واقعه الطف 5

40 6 0
                                    

فعلم ابن سعد بذلك فأرسل إليهم أربعمائة فارس لمواجهتم بالقرب من الفرات، فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالاً شديداً، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلى حيّهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فأخبره بذلك فقال عليه السلام: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

قطع الماء في السابع من المحرم

وما أن حلّ اليوم السابع من المحرم حتى كتب ابن زياد إلى ابن سعد: «أنْ حِل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا منه قطرة». فبعث عمر بن سعد خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين عليه السلام وأصحابه وبين الماء.

وجاء في بعض المصادر أنّه لما اشتد العطش على معسكر الحسين عليه السلام أمر الإمام عليه السلام أخاه العباس عليه السلام لمهمة جلب الماء ليستقي الحرائر والصبية وضم إليه عشرين راجلاً وثلاثين فارساً وقصدوا الفرات بالليل، وتقدم نافع بن هلال الجملي نحو الفرات فصاح عمرو بن الحجاج: «من الرجل؟» قال: «جئنا لنشرب من هذا الماء الذي منعتمونا عنه». فشدّ عليهم أصحاب ابن الحجاج فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض كقمر بني هاشم ونافع يقاتل فجاؤوا بالماء إلى معسكر الحسين عليه السلام.

آخر لقاء بين الحسين (ع) وابن سعد

لما اجتمعت الجيوش في صحراء كربلاء طلب الحسين عليه السلام الاجتماع بابن سعد، فالتقى به مصاحباً معه العباس وعليا الأكبر. فقال الحسين (ع): «يا ابن سعد أتقاتلني، أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! فأنا ابن من قد علمت! ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنه أقرب إلى الله تعالى؟».ولما امتنع ابن سعد من الاستجابة للحسين (ع) وتذرّع بحجج واهية دعا عليه أن لا يغفر الله له يوم القيامة وأن لا يهنئ في حياته.

ثم تكررت الحوارات بين الإمام عليه السلام وابن سعد.

رسالة ابن سعد إلى ابن زياد

على إثر اللقاءات بينه والإمام الحسين (ع) كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله ابن زياد يدعوه أن يسمح للحسين عليه السلام وأنصاره بالعودة من حيث أتوا وفي ذلك رضىً وصلاح للاُمّة.

فلمّا قرأ ابن زياد الكتاب وكان شمر بن ذي الجوشن حاضراً في مجلسه، قال متأثراً بما جاء فيه: «هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه». فاستنكر شمر بن ذي الجوشن ذلك، وحثّ ابن زياد على أن لا يتنازل للحسين عليه السلام وأن لا يضيّع الفرصة لأخذ البيعة منه، فرأى ابن زياد الرأي مناسباً، ثم أخرج بكتاب إلى عمر بن سعد بتوسط الشمر، كما أمره بضرب عنق ابن سعد وبعث رأسه إليه، إن أبى عن المبادرة، وأن يحلّ محله أميراً على الجيش.وكتب إلى ابن سعد رسالة خيّره بين إثنين؛ إما محاربة الحسين وأنصاره أو تخلّيه عن قيادة جيش الكوفة لصالح شمر بن ذي الجوشن.

وقد ناقش الكثير من الباحثين والمحققين مضمون ما جاء في رسالة عمر بن سعد لابن زياد، مما جعل الأخير أن يتراجع في اتخاذ قرار قتل الحسين عليه السلام في لحظتها.

اليوم التاسع من المحرم

قال حسين بن علي (ع) في خطاب لأصحابه:

أَلَا تَرَوْنَ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَالْبَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنْهُ لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما.

وهو اليوم الذي جاء فيه شمر بن ذي الجوشن بكتاب من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد يخيّره بين الحزم والإسراع بالحرب أو تسليم قيادة الجيش لشمر، لكن ابن سعد تمسّك بقيادة الجيش، وأظهر استعداده التام لخوض الحرب ضد الإمام الحسين عليه السلام وليبرهن على صدق نواياه أمر بالتوجه صوب معسكر الإمام الحسين عليه السلام في عصر نفس اليوم، فطلب الحسين عليه السلام منهم تأجيل المنازلة إلى غداة ذلك اليوم

وصول شمر إلى كربلاء

وصل الشمر إلى كربلاء بعد ظهر يوم الخميس التاسع من المحرم سنة إحدى وستين، وسلّم الكتاب إلى عمر بن سعد فلمّا قرأ ابن سعد الكتاب، قال له: ما لك ويلك! لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ. والله، إنّي لأظنّك أنت الذي نهيته أنْ يقبل ما كتبتُ به إليه، وأفسدت علينا أمراً كنّا قد رجونا أنْ يصلح. لا يستسلم والله، حسين؛ إنّ نفس أبيه لَبين جنبيه.١٥١ فقال له شمر: «أخبرني بما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتُقاتل عدوّه، وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند والعسكر؟» قال: «لا، ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك دونك».

أبناء أم البنين ورفض الأمان

روي أنّ عبد الله بن أبي المحل بن حزام طلب من عبيد الله بن زياد الأمان لأبناء أخته فاطمة بنت حزام (أم البنين) فاستجاب له عبيد الله وكتب له كتاب الأمان لهم. فقُرأ الكتاب عليهم، فقالوا لا حاجة لنا في أمانكم.

وفي رواية أنّ من طلب الأمان من ابن زياد لأبناء أم البنين وقرأه عليهم هو الشمر بن ذي الجوشن فرفضه العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام وإخوته جعفر وعثمان وعبد الله.

واقعتِ طفُحيث تعيش القصص. اكتشف الآن