أضرار هامسة

19 2 0
                                    

كانت "مُهيرة" جالسة بركن من أركان غرفتها، تضم ركبتيها إلي صدرها، دموعها تَنهمر على وجنتيها بلا هوادة، تهمس إلي ذاتها بكلمات علها تبث بداخلها بعضًا من الأمان الزائف، لترتعد أوصالها وهي تستمع إلى استغاثة والدتها وصوت والدها المتوعد، تضع كفيها على أذنيها فى حركة لا إرادية حتى لا تستمع لما يحدث خارج غرفتها من عنف وإساءة ككل ليلة.

لمحات من الماضي، بعض الذكريات السعيدة محاوله بائسة من عقلها لتشتيت انتباهها عن ما يحدث، تتذكر والدها الحنون عادة و هو يحاول قضاء الوقت معهما نظرًا لكثرة أعماله، تتذكر اصطحابه لها لمدرستها، رسمهما سويا كل عطلة، تقبيله لها بين عينيها قبل النوم، إحضاره لنوع الزهور المفضل لوالدتها، بقائه بجانبها عند مرضها، خوفه عليها من أقل شئ، ابتسمت وهى تتذكر، ولكن ما كان يؤرق تفكيرها دائما ثورانه فى أى لحظه من أقل شئ.

كانت في البداية بضع نوبات قليلة، يصاحبها بعض الصراخ والكلام المسيء، وعندما يهدئ كان يدرك ما فعل ويعتذر بشدة لهما عن ما بدر منه، وكلما تكررت تلك النوبات التي تزداد حدة آثارها بقوة كلما ازداد عمره، بعض التدمير لما حوله، تمزيق الملابس، الكتب، القيادة بسرعةً جنونية أدت لبعض الاصابات، وساء الأمر كثيرا بمرور الوقت ليتطور إلي العنف الجسدي لوالدتها ولها.

والدها الذي يتبدل كليًا فور إندلاع تلك النوبات و كأنه تمت إصابته بـمَس شيطاني، فهو يرى أنه ضغط عصبي لا أكثر ولا أقل.

عادت الى واقعها الأليم لتستمع لصوت صفعات والدها لوالدتها المسكينة، لتنهمر دموعها بقوة أكثر لن تنس إهانته لها وضربه المبرح عندما لم ينل إعجابه مجموعها بالثانوية العامة، حتى أنه ضربها بالزُهرية على رأسها، و آثارها لا تزال محفورة على رأسها حتى الآن، وكالعادة تم تبرير ما حدث ب أنه ضغط عصبي وصدمة من مجموعها.

زادت من احتضان نفسها حين استمعت إلى صوت والدتها وهي تتشاجر مع والدها بحدة حتى يـُطلقها ويبتعد عنهما.
إن الأمر قد زاد، ولم تعد تحتمل ما يحدث، حينها استمعت إلي صوت والدها الذي يصرخ بغضب شديد:

«أتريدين الطلاق؟ لن أفعل ذلك. لن أترك ابنتي تترعرع بـ دوني».

انتفضت من مجلسها وهي تخرج من غرفتها فوجدت والدها يزيد من حدة ضرباتهُ لوالدتها المسكينة، حاولت إنهاء ذلك الشجار سريعًا حتى لأ تتأذى والدتها من واقع الضربات العنيفة التي تلقتها من والدها فـ صرخت بهم:

«توقف يا أبي، توقف أرجوك».

لـم تجد إجابة، على حديثها بـل دفعها بـعيدًا عنهما بحدة، ومازالت والدتها تستقبل الضربات العنيفة حتى غادر سريعًا مغلقًا الباب بقوة، انتفضت على إثرها.
ل تقترب من والدتها محتضنة إياها بـ شفقة بينما بكت والدتها بأحضانها.

لقد اعتدت على الأمر عندما أردف كلمة لا تُعجبه وتثير جنونهُ يـَضربني بـ عـنـ ف مُتناسيً ما يفعلهُ بي، ويأتي ليلًا ليعتذر عما بدر منهُ مُدعيًا أنها بعض الضغوطات في عمله لم أعد أحتمل ما يحدث، لقد طفح كيلي حقًا، وهو لا يشعر بما يحدث عندما يثور، سيتفاجئ كالعادة عندما يعود بـتلك العلامات التي تُزين وجهي وجسدي، وأول كلمة سـ يرددها كعادتهِ، حقًا أنا من فعل بك كل ذلك؟! لن أتنازل تلك المرة، سأنفصل عنهُ، ولـن تعش لحظة أخرى مع ذلك الرجل.

كُنت اشعر بـ معاناة أمي، يكفي ما تشعر هي به الآن، لكن قرار الانفصال سـيزيد من المشاكل بينهما. أبي لن يصمت أبدًا، وهي فقد فاقت الأمور احتمالها طبع أبي الحاد يصعب التعامل معهُ.

بعد بضع ساعات وجدته يدخل وهو يحمل تلك الباقة التى يُحضرها دائما، محاولة منه ل مراضتى لن تفلح تلك المرة، نظرت له بدموع ليحاول مراضاتى و يعدني ب الكثير من الوعود الزائفه ولكن أبيت الموافقة، ليتركنى اهدء قليلاً.

قضينا بضعة أيام فى محاولات كثيرة من الجميع وخاصة منه ل مراضاتى وبعضها يفقد أعصابه فى محاولة ل ردعي عن قراري، ثم حاول تهدئتى و استعطافى وعندما وجد إصراري على قرار الانفصال وافق مرغماً.
انفصلنا بهدوء وأخذت ابنتى كى نكمل حياتنا فى بيت والداي، ومازال الجميع يحاول الصلح بيننا مرة اخرى.

أتذكر اخر محادثه بيننا عندما أخبرته أنه مريض بـ مرض يسمى ب«الإضطراب الانفجارى المتقطع» و أنه يجب أن يستشير طبيب نفسي، سخر مني بشدة بل هاجمني ايضًا مُدعيًا أنني أحاول تشويه سمعته، لكن لا فرصة لنا معاً إلا بزيارته للطبيب.

لقد تركتنى زوجتى وابنتى، هما كل ما أملك، أعلم أنى أفقد أعصابي فى كثير من الأحيان لكن اقسم أنى اشعر وكأنه يَتم إستبدالى بشخص اخر، شخص يملأه الغضب و الكره من أقل وأى شئ.

الغضب والكره كانا ما يحركانى عندما أصاب بالنوبات، أتذكر ما قالته لي زوجتى وبحثت عن ذلك المرض بعد طلاقنا تختلف الأعراض من شخص لـ أخر، ولكن أغلب الاعراض المذكورة كانت تصاحبنى عندما أصاب بـتلك النوبات دائما، لقد اتخذت قرارى، وقررت الذهاب للطبيب النفسي.

بعد مدة بدأت حياتى فى أخذ منحنى رائع، استعدت علاقاتى، تحسنت أوضاعى وأصلحت علاقتى بـ زوجتى وطفلتى، وها أنا فى العيادة النفسية فى آخر جلسة لي أودع ذلك المرض أو ذلك الشخص السئ منى، أراه أمامى وهو يحاول استعطافي، لـأمضى فى طريقي ونظر هو لي نظرة اخيرة ثم اغمض عينيه راضيًا وهو يرى الظلام يحيط به من كل جانب، والأصوات تتلاشى من حوله، و دبيب أقدام الجموع ترحل عنه دون وداع.
❤️❤️❤️❤️❤️
أتمني تعجبكم
ممنوع النشر في اي مكان دون إذني.
❤️❤️❤️
فريق اقلام عابثة
اعضاء الفريق (أروى العش . تسنيم هشام .هناء محمد )

حكاوى اروىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن