هل الظلام دامس، أم أنها قد أصيبت بالعمى؟ ...
سمِعَت خطواتًا بعيدة قادمةً من السطح، مكتومة، مختلطة بصوت المطر الذي يضرب على أوراق الأشجار اليابسة على الأرض وبِرك الطين الصغيرة.
ثم شعرت بقبضتيّ الفتى تحاوطانها، أنّت بألم شديد، كان كل جزء في جسدها يصر...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
صوتُ رعدٍ خافت تهزُّ ذبذباته المكان، قادمٌ من فوق أكوام الخشب التي غطّت رؤوسهم، دخلت رائحة الطين إلى أنفها ممّا زاد من ضيق تنفسها، وسمعت ارتجاف أنفاس ذلك الفتى بجانبها، لم تكن متأكدة إن ما كان يرتجف بردًا أو أنه قد كان يبكي..
"أريد جدي.."
"اصمتِ"
"أريد جدي.."
"لقد مات! جدّك مات! ألم تريه؟! أصمتِ الآن!!" صاح الشاب همسًا بانفعال، نفسه متذبذبً ضحل ومختنق، ثم سكت.
كان صمته ثقيلًا، كصمت قبر، ولكنها أحسّت بارتجافه في يدها، إذ كانت تمسك طرف عباءته بدون أن يشعر، ملمس الصوف الثقيل، وفي يدها الأخرى ملمس الطين والتربة.
شعرت بالاختناق من رائحة الرطوبة، قاومت الرغبة بالبكاء، آلمَت تلك الغصّة حنجرتها بشدّة، ثم شعرت به، لقد قلّ ارتجافه، وبدأ يهدأ قليلًا، وخفت صوت دقات قلبه الذي كان واضحًا جدًا في ضيق وصمت المكان الذي يشبه جحر حيوانٍ ما، بل أنه أشبه بضريحٍ ضيّق.
كانت عيناها المتعبتان تتلفّتان في كل مكان، لعنة الاعماء التي أداها عليها لم تسمح لها بالرؤية، ولم يكن هو على الجانب الآخر أفضل منها بكثير، فقد كان الظلام في هذا المكان الشبيه بحفرة القبر ثقيلًا جدًا، وكأنه مادة حقيقية سوداء تلتصق بالجسد.
سمعت خطواتٍ بعيدة قادمةً من السطح، مكتومة، مختلطة بصوت المطر الذي يضرب على أوراق الأشجار اليابسة على الأرض وبِرك الطين الصغيرة.
ثم شعرت بقبضتيّ الفتى تحاوطانها، أنّت بألم شديد، كان كل جزء في جسدها يصرخ، لدرجة أن البكاء كان متعلقًا في حنجرتها دون أن تستطيع إفلاته، كان ذلك مؤلمًا أكثر من قدر تحملها.
أخذ الفتى يزحف.. يزحف ويزحف، كان تنفسه عميقًا ومرتجفًا، سمعت صوت رُكبتيه يحتكان بالأرضية الطينية، لا شيء آخر.. كل شيء مظلم..
صوت الرعد ثانيةً.. إن صوته يتردد بين أضلاع صدرها، يهُز عظامها..
صوت الخطوات مرةً أخرى، صوت صياح رجل بعيد..
دقّات قلب الفتى تتعالى مرةً أخرى، إنه خائف..
"لا- لا تُصدري أي صوتٍ مهما حدث، وإلا عثروا علينا"
