البداية 🌱

150 11 16
                                    

لا تنسوا ذكر الله - جل جلاله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ

تعليق وتصويت من فضلكم.
الحلقة الأولى..

نزعت القفازات الطبية التي امتلأت بالدمـ ـاء، واتبعتها بمئزري الذي صار يجابهها تقريبًا؛ فجـ ـثة اليوم التي أُرسلت للمشرحة، كانت مشـ ـوهةً بطريقةٍ بشعةٍ، تثير غثيان الناظر إليها، واضح أن القـ ـاتل قتل ما تبقى لديه من ضمير قبل أن يجهز على ضحيته. أحيانًا أشعر أنني أعيش وسط وحوشٍ وليسوا بشرًا؛ فُطروا على الإنسانية.

جثة مقطعة الأطراف... جثة محروقة... جثة مسممة بأخطر أنواع السموم؛ هذا ما تراه عيناي طيلة فترة عملي، حتى أضحى جمال الورود  الحمراء في نظري رمزًا للموت!

وبعد أن نظفتُ نفسي، جلستُ خلف مكتبي، أدون في تقرير نتائج التشريح، وقد بلغ مني التعب كل مبلغ، فقد أمضيت الليلة كلها وأنا أعمل. مرت ساعة ونصف كنت فيها قد أنهيت التقرير، فنظرت من النافذة لأرى السماء وقد تزينت بخطوط الفجر البيضاء.

«سبحان الله! لا شيء يُعلى على الجمال الرباني. غريب كيف يرى الإنسان هذا الجمال ويقدم على سفك دماء أخيه المسلم بكل برودة؟ حتى لو كان بينهما ثأرٍ؛ فهذا لا يمنحه الحق أن يقتص منه بتلك الطرق الشنيعة».

حدثت نفسي ولا زالت عيناي تراقب نجوم السماء التي بدأت بالأختفاء رويدًا رويدًا تحت سطوة ضوء الفجر، ممهدًا هو أيضًا لشمس الصباح بأن تأخذ نصيبها من الهيمنة.

ومع ذلك السكون الذي يلفني - لا مؤنس لي ولا صاحب غيره - غشت  عيناي سحابة سوداء، وتحت سطوة الإجهاد، نمتُ لما يقارب الربع ساعة. لكنني استيقظت على صوت أذان الفجر، فمسحت وجهي بكفي يدي لأطير النعاس من عيني، ثم نهضت بتثاقلٍ ناحية الحمام لأتوضأ وأذهب بعدها لأداء الفريضة في المسجد القريب من المستشفى.
************
بعد عودتي من صلاة الفجر، رقدت لساعة  تقريبًا قبل أن يوقظني صوت دقات الباب، فتنهدت بتعبٍ، مفكرًا في نفسي فيما أنهض من على السرير لأفتح للطارق:
«من غير الضابط صالح سيأتي في هذا الوقت المبكر ليقلق راحتي!»

فتحت الباب ليقع نظري على وجهٍ حاد الملامح، ذا ذقنٍ حليقٍ ورأسٍ أقرعٍ، ويميزه طوله الفاره الذي يجبرك على رفع بؤبؤ عيناك لتنظر إليه.

- لا زلت نائمًا؟

- كما ترى!

سألني بنبرته الخشنة فأجبته بينما التف عائدًا إلى سريري أكمل نومي، غير آبهٍ له. أعلم أن هذا من قلة الذوق، لكن شخصٍ مثلي يقضي مع الجثث أكثر مما يقضيه مع البشر؛ ماذا تتوقعون منه؟ ودون أي مقدماتٍ سألني الضابط صالح سؤاله المعتاد:
- أين التقرير؟

إدريس في أحضان الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن