أماسير

20 4 13
                                    

لا تنسوا ذكر الله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ 🌹

----

الفصل السابع.

عقبَ شرائنا للحصانِ، وتجهيزِ كلِّ ما يلزمنا بشأنِ الرحلةِ، دلف بي ألفريدُ إلى محلٍّ لبيعِ الملابسِ الرجاليةِ، حيثُ قام بابتياعِ ملابسَ لي، تشبهُ تقريبًا الملابسَ التي يرتديها ويرتديها أغلبُ سكانِ المدينةِ.
لأكونَ صريحًا، لقد نال اللباسُ الجديدُ استحساني، كان مريحًا ومناسبًا لامتطاءِ الحصانِ، عكسَ الذي كنت ألبسهُ سابقًا، وحتى الحذاءُ لم يختلفْ عنه.

فضلًا عن ذلك، لم يكتفِ ألفريدُ بشراءِ ثوبٍ واحدٍ، بل اشترى لي اثنينِ غيرَ الذي ارتديته، اعترضتُ بشدةٍ في البدايةِ، أفلا يكفي أنهُ اشترى حصانًا لي، لكنَّ اعتراضي قُذفَ به إلى عرضِ الحائطِ، وقام بشرائهم، فما كان مني إلّا أن أَرضخَ في نهايةِ المطافِ.
وكانَ آخرَ مكانٍ قررنا زيارتهُ؛ مكتبةٌ - رغمَ صِغرِ حجمِها - تحوي العديدَ من الكتبِ؛ المحليَّةِ منها والأجنبيةِ، وربما أجدُ فيها تفسيرًا لما حدثَ معي، فالكتبُ بوابةُ الأسرارِ!
*******
عندما انزلقتْ أقدامنا داخلها لأولِ مرةٍ، كانت ضيقةً بالكادِ تتسعُ لثلاثةِ أشخاصٍ، تلتفُّ حولها الكتبُ من كلِّ النواحي، بعضها جديدٌ لامعٌ، يجذبكَ من بعيدٍ لتقتنيه، وبعضها قديمٌ، تفوحُ منهُ رائحةُ الأزمنةِ الغابرةِ، والأساطيرِ القديمةِ، تفتنكَ لتقتربَ منها وتتلمسَ غلافها المتجعد.

- ألفريد، هذا أنت؟ لقد مضى وقتٌ طويلٌ منذ آخرِ مرةٍ وطأتْ قدماكَ المكتبةَ.
جذبني من تأملي صوتٌ رزينٌ، ذو بحةٍ فريدةٍ من نوعها. رفعتُ نظري نحوَ صاحبهِ لأتفاجأ بشابٍّ في الثلاثينَ أو نهايةِ العشرينياتِ، يقفُ خلفَ منضدةِ البيعِ، يضعُ نظاراتٍ على عينيهِ الكهرمانيةِ، ويرتدي ثوبًا طويلًا بنيًا، يشبه الجلبابَ المصريَّ.

تقدَّمَ نحوهُ ألفريدُ بابتسامةٍ ودودةٍ عبرتْ عن المكانةِ المميزةِ التي يحتلها في قلبهِ، ثم أجابهُ بينما يحتضنهُ بشوقٍ:
- «ألي»! كيف حالك يا صديقي؟ لقد اشتقتُ إليك كثيرًا.

- وأنا أكثر.
بادلهُ «ألي» الاحتضانَ، وقد شقتْ ابتسامةٌ بشوشةٌ وجهَهُ الحنطيَّ.

- هذا صديقي «إدريس».
وجَّهَ نظرَهُ نحوي وعلاماتُ الدهشةِ والاستغرابِ قد ارتسمتْ على وجههِ، ولم يستطع إخفاءَ فضولهِ حيثُ سألني:
- هل أنتَ عربيٌّ؟

- نعم.

- من المشرقِ أم المغربِ العربيِّ؟

وقبلَ أن أردَّ عليه، بترَ الحديثَ ألفريدُ، قائلًا بما جعلَ عيونَ الواقفِ أمامي تلمعُ بالمفاجأةِ:
- هو ليسَ من عالمنا.

- حقًا؟

أومأتُ له، فاقتربَ مني بسرعةٍ جعلتني أرتدُّ قليلًا إلى الخلفِ، ولم يأبهِ الآخرُ لردةِ فعلي، بل طفقَ يتفحصُ ملامحي. وعلى غفلةٍ مني، قام بقرصِ خدي، فانطلقتْ مني آهةٌ متألمةٌ، في حينِ سحبتُ وجهي بعيدًا عن ذلك المجنونِ.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 03 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

إدريس في أحضان الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن