كيف حالنا مع العبادات؟ بلا أدنى شك، نحن مقصرون، مقصرون في حق أنفسنا، وظالمون لأنفسنا، أما الله سبحانه وتعالى، فلا تزيده عبادتنا أو تنقص منه أي شيء،قد يقول البعض لماذا نعبده إذن إذا كنا في جميع الحالات مقصرين ؟
نعبده لأننا في حاجة إلى الله، هو الغني ونحن الفقراء، هو الرحمان الرحيم، ونحن خلقه، هو الغفار ونحن المذنبون في حق أنفسنا وفي حقه، نعبده لأننا بحاجة لتلك الصلة مع خالقنا سبحانه وتعالى
نحتاج توجيهه لنا من خلال آياته، نكلمه ونطلب منه ونحن بين يديه في الصلاة، نؤدب أنفسنا ونصلحها بذكره، أما إن قطعت هذه الصلة، سنعيش تائهين، فاقدين لبوصلة الأمان، فاقدين لقطعة منا قد نبحث عنها في ملذات الحياة، لكن رغم استغراقنا فيها، فلا تزيدنا إلا هلاكا ومعيشة ضنكا في ظل إعراضنا عن ذكر الله.
لكن لماذا نبقى مقصرين مهما بلغنا من الطاعات؟ لنأخذ على سبيل المثال فقط، الصلاة، بعيدا عن الاستثناءات المحمودة أو المذمومة معا، سنأخذ فقط المتوسط المعتاد
عادة ما يبدأ الطفل منا الصلاة في سنوات متأخرة من طفولته، بتوجيه من أهله، وغالبا ما تزيد حدة هذا التوجيه عند السبع سنوات، امتثالا لحديث النبي، صلى الله عليه وسلم
مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع؛ (حديث صحيح رواه أبو داود في كتاب الصلاة، [حكم الألباني] : حسن صحيح)
فتكون الصلاة بداية بالنسبة للطفل، مجرد حركات لا يستشعر أي فائدة منها، بل فقط يظن أنها تلهيه عما يحب القيام به، فيسارع في قضاءها حتى يتسنى له اللعب من جهة، ويتخلص من الوخز الشفوي لوالديه من جهة ثانية كي يؤدي صلاته
تبقى السنوات الأولى تمضي على هذه الشاكلة، حتى يكبر ذلك الطفل ويبلغ سن التكليف، ولنفترض جدلا أنه منذ أن بلغه أصبح مواظبا على صلاته و أدرك الفائدة منها، فأصبح يجاهد نفسه حتى تقبل منه كل صلاة بإذن الله تعالى
لكن رغم ذلك ومع اعتبار لإنسانيتنا وضعفنا، أي الاحتمالين أقرب للواقع، أن تكون كل صلاته صحيحة كاملة أم يعتليها بعض الخلل،
في بعض الأحيان، نقوم بجمع الصلوات فلا نؤديها في وقتها، في كثير من الأحيان نسهو بينما نحن نصلي، في بعض الحالات لا نقدر على المحافظة على خشوعنا طوال تلك الصلاة والأسوء أن نقوم بقطعها لأيام، لسبب أو لآخر
هل كل حركة صحيحة، هل قراءتي للقرآن صحيحة، ماذا عن الأدعية الملازمة لكل حركة هل قلتها على أحسن وجه،
لا أقول أن صلاتنا في هذه الحالات غير مقبولة، فذلك أمر بين العبد وربه سبحانه وتعالى، إنما أبرز أن الاحتمالات التي يمكن فيها الخطأ كثيرة
ولذلك فنحن بعيدون كل البعد على أن نعبد الله حق عبادته، وهذا مثال بسيط عن الصلاة، دون الخوض في قراءة القرآن والصوم والذكر، إلخ
"ما في السَّماواتِ السَّبعِ موضِعُ قدمٍ ، ولا شبرٌ ، ولا كفٌّ إلَّا وفيهِ ملَكٌ قائمٌ ، أوَ ملَكٌ ساجدٌ ، أو ملَكٌ راكعٌ ، فإذا كانَ يومُ القيامةِ ، قالوا جميعًا : ما عبَدناكَ حقَّ عبادتِكَ إلَّا أنَّا لم نُشرِكْ بِكَ شيئًا"؛ (المصدر : تحفة النبلاء)
تخيل أن هناك ملائكة، الذين خلقوا أساسا ليطيعوا الله في كل الأمور، بعضهم قائمون وبعضهم ساجدون وآخرون راكعون، منذ أن خلقوا حتى يوم القيامة، وهم على هذه الشاكلة يعبدون الله، و ما إن تقوم القيامة حتى يقولوا "ما عبدناك حق عبادتك"، كائن منذ أن خلق وهو يعبد الله إلى أن تقوم الساعة، وحينها يعترف أن عبادته رغم ذلك ناقصة
ماذا سنقول نحن حينها؟ أو قبل أن نفكر في جواب لهذا السؤال، كم قضينا أساسا من سنوات حياتنا في عبادة الله
لا أعلم كيف شعوركم بالظبط حين إدراك هذا الأمر أو تذكره ولزيادة توضيح الفكرة التي أرغب في إيصالها؛ لنا أن نتخيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول : "واللَّهِ ما أدْرِي - وأَنَا رَسولُ اللَّهِ - ما يُفْعَلُ بي ولَا بكُمْ"؛(صحيح البخاري)
تأكيدا وامتثالا لأمر الله في سورة الأحقاف الآية 9: "قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ". فماذا يسعنا أن نقول نحن إذن؟
نحن عبادك المقصرين، نحن عبادك الظالمي أنفسهم فإن لم تغفر لهم وترحمهم لنكونن من الخاسرين، نحن عبادك الراجين رحمتك فوالله سبحانك ما عبدناك حق عبادتك