يوم جديد، ماذا يحمل في طياته لي، نفس النمط الذي كرهته كل يوم، دخلت كعادتي إلى ذاك المكان الذي أمقته، لا أكره المكان بعينه، و إنما بعض من فيه،
وللتحديد أكثر لا أمقت الأشخاص، بقدر ما أكره سلوكهم، مررت بجانب أناس يتحادثون، بينما يحمل أحدهم صندوقا خشبيا، يمده أمام كل شخص، حتى يضع فيه هذا الشخص قدرا من المال بحسب استطاعته، وبينما أنا أمر بجانبهم، أدركت أن هذه المساعدة لصديق لهم تعرض لحادث أثناء ممارسته لعمله،
و في حين أن ذاك المتطوع يجمع المال في الصندوق، أجاب أحد مازحا: " أنا من يجب أن تقدموا له هذه المساعدة، أنا الذي لازلت شابا مقبلا على الدنيا"، فكان رد المتطوع حرفيا بالعامية "حتى طيح حتى نتا"، أي بمعنى "حتى تسقط أنت أيضا"، بقدر بساطة هذه المحادثة، بقدر عمق معناها وبقدر ما أطلقت صافرات الإنذار في عقلي، و أشعلت غضبي لكمية تناقضات ما بين السطور.
لا أعلم نية المتحادثين فيما بينهما، لا أعلم إن كان مزاح الأول، مزاحا، أم أنه يدس طلبا متخفيا تحت عباءة الدعابة، في كلتا الحالتين، كيف لك أن تحسد شخصا ابتلي في صحته، شخصا يصعب عليه أن ينجز عمله الذي يدر عليه دخلا يعف به نفسه و أهله، بينما أنت في كامل عافيتك و لازلت تملك عملك، عوض أن تنظر لأخيك إلى ما في يديه، انظر إلى نعمك أنت، التي ربما لم توفيها حقها.
مبادرة جميلة أن تساند أخيك في ضيقه، فتيسر عليه مصاعب الحياة و تأخذ بيده، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى" (المصدر: صحيح الجامع)لكن أيجب أن ننتظر حتى يكون الإنسان في أسوء أحواله، حتى نمد له يد العون، أيجب أن نتأكد من أنه في ضيق خانق، مخافة أن تذهب الصدقة سدى، "إن تبدوا الصدقات فنعما هي، و إن تخفوها وتؤتوها الفقراء، فهو خير لكم" (سورة البقرة: الآية 271)، فهو خير لكم لكم، و ليس لهم.