فيون وري

28 4 4
                                    


لا تنسوا ذكر الله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ

***
الخيال سفينة يركبها أي شخص، وليست حكرًا على أحد.
****
الفصل السادس. «فيون وري»

عمت موجةٌ من الصمت المكان عقب ما قلته، فمن يتوقع أن شخصية محترمة كالخادم تومس ترتكب جريمة شنيعة كقتل رب عمله؟ لكن الحقيقة لا تميز بين خادم محترم أو وضيع، بين سيد أو عبد... الحقيقة نور، والنور لا يغلبه إلا النور!

** 
أخرجني من بؤرة أفكاري اللحظية صوت الخادم تومس الحاد، والذي على ما يبدو بدأ يفقد اتزانه وحضوره اللبق:
- سأنسى اتهامك المهين، سيد إدريس، إذا ما سحبته وطلبت العفو.

- لكن لم أتهمك، أنت حقًا القاتل.

رددته عليه بهدوءٍ ودون أن تتزعزع حجتي أمام مظهره الغاضب، فسمعت صوت المحقق هارولد يقول بينما يحك ذقنه في تفكير:
- أعيد وأكرر يا سيد إدريس، الدليل هو الحكم وليس الكلمات.

أبديت لسيد هارولد موافقتي على كلامه فاسترسلت موجهًا حديثي نحو السيدة بيرن:
- سيدتي، هل يمكنني سؤالك؟

استغربت السيدة مارغريت تغيير دفة الحديث نحوها، لكنها قالت بهدوء:
- بالطبع.

- سيدتي، عندما كنتِ تقفين عند النافذة ورأيتِ زوجك، هل كان يحمل شيئًا في يده؟ صندوقًا مثلًا؟
- لا أعرف، لقد رأيت ظهره فقط... لكن...

غمغمت السيدة مارغريت فجأةً فحثثتها على متابعة الحديث، فأومأت قائلة:
- لقد توقف فجأةً عن السير، ثم جثا على ركبتيه لثوانٍ معدودة ثم قام متابعًا سيره.

شكرتها على ردها ثم عدت إلى نقطة رؤيتي للخادم تومس من نافذة الغرفة:
- رؤيتِ لك لم تأخذ دقيقة، لكنها كانت كافية بالنسبة لي لأرى الصندوق الذي كان بين يديك، وأعتقد أنه نفس الصندوق الذي كان يحمله السيد أندرو، فوقوفه فجأةً وانحناءه يثبتان كونه يحمل شيئًا ثقيلًا.

- كل ما تتفوه به هراء يا سيد إدريس، كيف لك أن تنسج قصة غير منطقية في رأسك وتنسبها إلى شخص ما؟ وأيضًا، كيف تجزم أن تصرفه ذاك بسبب حمله للصندوق المزعوم؟ فربما التقط شيئًا ما من على الأرض؟ وكيف تؤكد كوننا لمسنا نفس الصندوق؟ والأهم من ذلك ما علاقته بالقضية؟
صاح الخادم تومس بحدة وقد نفد صبره، فأجبته:
- أولًا، هل شخص مهووس بالنظافة سيقدم على التقاط شيء قذر من على الأرض؟

أتفق معك يا سيد، فالسيد أندرو كان مهووسًا إلى درجة أنه لا يلتقط دينارًا ذهبيًا وقع منه. 
أكد الخادم جيرمي ما قلته ثم تابعت:
- سيد تومس، هل يمكنك نزع قفازك؟

- لماذا؟

- كي أجيب على سؤالك. 
أجبته، فرمقني بنظراتٍ لو كانت سيفًا لصرت الآن في عداد الأموات، فقد كان واضحًا تردده في نزعها، لكن تدخل السيد هارولد في الأمر وطلبه منه أن يفعل ما طلبته جعله يرضخ في الأخير على مضضٍ، وما أن نزعها حتى ظهر ما كنت أبحث عنه، بقعة سوداء داكنة تتوسط راحة يده البيضاء. 

إدريس في أحضان الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن