الفصل الثامن: ثمين

32 3 0
                                    

عندما كانت ليكسي حية لم أشعر بهذه الوحدة، حتى وإن رحلت إلى أبعد بلاد العالم عني، كان دفئها يحيطني، احتفظت بمقتنيات غبية تخصها حولي كمراهق، قصاصات الاوراق التي استمتعت برميها علّي اثناء الصف والتي في الغالب كانت تحمل عبارات سخيفة ك "متى سينتهي هذا الصف؟" "هل تعتقد ان هذان الاثنان يتواعدان؟" " أراهن أن هذا المعلم شاهد فيلماً إباحيًا بالأمس!" وللغرابة انني فوق مكتبي المكدس بالكتب والاوراق احتفظت بكافة تلك القصاصات في صندوق ما، رباط شعر يخصها علقت به بضع من شعيرات رأسها الصهباء، والخطابات..
الخطابات التي استمتعت بقراءتها على الرغم من كوني كمنحرف كنت استنشقها فور وصولها أملاً في أن أجد لها ما يذكرني بعناقها الدافيء.
ما سيجده البعض غريب للغاية، واعذروني إذا اطلت الحديث عن غرابة الاشياء من منظوركم فأنا احاول فحسب الدفاع عن مشاعري الثمينة التي امتلكتها يومًا ما.
فجأة عندما رحلت عني ليكسي، وجدتني أخفي كل ما يذكرني بها!
وكأنني اهرب فزعًا كلما قابلت احدى مقتنياتي الثمينة، رحت اخبيء تلك الرسائل في احدى الحقائب الورقية المستهلكة، ذاك الرباط المطاطي الذي حمل بعضًا من شعرها قمت برميه طوعًا، وانا في كامل قواي العقلية، غرفتي باتت خانقة لأنني اتذكر تلك الاوقات التي قضيتها رفقتها بها، وحتى شفتاي التي قبلت خاصتها ارغب احياناً في قطعها وفصلها كليًا عن وجهي الذي اعتادت عزيزتي رؤيته بعينيها.
اتساءل ماذا تفعل عيناها الأن؟
أهي مغمضة فحسب؟ أم أنني اتوهم ان جسدها لم يتعفن في ذاك التابوت الخشبي الذي واراها؟
ربما ليكسي لم تمت حقاً لكنها اختارت الرحيل عني بتلك الخدعة.
آليسيا كانت الدفء الحقيقي الذي لامس قلبي، كانت من تقبلني كما كنت.

"أحسنت! لهذا انا أحبك!"
تمتمت أمي بهذه العبارة عندما أصلحت ألة طهي الأرز، ودون أن اشعر سألتها متعجبًا من تكرارها تلك العبارة ذات الوقع السيء
"ألا يمكنك أن تحبيني دون أن أفعل شيئاً؟"
بقت عبارتي تتصاعد في الرواق المؤدي لمطبخ منزلنا، كادت أن تبتلع المنزل بأكمله لثقلها، ولعدم رد أمي إلا من تمتمة ب"ليس وكأنك مفيد للغاية، لا تغتر"
أحبتني آليسيا والعمة جورجيا دون شروط وقيود، رحبت بي العمة كلما مررت على منزلهم دون اشعار، وللصدفة طهت في كل مرة وجبتي المفضلة، التي لا تعرفها أمي حتى الآن، أصرت دومًا العمة أن اتناول الطعام رفقتهما، وحدثتني عن كوني ضعيفًا شاحبًا حبًا وقلقًا لا سخريةً وإعابة، كان منزلهم مطمئناً للغاية في نظري، حتى وإن كنت أكره ابناء العمة جورجيا عندما يأتون للزيارة، بدوا ودودين للغاية مع ليكسي خاصتي، وهذا اقلقني كلما قابلتهم، هل احببنها كما احبها؟ ربما يفكرون لاحقًا في ترك موطنهم والعيش في كوريا بسببها، أو ربما يصرون على والدتهم ان ترحل معهم وتأخذها بعيدًا عني!
كنت طفوليًا للغاية حينها، ومن حقي أن اكون، ! كنت فتى يافع لم يتعدى عمره التاسعة عشر!
لطالما وبختني أمي عندما رويت لها عن كم استمتعت في منزل العمة جورجيا وصحبة آليسيا، بل ورمتهما باتهامات ك"انهما يسخران منك فحسب" "ربما يجدنك تتصرف كيتيم لذا تشفقان
عليك!" لأنها لم تستطع أن تحبني كما احبتاني تلك الغريبتان.
لا اعلم هل انا اشتاق لهما أم أنني اشتاق لما كنت عليه عندما كانتا هنا؟
كنت غبياً لأظن انني استحق ان يرحب بي احدهم كما فعلت العمة جورجيا، أن تحبني فتاة بروعة آليسيا رغم مرضها، أن تطهو لي وجبتي المفضلة عندما تعلم سراً أنني سآتي، أو أن أحصل ببساطة على عناق لم أحظى به أبداً من امي، لكنني حظيت به من غريبة كانت "بغرابة" تحبني كما لو كنت أفضل إبن في العالم حظيت به، حتى وإن كنت غريباً عنها تماماً!

أغلق بيكهيون الصندوق الذي يحمل ذاته القديمة، قصاصات اوراق تحمل عبارات مضحكة، رباط مطاطي علقت به بضع خصلات شعر، صورة جمعت عائلة ذات ملامح اجنبية، تحتضن العمة جورجي بها بيكهيون ذو التاسعة عشر تحاول خنقه بلف ذراعيها حول رقبته الضعيفة، آليسيا تحاول أن تكتم ضحكاتها بينما ابناء عمومتها يبتسمون بخفة نحو المصور الخفي، الذي سلب بيكهيون ذاك الدفء للأبد وغيّره للنقيض، والده.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 25 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

بلاتينيومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن