مرحباً!!

82 7 23
                                    

لا أدري سبب حزني العميق على هذين الزوجين، فقط ما أعرفه أن الحياة قد قست كثيراً عليهما.

في كل ليلة بعد أن ينسدل الظلام، ويعلو صخب المدينة، حينما يرتفع القمر عاليا لينير بجماله المكان، أصبحت أخرج من مياه البحر، عند الشاطئ حيث صنع ذلك الشاب لحبيبته تابوتاً من الزجاج، وضع به الأزهار، وألبسها ثوب أبيض يغطي كامل جسدها، وغلقه بالسحر حتي لا تذبل جثتها، فباتت ويكأنها دمية نائمة في صندوقها الزجاجي، تنتظر من يوقظها.

أتأمل تلك الصغيرة بثوبها الباهي، لديها ملامح مألوفة، كشخص عاشرته لأعوام وأعوام، لكني فقط لا أتذكرها.

أفترش التراب الى جوارها ليلاً؛ بعد رحيله كل يوم من زيارتها، أغني أغنية لا أعرفها لكنها قابعة في زهني، من أين لي بها لا أدري، فقط أغنيها.

دع الليل ينطوي ويخفي المسير..
وضع في ثنايا الحلم الضرير..
دع الغيث يهطل علي القلب الصغير..
وانس ان الكون بات قاسٍ مرير..
صغيري داو الفؤاد الكسير..
كل الأماني حتماً تصير..

________♡

في إحدى الليالي وبينما أنا أغني إلى جوارها، أقبل عليّ ذلك الشاب، بملامح زابلة وأعين شبه ميتة، وكأنه هو الميت لا حبيبته، حينها فقط راودني تلك الكلمة "لن تنجو"، أيقنت حينها ما معناها، هو ميت على قيد الحياة؛ بعد أن ماتت من كانت سببا لحياته.
وحين هممت بالرحيل استوقفني.

- من أنتِ...

لم أجبه، من أين له أد يعرف شعب البحر ليعرفني.

- من أنتِ أجيبيني... لماذا تزورين لونا بعد رحيلي.

مجدداً لم أجبه، فحتى أنا لا أدرى سبب حضوري كل ليلة.

- هل تعرفينها... صديقتها أو حتى قريبة لها.
- لا... لا أعرفها... ولا أعرف سبب مجيئي لهنا... ولا سبب حزني عليكما.

صمت وعلامات دهشة تعتري وجهه، تقدم تجاهي ماداً يده راغباً في لمس وجهي، لأنتفض أنا للوراء.

- أعتذر لكن صوتكِ ... صوتكِ كصوتها تماماً ... نفس الصوت الذي سحرني.
- وأنا أيضاً... كلما نظرت لها شعرت وكأنني أنظر لشخص أعرفه... فقط أنا من لا أعلم.

صمت لبرهة ثم أردف:

- هل أنت من شعب البحر أو حتى الريح.

لا أدري من أين له أن يعرف شعبنا، لكني أومأت برأسي، لأجده وقد سقط أرضاً على ركبتاه والدموع تنسال من عيناه.

- لا يمكن... لا لا يمكن... لماذا هي... فقط لماذا.
- ما الذي حدث.

نظر لي بحزن وأمل ربما، ليجيبني:

- كما اختطف رجال الريح ابنة القمر سابقاً لجعلها أميرة لهم ... أنتم يا شعب البحر إختطفتم لونا ... لونا حبيبتي... فتاتي الرقيقة التي قست عليها الحياة... حينما أردت أن أكون عوناً لها وعوضاً عن ما رأته... لكن.

- لكن ماذا.

ابتسم بحزن، وأكمل:

- لكن يبدو أنكم إختطفتم روحها وحسب... صوتكِ... ذكرياتكِ الضائعة... حزنكِ الغير مبرر... كلها ملك لها... صوتها وذكرياتها قد باتت ملك لكِ... وأنا خسرتها.

- لكن ما أعرفه هو أني أميرة لشعب البحر... لم أعرف غير ذاك حينما فتحت عيناي.

- أعرف... كيف لكِ أن تستعيدي ذكرياتكِ... حينها فقط تتركيهم لتستعيدي حياتكِ الخاصة.

لا أفهم لم قد أترك شعبي، ولكني فقط فهمت لماذا ملامحها مألوفة، ولماذا أشعر بالحزن.

هممت بالرحيل، لكنه استوقفني.

- هل سترحلين.
- وهل بيدي شيء غير الرحيل... إن لم أفعل سيجدون طريقة لإعادتي.
- لكن.

اقتضم كلماته، لأردف بدلاً منه:

- أظنها تريدك أن تكون بخير... أن تحيا حياتك حتى وإن لم تكن هي به... هذا ما أشعر به حتى وإن لم أكن أتذكرك.

أنهيت كلماتي بإبتسامة له ورحلت لأعماق البحر، لم تنتهي عادتي بزيارة قبر "لونا" والغناء لها، كما لم يكف هو بدوره عن زيارتها، بوجهه الشاحب وجسده الذي بات نحيلاً كما لم أعهده من قبل.

_________♡

بأحد الليالي حينما إقتربت من الشاطيء وجدته، جالساً إلى جوار قبرها، بجسد بارد قد فارق الحياة.

قد وعدها بالبقاء إلى جوارها، وها هو قد أوفى بوعده.





.
.
.
تمت "ابنة القمر"
بتاريخ 4 فبراير 2024
.
.
.

🎉 لقد انتهيت من قراءة ابنة القمر "مكتملة" 🎉
ابنة القمر "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن