_ الـثــانــي عــشـر.

53 8 0
                                    

«سَتدري يومَ الحِساب مَنْ عَصيتَ، وسَتبكي دمًا لِقُبحِ ما جَنيتَ».

ابنُ الجوزي
_______________________________
وَاللَهُ أَرحَمُ بِالفَتى مِن نَفسِهِ
فَاعمَل فَما كُلِّفتَ ما لَم تَستَطِع.
-أبو العتاهية.
_______________________________
سلّمت أمري للرحمن واثقةً
‏بأن ربي سيكفيني ويحميني
_______________________________
"كَيفَ أنسىٰ إخوتي، كَيفَ يَحلُو الرُّقاد!
دمعُ عيني جرى واستطال السَّواد."

-لا تغفلوا عن إخواننا في فلسطين.
_______________________________
اللهم الطف بعبادك في فلسطين اللهم اجبر كسرهم وأغِثْ لهفتهم وأجِب دعوتهم وتولَّ أمرهم ، اللهم ضمِّد جراحهم اللهم اجعلهم في ضمانك اللهم وعليك بعدوك وعدوهم اللهم احصهم عددًا ولا تُبق منهم أحدًا اللهم أنت أشد بأسًا وأشد تنكيلًا.
_______________________________
" خُلِقنا لِـ نتعلم منها، خُلِقنا لِـ نُعلّم ماتعلمنا. "

الأن هى تُفكر بِه! شهقت بِـ صدمة بعد ما أدركت ماذا تفعل الأن قائلة لِـ نفسها : "ينهارك مش فايت ياخلود، أيه اللي بتفكري فيه دا يخربيت أشكالك؟ نامي وأتخمدي، نامي يخربيتك "
تنهدت بِـ عمقٍ وهى تطفئ أنوار الغرفة ومن ثم ذهبت لِـ تنعم بِـ ثباتٍ يرحمها من كثرة التفكير.

_______________________________
" يبتسمُ القلبُ قبل العينين أحيانًا. "

تسللتْ أشعاتُ الشمسِ ظلامَ الليلِ لِـ تُبدِل ظُلمتهِ بِـ نورها، بدأ الناسُ في الأستيقاظ، يستعدون لِـ بداية يوم أخر يُخبئ خلفه الكثير من الأحداثِ المختلفة، أستيقظت " فريدة " بِـ تكاسلٍ، قامت من على فراشها متجهة إلى المرحاضِ لِـ تغتسل، وبعد مدة خرجت منه حاملة في يديها المنشفة، جلست على الفراش مرة أخرى وأمسكت هاتفها تتفحصه قبل خروجها ومواجهة الحياة في يومٍ جديد، نمت على ثغرها إبتسامة بعد ما وجدت رسالة من مُنقذها الدائم في الحيوات " كريم " وكان محتواها : " بقولك، أنا قولت لنهال أننا هنخرج النهاردة، هعدي عليكِ على الظهر كدا تكوني لبستي، وقولت لها كمان تجيب زُهرة معاكِ علشان توافقي مش زي كل مرة، شوفتِ أنا جدع إزاي؟ "
كتبت له بِـ ابتسامةٍ : ماشي ياجدع.
مالها تبتسم كالحمقاء تلك الأن؟ كانت رسالة فقط!
يبدو أن بعض الحروفِ قادرة على انتشال الشخص من بقعة سوداء تُحيط بِه، وبعض حروفٍ أخرى قادرة على أن توقعه هى بِه.

_______________________________
" دقّ القلب رغم رفضه، وراقبت العيون رغم خوفها. "

كانت الساعة الحادية عشرة والنصف، وقفت أمام بنايتها مع ' زُهرة ' ينتظروا ذلك ال' كريم ' الذي جائهم بعد ما كانوا فقدوا الحياة بِـ وفاة والدهم، الذي أصبح كَـ منزل يحمي سكانه مِن خطر مَن بِـ الخارج.
أمسكت ' فريدة ' هاتفها بِـ مللٍ من الأنتظار في نية لِـ الأتصال بِه، غافلةً عن زوج الأعين التي كانت تُراقبها وتسدد لها النظرات الحارقة، تقدم منها وقاطعها بِـ صوته قائلًا بِـ تهكم : على فين العزم ياشملولة منك ليها؟
رفعت أنظارها إلى صاحب الصوت والذي لم يكن سوى ' توفيق '، زفرت بِـ ضيقٍ، كانت تتمنى ألا تُقابلهم اليوم لِـ يكتمل اليوم في فرحة، ولكن كان للقدر رأي أخر، وضعت هاتفها بِـ جيبِ بِنطالها وتقدمت خطوة منه هاتفة بِـ ثباتٍ : خارجين، أصل خطيبي ربنا يديمه ليا ويحفظه كدا يارب شافني متعكننة من ناس كدا ربنا يوقعك تحت أيد حد شبههم قادر ياكريم قال مايخرجني، وأصله محترم وابن ناس فَ جايب زُهرة معانا، دا أنا حتى بفكر أبعت لماما هى كمان تيجي معانا، أصل أخاف عليها تقعد لوحدها في بيت التعابين.
وأن كان مبتغاها من حديثها ذلك هو إثارة غيظه، فَـ فعلت هذا وبِـ جدارة، كوّر قبضة يديه بِـ غضبٍ مكتوم وأقترب منها مرددًا بِـ فحيحٍ كَـ فحيح الأفعى : والهانم مورهاش ناس تاخد إذنهم ولا هى بقت سداح مداح كدا.
أبتسمت بِـ برودٍ يُزيد من غيظه : لا ياجدع متقولش كدا، أنا خدت الإذن من أمي طبعًا، أنتَ فاكرني بنت مش محترمة ولا أيه ياعمي، واللهِ عيب.
أمسك بِـ مرفقها غارزًا أظافره في لحمها : أنتِ هتستهبلي يابت أنتِ، روحي أطلعي فوق مفيش خروج.
: والله نزعل كدا يا أونكل توفيق.
نبسَ بِها ' كريم ' الذي أتى لتوه، وقف بينهم مانع الرؤية بينهم : أنا حضّرت كل حاجة خلاص مينفعش ألغي، أبقى أفرض سيطرتك بقى مع بنتك اللي لسه شايفها مع حسن أبن ام حسن عند الكورنيش وأنا جاي.
ومن ثم أمسك بِـ كفِ ' فريدة ' التي أمسكت بِـ يدِ ' زُهرة ' و التي كانت تقف تضم كتابها إلى صدرها في خوفٍ من أن يشتد الأمر بينهما كَـ كل مرة، ولكن كالعادة آتت النجدة على هيئة ' كريم ' الذي تجاهل ' توفيق ' بعد ما تركه مشتعلًا خلفه.
ترك يديها بعد ما ابتعد عنه بِـ القَدرِ الكافي، رمقها بِـ طرفِ عينيه بِـ أبتسامة عابثة بعد ما رأى الوجوم على وجهها من مقابلتها لِـ ذلك المدعو ' توفيق '، وقف قبالتها مما أدى إلى وقوفها هى أيضًا، نظرت له بِـ تساؤل فَـ أشار لها بِـ يديه على الأنتظار ومن ثم ذهب إلى مكانٍ مجهول بِـ النسبة لها، نظرت إلى ' زُهرة ' بِـ تعجبٍ والتي بادلتها الأخرى نفس النظرات، غاب عنهم دقائق بعدها جاءَ حاملًا في يديه المثلجات بِـ نكهاتهم المفضلة، أرتسمت الابتسامة على وجههم بِـ أتساعٍ فور رؤيتهم له، بينما ' فريدة ' نظرت له بِـ نظراتِ أمتنانٍ ممتزجة بِـ أخرى لم تُعرفها، تضطرب مشاعرها عندما تراه، تشعر وكإن قلبها في سباقٍ مع أخر بسبب سرعة دقاته، يغمرها شعورٌ مُبهم بِـ النسبة لها، ولكنه جميل وهى تُحبه.
وصلَ إليهم وقدمَ لهم المثلجات بِـ أبتسامة حنونة لهم، وكإنه والدهم أو ماشبه : مش عايز مقابلة ذكر الخرتيت دا تنكد عليكم، دا أحنا لسه بنقول ياهادي.
قالت زُهرة بِـ حماسٍ وهى تلتقط منه المثلجات الخاصة بِها : والله ياكريم أنتَ جدع اوي، ربنا يكرمك يارب ويرزقك ببنت الحلال.
قهقه عليها عاليًا هو و ' فريدة ' أيضًا، شاركتهم في الضحكِ هى الأخرى بعد ما أدركت ماتفوهت بِه، لحظاتٌ مرت عليهم نسوا بِها متاعبهم، أستمتعوا بِـ اللحظةِ ونسوا أي شئ أخر يُعكر لهم صفو مزاجهم، صبوا كامل تركيزهم في سعادتهم وفقط.
أستئنافَ السير مجددًا بعد ما أنهوا المثلجات أمام النيل يتثامرون ويضحكون في أشياءٍ تافه مختلفة.
أوقفهم مجددًا أمام مكتبة، نظرت له ' زُهرة ' بِـ شكٍ وبادلها الأخر بِـ نظرةٍ بريئة : خليكوا واقفين ثواني، هخش أجيب حاجة وبعدها نروح الملاهي زي ما أتفقنا.
أواموا له بِـ أيجابٍ، فَـ دلفَ إلى ذلك المكان ينتقي منه عدة أشياء لهم الأثنين، بينما ' فريدة ' و'زُهرة ' وقفوا في الخارج في أنتظاره، قالت الأولى : ايوا يعني أيه اللي محببك فيهم كدا لدرجة أنك تجيبي معاكِ كتاب وأحنا خارجين ياقادرة.
تنهدت ' زُهرة ' بِـ عمقٍ وهى تُعدل من وضعية نظارتها : هقولك أنا ليه.
أنتبهت لها الأخرى، فَـ قالت ' زُهرة ' مكملة بِـ حماسٍ وحبٍ ظهرَ في عينيها : الكتب والروايات عوالم مختلفة يافِري، بتعيشي كل يوم قصة مع حد وعالم مختلف، بتتنقلي من عالمك دا اللي مالوش لازمة لعالم تاني خالص، عالم مفيهوش غيرك أنتِ مع أبطال الرواية، مش هتفهميني أنا عارفة بس أنا جبانة، علشان كدا بحب أهرب من هنا للعالم التاني الخاص بيا أنا بِالورق اللي مش عاجبك دا، شوفتي! كام ورقة ملهمش لازمة بمثابة عوالم ودنيا تانية خالص.
: عيونك بتطلع قلوب.
نبست بها ' فريدة ' بِـ سخرية أستقبلتها الأخرى بِـ أبتسامة واسعة : بجد! دي حاجة قليلة واللهِ القلوب اللي بتطلع من عيني دي بجد.
وماكادت أن ترد على حديثها حتى استمعَ الأثنين إلى صوته يقول بِـ مرحٍ : أنا جــيــت ياولاد.
أنتقلوا بِـ أبصارهم إليه؛ لِـ يروا ما أتى بِه، تقدم منهم حاملًا في يديه كيسين من البلاستيك الأسود، تحدث قائلًا بعد ما وصلَ أمامهم بِـ ابتسامةٍ : علشان محدش يزعل.
رفع ما في يديه أمامهم ومن ثم أعطى لِـ كلٍ منهم واحدة، أرتسمت الأبتسامات الحماسية على وجوه كلًا من ' فريدة ' و 'زُهرة ' لِـ معرفة ما جلبه لهم، فتحت أولًا ' زُهرة ' لِـ ترى أربع كتب بِـ أنواعٍ مختلفة، شهقت بِـ فرحة وهى تُرفع عينيها إليه، قالت بِـ صوتٍ متحشرج من السعادة : شــكـرًا، ربنا يديمك في حياتنا يارب.
سرق نظرة عابرة إلى ' فريدة ' أولًا والتي كانت تنظر له بِـ أمتنانٍ وحب، أعاد بصره إلى ' زُهرة ' هاتفًا : شكر إيه ياجاموسة، بطلي عبط شوية.
أبتسمت له بِـ سعادة، نظرَ إلى ' فريدة ' يحُثها بِـ عينيهِ لِـ رؤية ما جاء بِه لها، فَـ فتحت الأخرى الكيس الخاص بِها بِـ فضولٍ، لِـ يتبدل بِـ التعجب فور رؤيتها ما بِه، فَـ كان أقلامٌ ودفاتر وألوان، نظرت له بِـ تساؤل، لِـ يجاوب على سؤال عينيها : أيه! جيبت لكل واحدة الحاجة اللي بتحبها، جيبت لك ألوان وأقلام رصاص ودفاتر بيضة سادة للرسم، ولزُهرة كتب، حاجة تاني؟
لِـ ينمحو الأستغراب من وجهها بعد ما توصلت لِـ سبب أستجلابه تلك الاشياء، حال التعجب من نظراتها إلى شكرٍ وأمتنانٍ، تحدثت بعد ما طالَ بينهما النظرات قائلة بِـ نبرةٍ خرجت منها كَـ عاشقةٍ ولهانة : مش عايزة أقول شكرًا، بس هو شكرًا، ومش علشان الحاجات دي، لأ دا علشان حاجات كتير أوي عملتها لحد دلوقت أعمق بكتير من الهدايا، على الأمان اللي بحس بيه وأنت جنبي، الراحة اللي ببقى فيها لما بتبقى موجود، حاجات من كترها ماتعددش، أنتَ مش مجرد شخص في الحياة دي، أنتَ الحياة بالنسبة ليا، شكرًا ياحظي الحلو في الدنيا دي.
تحشرج صوتها في نهاية كلامها لِـ كتمها للبكاء، يبدو أن القلب رغم عصيانه خضعَ، وأن العقل رغم تمرده أذعن في النهاية لِـ الجزءِ الضئيل بِه الذي أعترفَ من البداية أنه وقعَ أسيرًا لِـ شخصٍ كانَ في يومٍ غريب.

_ نوفـيلا_ مُــنتصــف الــليــل .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن