_الـخــامــس.

70 6 0
                                    

ليسَ الحَبيبُ بِمَن يَأتيكَ في رَغَدٍ
‏إنَّ الحَبيبَ هوَ المَشهودُ في المِحَن

________________________________

قيلَ عنكَ : المُعقّدة
وقيل عنكَ : المُتشددة

وشبهوكِ بالعَجوز
وقيل عنكِ : استقمتِ لأَجل فُلان
وقيل عنكِ : قتلت نَفسَها بحشمتِها وهي صغيرة

وما يَضرّك لو قالوا فيك ما قالوا
ما يَضُرّك !! لَهُم الوِزر وَلكَ الأَجر
ألا أن سلعة الله غالية .. ألا وهي الجنة
فاصبِر .. اصبِر
وسلِّ النّّفس بِطُوبىٰ للغُرباء'

________________________________

بكت كثيرًا، ولِـ لحظة تمنت رجوعها إلى حياتها الأصلية، تلك التي لا أعلم صفة تناسبها عندما وجدت عيبٌ في حياتها، قررت التخلي عنها على الفور! لا تغضب أيها القارئ، وتذكر أنها خيال ليس إلا .
كانت قد ركنت الدفتر التي أعطاه لها ' أحمد ' على الكومود، أخذته تفتح صفحاتهِ مجددًا، وكانت تلك محاولة فاشلة منها أن تنسى ماقد قرأته منذ قليل، وها هى واخيرًا لفت نظرها ذلك القلم الموجود بِه، أخذته دون تردد، تذكرته بِـ الطبع! هذا نفسه القلم الذي أعطاه لها ' يوسف ' _ أبن عم والدتها _، تحركت نحو المكتب مجددًا وأخرجت من أحد ادراجه ورقة، كادت أن ترسم بِه مجددًا علّها تعود إلى حياتها، ولكنها ترددت كثيرًا، ظهرت عائلتها أو لِـ نقول عائلة ' ياسمين ' بِـ أكملها أمامها، تذكرت جميع المواقف بينهم، حبهم الشديد لها وحنانهم، أصدقائها، وفي النهاية هو، هل ستترك كل هذا وتذهب في لحظة، أرى من يقول أنها قد تركت عائلتها الحقيقة، فَـ بِـ التأكيد ستترك تلك العائلة أيضًا، ولك جوابي، وهو أنها لم تترك عائلتها بِـ أرداتها، بل فُجئت بِما حدث لها، وهذا ما ورِد هُنا، ولكن ومن رأيي فَـ حتى وأن كانت تعلم، فَـ كانت من الممكن والنسبة الكبرى بِـ أنها تتركهم وبِـ إرادتها، فَـ قد تمنت ذلك مرات عدة، ولكن الأن، وفي يديها كل شئ كانت تتمناه، فَـ هل ستفلتهم من يديها بِـ كل تلك السهولة؟
ولكن بِـ فطرتها البشرية قد زاد الحنين داخلها إلى والديها، ويخالفه الهوى الذى نمى داخل قلبها تجاه ذلك ال ' أحمد ' ، هى الأن في مصارعة بين عقلها وقلبها، يخبرها الأول بِـ الرحيل من تلك الدنيا المُزيفة، والأخير يُشجعها على البقاء بِـ جانب كل شئٍ تمنته، تشتت كثيرًا، وترددت أكثر، وهى حتى لا تعلم أن كانت تلك التجربة سَتنجح أم لا، نظرت حولها؛ علّها تجد من يغيثها في أتخاذ القرار، ولكن لا يوجد أحد، هى وحدها .
وبعد مدة من التوتر والتفكير الشديد، عزمت الأمر بِـ الرحيل، بدأت في إستخدام القلم من جديد ودموعها تتسابق على وجنتيها وابِلَة بآسى وحزنٍ شديد، حتى وفي لحظة تكرر المشهد من جديد، وعمّ الظلام الحَالِك أركان الغرفة، حتى وجدت نفسها أمام حشدٍ من الناس، نظرت حولها بِـ تساؤل! لماذا لم تعود إلى منزلها؟ تبًا، سينعاد كل شئ من جديد! وستعيش حياة اخرى غيرهم!! ما هذا بِحق الله؟ لمعت العبرات في عينيها، الأن هى في مأزق، ولم يعد لها القدرة على عيش حياة أخرى، فَـ مازالت الصدمة مُسيطرة عليها، ولم تتعافى منها بعد، تمنت الأن المكوث في غرفتها والبكاء كما أعتادت دومًا في حياتها الطبيعية، أو الذهاب إلى ' أحمد ' في حياتها الثانية، والأن! حياة ثالثة غيرهم؟!
نظرت حولها تنتقي شخصٌ جديد_ وكأنها تنتقي فستانًا أو ماشبهة _؛ لِـ تنتحل شخصيته، وتعيش بداله، تُرى أين يذهبون تلك الأناس اثناء وجودها هى بدلًا عنهم؟!
وقع أختيارها على فتاة تقاربها في السن، كانت ترتدي ثيابًا رسمية، شعرها قصير يعلوه نظارة شمس، وفي اذنها تقبع سماعة لا سلكية _ سماعة بلوتوث _ وفي يديها الهاتف الخاص بِها، ويديها الأخرى كانت معلّقة بِه شنطة صغيرة الحجم، نال مظهرها أعجاب الاخرى، لِذا ذهبت إليها، وربتت على كتفها بِـ هدوءٍ، لِـ تلتفت لها الأخرى بِـ تساؤل ظهر على وجهها : نعم؟
أختفى الجميع وظهر الظلام مرة اخرى، لِـ نجدها تستيقظ وتقوم من أعلى الفِراش، أخذت تدور في الغرفة متفحصة إياها بِـ عمقٍ، تبدو أصغر حجمًا من الأخرى ولكن بِـ الطبع أكبر من غرفتها، كانت معظم الأشياء بِـ الغرفة مابين اللون الأسود والرمادي، يبدو عليها العُمق والغموض، هى وصاحبتها .
خرجت من الغرفة تتفحص باقي المنزل، بِـ التأكيد أصغر من ذلك القصر، ولكنه ليس سئ، يتكون من طابقين، الأول يضم غرفة المعيشة، وغرفتين، وبِـ الأعلى كان بِه ثلاث غرف أخرى، وبِـ كل غرفة حمامًا خاص، وكان من نصيبها غرفة في الطابق العلوي، نزلت درجات السلم وعينيها تدور في المكان من حولها، حتى وقعت عيناها على طاولة الطعام، الملتف حولها رجلٌ يبدو في منتصف عقدهِ الرابع، وإمرأة في بدايته، وشاب يجلس على الكرسي المقابل لهم، ولن تحتاج إلى التفكير كثيرًا لِـ معرفة من يكونوا، بِـ الطبع تلك عائلتها، ذهبت اليهم بخطى متمهلة، وفي عقلها تدور الاسئلة، هل ستكون تلك العائلة جيدة مثل الأخرى؟
جلست بِـ جانب الشاب مبتسمة وهى تقول : صباح الخير .
لِـ تبادلها الإمرأة الابتسام هاتفة : صباح النور ياحبيبي .
ومن ثم ردد خلفها الرجل والشاب التحية وعلى ثغرهم ارتسمت الابتسامات، جيد، بداية توحي بِـ الخير، على ما أظن .
كان الصمت عنوان الجلسة، كل منهم منشغل في طعامهِ، وهى تنظر اليهم كل ثانية والأخرى، لِـ يلاحظها الرجل قائلًا : مالكِ ياولية عمّالة تبصي لنا كدا؟
: ايه!
نبست بِها بِـ استغراب، فَـ قالت الإمرأة موجهة حديثها إلى الأخرى : بقولك، ينفع متخرجيش النهاردة، عمتك وولادها جايين، خليكِ قضي اليوم معانا .
أومات لها هاتفة : تمام عادي مفيش مشاكل .
نظروا لها سريعًا بِـ دهشة لم تفهمها هى، ولا حتى أنا فَـ أنا أتفاجأ بِما يحدث أيضًا!
قال الشاب وهو يضع يديه على جبينها متفحصًا حرارتها : أنتِ كويسة يابت؟
ازاحت يده قائلة بِـ استغراب : مالك ياعمنا في ايه!
: أنتِ اللي فيه ايه، هتقعدي مع نوال عادي!
: اه عادي فيها ايه!
قالتها بِـ بساطة، لِـ يقول والدها بِـ ضحكٍ خبيث : أصلك مأخدش بالك من كلام أمك ياض، بتقول لك عمتك وولادها، وحط تحت ولادها دي خط أحمر .
فهم الأخر حديثه على الفور، ضحك مع والده بِـ خبثٍ أيضًا وهو ينظر لها : اه، قولت لي .
ضربته والدته بِـ خفة على يديه ضاحكة: بس يالا، موركوش سهراية غير على البت أنتَ وأبوك .
أنتشرت الضحكات عليها وعلى منظرها المذهول من الحديث، هى لا تفهم شيئًا، ولكنها قررت الأندماج معهم في الضحك، توقف والدها اولًا، تحدث بِـ جدية منافية حديثه السابق : علياء، أتكلمي مع عمتك حلو ياريت، ولو مكلمتيهاش خالص وتجنبتيها طول القاعدة يبقى أحسن .
: متسمعيش كلامه يابت .
همس بها ' عمّار ' لِـ ' علياء '، تجاهلته بِـ قولها إلى والدها : حاضر .
داس الأخر بِـ رجليه على خاصتها، لِـ تتأوه الأخرى بسبب ضربته ناظرة إليه قائلة : ياغبي .
تجاهلها كما فعلت هى معه وأكمّل طعامهِ، تذكرت تجاهل ' حسام ' لها يوم ميلادها؛ لِذا نمت الابتسامة على وجهها بِـ اشتياقٍ لهم جميعًا، قضت معهم وقت قصير، ولكنها أحبتهم بِـ صدق، وذلك بسبب طباعهم الحنينة، والدفئ التي كانت تشعر بِه في ذلك المنزل، همست لِـ نفسها بِـ نبرة ضاحكة : وضاعت السفرية اللي كنت بحلم بيها!

_ نوفـيلا_ مُــنتصــف الــليــل .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن