تابعت ناومي الحديث و عادت صورتها التي كانت أكثر وضوحاً من صورة والديها
"كما رأيت, والداي أحباني حقاً و كانا مستعدين لفعل كل شيءٍ من أجلي و من أجل تكوين عائلةٍ سعيدة رغم كل الظروف. لذا إستمر الحال بهذه الطريقة و عشت طفولتي داخل خزانة و إعتدت الظلام لكني لم أكره ضوء الشمس فأمي كانت تجلس معي على أرضية الشرفة وقت الظهيرة لأتعرض للكمية التي يحتاجها جسدي من ضوء الشمس و لحسن الحظ إعتدت الهدوء و التحدث بصوتٍ منخفض و إلتزام القواعد لذا لم أكن مشكلةً لهما بل في الواقع كانا فخورين.
لم أحظى بكتب الأطفال كالبقية, بل كانت أمي تقرأ لي من كتب الطب الخاصة بأبي أو كتب اللغة الخاصة بالمراحل الإعدادية, أحياناً كانت تحكي لي قصص أطفالٍ من ذاكرتها أو تأليفها و تمثل أنها تقرأها من الكتاب و أحياناً كانت تقرأ الكتب بالفعل و كانت أغلب ألعابي من الورق أو بعض الدمى التي صنعتها أمي ببعض القماش او اشياءً صغيرة استطاع أبي العودة بها خلسة.
رغم كل شيء لم أشعر بأي نوعٍ من النقص أو الحزن, بل في الواقع كنت في غاية السعادة و حتى والداي لم يشعرا بالضغط أو ما شابه بل كان والدي يقول لي دائماً أني من أعاد الحياة للبيت و كان يحكي لي قصةً عن شعاعٍ من الضوء كان سبب طمئنينة الناس و كان يشير إليّ كلما قال كلمة ضوء.
أعطاني والداي كل شيءٍ قد إمتلكاه في هذا الوقت و تعلمت الكثير آنذاك إلا شيئاً واحداً و هو التكلم, فضلت الإستماع و كنت أخاف التحدث و الا سمعتني الوحوش التي لا تعرف بوجودي و بالطبع كانت تلك الوحوش هي الجيران لكن كان ما قيل لي وقتها أنهم وحوش لذا عليّ ألا أصدر صوتاً و ألا أخرج أبداً, أما بالنسبة لأمي فعندما كنت رضيعة كانت تخرج في بعض الأحيان لتبعد الشكوك عنها حيث إن الرضّع بمرور بضعة أيام يكون لهم ميعادٌ محدد للنوم و الإستيقاظ و كانت تتظاهر بنسيان التلفاز مفتوحاً في بعض الأحيان و في أحيانٍ أخرى يكون الراديو فقط لكي لا يظهر صوتي إن بكيت و لكي لا أشعر بالوحدة. و لكن عندما بدأت أكون أكثر وعياً كان من الصعب عليها تركي و الخروج مما أثار شكوك الجيران خاصةً و أنهم علموا بترك أمي للعمل فبدأوا يتسائلون و يستجوبون والدي دائماً و لاحقاً أصبح الأمر أنهم يزوروننا فجأة و بالطبع أنا كنت أختبئ في غرفتي –التي هي في الواقع الخزانة- بلا حراك إلى أن تعود أمي لتهدئني.
كنت في الثالثة من عمري حينما وجد الجيران عذراً ليجبروا أمي على الخروج معهم و في الواقع إلى الآن أنا لا أملك أدنى فكرة عما كان هذا العذر لكن أمي ظلت تنبهني أنه إذا سمعت أي صوتٍ وقت غيابها أنه عليّ الإختباء في السندرة و عدم الخروج إلى حين عودتها و حتى أنها أعادت ترتيب الملابس لتبدو كخزانةٍ عادية و ليسهل عليّ الوصول للسندرة و أمرتني ألا أطفئ الراديو و ألا أفتح الباب إلا عندما أسمع خمس طرقاتٍ على الباب بلحنٍ معين و عدا ذلك عليّ الإختباء.
أنت تقرأ
ظلال الماضي
Misteri / Thrillerالجزء الثاني من ظلال الضباب "انا لم اكن سوى ظلٍ خافت، حتى انا جهلت وجودي"