في وقت من الأوقات سابقا، منذ سنوات خلت، كنت أتساءل مع نفسي، لماذا خلقنا؟ لماذا نحن هنا وكل باقي الكائنات الحية؟
ما الغرض من هذه المقادير الفيزيائية المعقدة والتي لم يستطع الإنسان سبر أغوارها بالتفصيل بعد، لماذا هذه الأنظمة البيئية التي نعيش وسطها ونتفاعل معها في كل يوم؟
إذا نظرت نظرة سطحية لدورة حياة إنسان أو أي كائن حي على العموم، ستجدها في غالب الأحيان تدور بين ولادة ونمو، أكل وشرب ونوم، ثم تكاثر ووفاة،
وبنفس تلك النظرة السطحية، ربما نتساءل، ما الغاية من خلق كائن فان، مهما بلغ من الشهرة قيد حياته، مآله إلى حفرة تحت الأرض وأن يغدو ماضيا طي النسيان،
حتى لو كان عالما وقدم العديد من المساهمات في مجاله، حتى وإن لقبت إحدى المعادلات الرياضية أو الفيزيائية باسمه، ما الذي سيستفيده،
بالمنطق المادي، هي شهرة و ربما غنى قيد حياته، لكن بعد موته، ما الذي سيستفيد منه تاركا خلفه مساهمة علمية أو اختراعا ساهم في تطوير البشرية، بالمنطق المادي أيضا، الجواب هو لا شيء
لكن هذا لا يعقل، لا يعقل أن تتوالى كل هذه الأجيال للاشيء، لابد من وجود سبب ما، لابد أن هناك غاية ما،
لن تحتاج لكثير من الوقت حتى تعرف الجواب، بينما أنت تقرأ وردك اليومي من القرآن الكريم، وعند سورة الذاريات الآية 56 ستجدها بصريح العبارة يخاطبنا الله سبحانه وتعالى قائلا "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
أي نحن هنا فقط للعبادة، فلماذا نعمل إذن؟ لماذا ندرس؟ أليس من الأحرى أن نخصص وقتنا للعبادة فقط، قد تبدو الآية نوعا ما مبهمة، لكن سرعان ما نجد التفسير في الأحاديث النبوية،
فالدراسة عبادة، والعمل عبادة، أن ترفه عن نفسك عبادة، أن تنفق على أهلك عبادة، كيف ذلك؟ عبر استحضار الله في كل الأعمال وإخلاص النية بغية التقرب إليه عز وجل،
حينها سنحقق مقصود الآية 162 من سورة الأنعام
"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"لكن ما نعيشه اليوم، يدفعني للتساؤل ثانية، هل فعلا ما تحركنا هي العبادة، أم أن هناك شيء آخر؟
يؤذن الفجر، وتجد الأحياء ساكنة، إلا قلة من الراجلين السائرين في الظلمات نحو المساجد، وبعض السيارات تمضي هنا وهناك،
لا أقلل من حجم هؤلاء، لكن من البديهي والواضح أنهم قلة بالمقارنة بالشطر المتبقي من الناس، وما تكاد تمضي سويعات، حتى تكتظ الشوارع بالناس والسيارات ذاهبين لدوام العمل،
هل فعلا ما تحركنا هي العبادة ؟
شباب يبكون أمام المدارس بعد الامتحان، محتجين بصعوبة الامتحان، مقتنعين بأنهم الضحايا، وأن الأساتذة المراقبين هم الأشرار في القصة، الذين لم يرغبوا لهم النجاح، لأنهم لم يسمحوا لهم بالغش،
يجاهرون بمحاولتهم للغش، ويلومون الأساتذة لأنهم لم يسمحوا لهم بذلك ولم يتركوا لهم الحبل على الغارب،
هل فعلا ما تحركنا هي العبادة ؟
يجاهر الإنسان بالمعصية، ويرتكب الذنوب والكبائر، ويبتعد عن العبادات، ويمضي في حياته دون تحري الحلال من الحرام، دون خوف من حساب أو عذاب، إنسان يعيش من أجل شهواته فقط،
هل فعلا ما تحركنا هي العبادة ؟
الجواب، لا، إلا من رحم الله منا، يحركنا المال، تحركنا الشهوات، ذاك الذي تأخر عن صلاة الصبح و نهض للدوام، يقدم المال على الصلاة، والذي طالب بالغش في الامتحان، له أولويات أخرى أيضا "أهم" من العبادة،
فالعبادة أصبحت صورية، الصلاة مجرد حركات نقوم بها، لماذا ؟ لا تسأل، المهم أن تسكن ضميرك، والقرآن أصبح كلمات تردد في الجنائز فقط، لماذا ؟ أيضا لا تسأل، هي مجرد عادة فقط،
جيل بعد جيل تتبدد العبادات شيئا فشيئا، ما نراه الآن تخلل للعلمانية في صفوف هذه الأجيال الصاعدة، والتي ستورث مناهجها لمن بعدها،
كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
" يدرُسُ الإسلامُ (أي بمعنى تنمحي آثاره) كما يدرُسُ وَشيُ الثَّوبِ (كما يمحى نقش الثوب المرسوم فيه) حتَّى لا يُدرَى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدَقةٌ، ولَيُسرى على كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ في ليلَةٍ، فلا يبقى في الأرضِ منهُ آيةٌ، وتبقَى طوائفُ منَ النَّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ: أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها..."
المصدر: (صحيح ابن ماجه، الصفحة أو الرقم: 3289)