عَينيَّ ناظرةً لِفتاةٍ صغيرةٍ رُبما في السّابعةِ
والتي حالمَا تيّقنَت مِن استيقاظي بدأتْ بِسَربٍ أسئلةٍ مُبتدِئَةً كلامَها
:" تُحبينَ الكَعك بالتُوتِ ؟ أنّهُ لذيذٌ أمي أعدّتهُ لكِ . لِما تَبدينَ جميلةً لِلغايةِ؟ هل أنتِ ساحِرةٌ شريرةٌ؟ مَن قامَ بِقَصِّ خُصلِكِ بهذهِ الطريقةِ إنّهُ قصيرٌ !".

استَقمتُ لأجلِسَ على السّريرِ الذي كُنت مُستلقِيةً عليهِ عَاد وَابِلُ ذِكرياتِ الأمسِ شريطًا سريعًا
لألتَقطَ مِنهُ مَا أستَهِلُّ حديثي بِه قائِلةً لِتلكَ الصغيرة :" أينَ بيلار؟ ومَن أنتِ ؟".

:" أنا أُدعى "سَدن" وأيضًا الآنسة جَبلةُ الثلج في الأسفلِ مَعَ أمي".

:"عفوًا؟ مَا هذهِ "جَبلةُ..؟"

:"إنّهُ مُؤنَثُ جَبل ! " حدّقتْ سَدن الصغيرة بِأقراطِ سَدن الأخرى تاركةً إيّاها
في رِيبةٍ وتوّجُسٍ وبعضٍ مِنَ الأنانِيةِ
لأنَّها كانَت تتوّقعُ أنَّ اسمَها مُميَزٌ
قاطَعَ صوتٌ مِن الأسفل ِ ذلك الصَمتَ مِن نَبرَتِهِ كانَ مليئًا بالمَشاعرِ والحُبُّ
:"سَدن يا حُلوتي تعالَي لِتناولِ الكعكةِ وأحضِري الآنسةَ ساندرا معكِ ".

سَدن :

إلتفتَت الطِفلة المَدعُوّةُ سَدن لي نَاطِقةً
:" إنّها أُمي هيّا إنّها سيّدةٌ لطيفةٌ لا تَخافي !".
اكتفيتُ بالصَمتِ بَترُ صوتُ الأمُّ
شيئًا في داخِلي كَوتَرٍ خفيفٍ كَانَ ينتَظرُ مشهدًا كهذا لِيُعلِنَ عَن انقِطاعِهِ
لا شيءَ سِوى فَراغٍ، سِرتُ مع الطِفلةِ للأسفلِ وجدتُ بيلار تُطالِعُ وَجهي أعلمُ مسبقًا
أنَّ تقاسِيمَ وَجهي باهِتةٌ فَقد
لَمحتُ طَيفي في المِرآة قبلَ نُزولُنا رحبّت بي هذهِ السيدةُ الغريبةُ وَيبدو أنّها الأم
سَحبتني الطِفلةُ لِأجلسَ على طاوِلةٍ الطَعام وَغِصتُ عميقًا بِأفكاري..
هَل كنتُ سَأكونُ معَ ماما مِثلَ هذهِ الصغيرةِ وأمِها؟
رَبتَت بيلار على كَتفي وكأنّها أُخطِرَت بِمَاهِيّةِ تَفكيري وأمرتني بالأكلِ - قد بدأنا المُجازَفةَ مِنَ الآن أمامَ السيّدةِ هذهِ هي بِيلين وأنا سَاندرا -.
:"أنا أعرِفُ أنّكِ لستِ بكماءً فَما نَواياكِ مِن هذا ؟"
نَطقت إيزابيلا بهدوءٍ وثِقةٍ عَقبَ إنهاءِ سَدن طَبقها - وَهي السيّدةُ الغريبةُ ذاتُها -

أجابَتها سَدن بِتلَكُؤ :" حقيقةً .. أنا هَارِبةٌ مِن أناسٍ أشرارٍ ولهذا قَررتُ التَظاهُرَ بالبُكمِ لَكن كيفَ عَرفتِ ..؟

: "هذا لا يُهِمُكِ الآن عليكُما المُغادرة
إنّهم قادِمونَ.
أشعرُ بِذلكَ ؛ أيتُها الفتاتانِ انتَبِها لِمَسيرِكُما وزِنُوا أفعالَكُما وأقوالَكما وابتَعدا
عَن هذهِ الغابَةِ قدرَ الإمكانِ وخُذوا الحَذرَ ..كُلَّ الحَذرِ من بَطشِ اللّيلِ ".

فِي كلامِها تَجلَّت الحِنكةُ والذَكاءُ
كأنّها عَاشتْ منذُ الأزلِ في هذا المنزلِ العَجيبِ

أنّه مَوعِدُ الرّحيلِ ونحنُ أمامَ منزلِ السيّدةِ بِخُطواتٍ بعدَ أن وَدّعتنا وأعطَتنا بعضَ القوتِ والشّراب سنَقصِدَ مُعلِمةَ بِيلار فَأنا أوَدُّ أولًا رُؤيةَ ماما وتَقفِي أثرِها الضّالَ طِوالَ هذهِ السِنينِ.
كَانَت السّيدةُ "قَمر " صديقةَ ماما و مُعلِمةَ بِيلار وهي جَهّزتها مِنذُ الصِغرِ
للعنايَةِ بي وعِندما حانَ الوَقتُ المُناسب أرسَلتها لِتقويمي
وكأنَّ كُلَّ شيءٍ مُخَطَطُّ لَهُ !.

بِيلار : يا سَاندرا !

سدَن بِغيظٍ : أجل بِيلين ؟

تَنهدَت الأخيرةُ بِقلّةِ حِيلةٍ وأجابَتها :" مِن المُفترضِ أنّكِ بكماءٌ أنسيتِ ؟!"

خَفضَت سَدن رأسَها بِاستعطافٍ :" أعتذِرُ .

بِيلار بِجِدِيّةٍ : "سوفَ نَسلُكُ طريقًا مختصرًا للخُروجِ مِن هُنا لِمملكةِ والِدَتِكِ
ونُقابِلَ المُعلمَةَ قمر لَعلَّها تُسعِفُنا بِبعضِ الأخبارِ
وتَذكَري دومًا أنتِ بكماء".

تَسيرانِ سَوِيةً في أعماقِ الغابِةِ المُوحِشةِ صوتُ عِواءِ الذِئابِ يَغزو المَكان
بقيَ الحَالُ على مَا هُوَ عليهِ قُرابة السّاعتينِ وعِندما وَصلا لِنهايةِ الغابةِ الكبيرةِ
كانَت أمامَهُما سهولٌ شاسِعةٌ أي مازالَ الكَثيرُ لِيقطعوهُ
من بعيدٍ في الأفُقِ لاحَت لَهم أحصِنةٌ تَرعى في الحَقلِ فأخذا يَسيرانِ بإتجاهِها
بينَما أشبَعتْ سَدن عَينَيْها بِغفلةٍ عَنِ الوَاقِعِ مُقرِرةً عيشَ اللحظَةِ .
شارَفتا على الوُصولِ فَلَّثما وجهَيهِما
وَ أزالَتَا لِجامَ حِصانَينِ بَحذرٍ وهُدوءٍ وما إن استَشعَرَ المُزارع مَالِكُ الأحصنةِ
وجودَهُما فُزِعَ وراحَ يَصرخُ بأعلى صَوتِهِ مُطالِبًا بإعادَةِ أحصنَتِه
كَان ذلكَ عِندما إمتطّت سَدن حِصانَها لاحِقةً بِبيلار التي سَبقتها لِتُجاوِبَهِ ناسِيةً أمرَ ادّعائِها بالبُكم وَهيَ تهتِفُ بِصَخبٍ
:" أعتذرُ سيدي سَأعيدُها لكَ هذا وَعدٌ ".

وهكذا أكمَلتِ الفَتاتانِ مسيرَتَهُما فجأةً باتَت أعينُ سَدن تَلمَعُ وانفَلَتت مِن ثَغرها قَهقهاتٌ مُتعالِيةٌ
مُعلِّلةً النفسَ بالأمَلِ والحُريةِ إنّها تَشعرُ بِهما ..
لَن يطولَ سَبيلُها أبدًا.

--------------☆-------------

في مكانٍ آخرٍ كانَ والِدُ سَدن يَتخبّطُ
ويكسِرُ كُلَّ شيءٍ أمامَهُ بعدَ
أن أوقَعتهُ ابنَتُه بِمُصيبةٍ كبيرَةٍ فَقد جاءَ إليه "جُونيور" سابِقًا وهَدّدهُ بالحَربِ على
مَملكتِه إذا لَم يُزوِّجهُ الفتاةَ الّتي إختارَها أيْ "سَديم" هي كَذلِكَ الأمرُ صَعبٌ عليَها حقًا فَسُمعةُ ذلكَ النّتنِ تَسبُقهُ بِكَونِهِ فاسِدًا وقاتِلًا تَعسُفِيًّا.

'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'-'

هذا لِقَاءنا لِليومِ وَسائِدي.

أرجو أن تُحافِظوا عَلى أملِكُم في الحَياةِ .

- آرائكُم ؟

لم دُعيت حبيبًا؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن