٨:٣٠ م
أظلمت سماءهم واشتغلت أنوار الاسطبل وممر المزرعة اللي مشت عليه حنين بعكّازها تستنشق النسيم البارد وجنبها وجد المشغوله بجوالها
التفتت حنين لصوت الصهيل وابتسمت تشوف تميم في الاسطبل لوحده
وجد ناظرت جوالها: طلبية بلوفرات مشاري وصلت بروح استلمها
هزت راسها حنين تشوف وجد تركض باتجاه باب المزرعة تستلم بلوفرات مشاري
والتفتت لتميم اللي تقدم يتسند على السياج يناظرها بابتسامه
وتقدمت بعكّازها باتجاهه تشوفه يفتح لها الباب ووقفت تناظره قريب منها
وتقدم يسندها عليه ويمسك ذراعها: جيتي عشاني ولا عشان الخيل؟
حنين ناظرت حولها: وين الخيل؟
ضحك من فهم ردّها ومشى معها ما يصدق تشابك يدينهم، ما يصدق وقوفها بجنبه بعد ما كان يترك مسافات بينه وبينها
حنين ناظرت الخيل البُني اللي مشى باتجاههم بعد ما صفّر له تميم ولمعت عيونها بلهفه
ناظرها تميم يدري بلهفتها وشوقها للخيل: فيك حيل ت
قاطعته حنين وناظرته: فيني حيل
ناظر تميم رجلها: ولو عوّرتك؟
نفت حنين تطمنه: ماراح تعوّرني
تقدم يشيلها وشهقت تحاوط رقبته خوف من إنها تطيح
وابتسم يسندها بيده ويمسك الخيل بيده الثانيه وصعد بخفّه يسمع ضحكاتها من حست بارتفاعهم وتنهد من ثبّتها قدامه
وناظرته باحراج: كيف شلتني! لو شافنا أحد
قاطعها تميم يناظر ملامحها القريبة منه: شلتك بقلبي ماهو صعب علي أشيلك بيدي، خليهم يشوفون
ابتسمت والتفتت من حست بحركة الخيل وتمسكت باللجام وتراجعت تحس بيدينه تحاوطها يتركها تتسند عليه ويمسك اللجام عنها يتحكم بالخيل اللي مشى بهدوء لأجل ما يعوّرهارش من عطره بعد ما لبس وفتح باب غرفته بيطلع ووقف مكانه من شافها تحط الكيس على الأرض
وفزّت وجد بتوتر: بسم الله احسبك نايم!
نفى مشاري يناظر الكيس ونطق: وش هذا؟
وجد رفعت أكتافها يوترها وقوفه قدامها و ريحة عطره اللي انتشرت حولها والتفتت تبتعد عنه تحت نظراته وابتسم من اختفت عن أنظاره وأخذ الكيس يناظر اللون الأزرق داخله و عرف إنها بلوفراته اللي يحبها، يحبها لأنها من اختيارها
التفت ودخل غرفته يلبس واحد منها والابتسامه ما زالت مرسومه بملامحه
بنفس الوقت فزّت وتين من غفوتها تستوعب إنها نامت وهي تنتظر رد عناد
أخذت جوالها بلهفه ولانت ملامحها تشوف الصمت وعدم الرد
قامت تغسل النعاس عن وجهها ومشت تطلع للصالة تناظر تجمّعهم المعتاد هالوقت
التفتت حصة ترحّب فيها، وتقدمت وتين بقلق: ما كلمكم عناد؟
هاجر التفتت تناظر القلق بعيون وتين، وحوّلت نظراتها لتهاني بحده
حصة ابتسمت تطمنها: ماهي أول مره يتأخر تلقين عنده مهمه أو بلاغ
وتين ناظرت تهاني بدون رد، وصدّت تهاني تبعد نظراتها عنها
ونطقت غالية: ارتاحي أكيد راح لبيته يريّح بعد الدوام
هزت راسها وتين و ما شالت عيونها عن تهاني: تهاني، بغيتك شوي
مشت للحديقة الخارجية، وقامت تهاني تطلع من الصالة تبتعد عن نظرات الفضول
وتين التفتت لتهاني بحدّه: بتعلميني كل شيء قلتيه لعناد وكيف عرفتي عن أهله! كل شيء!
تهاني ارتبكت من حدّة نبرة وتين و نظراتها، تشوف غضبها و قلقها الواضح على عناد المختفي
تهاني تشجعت تنطق: قلت له اللي المفروض ينقال!
وتين بقلّ صبر: ايه وش اللي قلتيه! ليش ما صار يرد!
تهاني نطقت بتجاوبها وقطع عليهم صوت السيارة اللي دخلت أسوار المزرعة تجذب انتباه وتين اللي فزّ قلبها من انتبهت لسيارته
ومشت له تحت نظرات تهاني تشوف عناد اللي وقف السيارة بدون ما ينزل منها
سند راسه على المقعد يشوف وتين تسرع بخطواتها باتجاهه
مشت لشبّاكه المقفول ووقفت تنتظره ينزل لكنه ما نزل
يناظرها بصمت، ينقل نظراته بين ملامحها، هيئتها ووقوفها قدام شبّاكه، يعرفها تمام المعرفة ويشوف فيها أهله، أمه، و خالته
بلع ريقه يحاول يستوعبها، يناظرها وكأنه يناظرها للمرة الأولى
وتين تقدمت بقلّ صبر تفتح بابه: ليش ما ترد!
سكتت من انتبهت لاختلاف حاله، ناظرت الخمول بملامحه و الذبول الواضح بعيونه، وتراب المقبرة اللي لطّخ ملابسه
وانقبض قلبها بقلق: عناد! ليش ملابسك كذا؟
تقدمت تعدم المسافة تشوفه يعدّل جلسته بدون ما يفصل تواصل نظراتهم، وبلعت ريقها تدري إنه مو بخير
وتين مسكت وجهه بين كفوفها: وش قالت لك تهاني؟ لا تخوّفني
سكت يناظرها بدون رد، وكملت وتين: عرفت مين أهلك؟
قاطعها عناد ببحّة صوته: احضنيني
تقدمت بدون تردد تسحبه لحضنها بخوف وقلق، تمسح على ظهره و تهدّي روعته و حزنه المجهول بالنسبه لها، يراودها ألف سؤال و يقتلها الفضول لكنها تمتنع و تصب كامل تركيزها على إنها تخفّف عنه
تسمعه يتنهد وتحس بثقله على جسدها، يشدّها له و يدفن راسه بحضنها أكثر ويغمض عيونه بتعب، بعد ما تخبّط بين أكوام الذكريات و صناديق الرماد و بين قبور المقبرة المجهولة و ترابها
يرمي نفسه بحضنها، يلقى ملاذه و أمانه بعد ما تزعزع عشرين سنة، يلقى وطنه بعد الغربة و يلقى باقي أهله بعد سنين اليُتم
تحت نظرات تهاني اللي شهدت على حضنهم قدامها وكأنه اعلان لخسارتها وفشل خطتها الوهمية
وصلها صوت هاجر: استوعبتي موقعك بحياة عناد؟
تهاني ناظرتها بقهر، وكملت هاجر اللي تناظر وتين وعناد من بعيد: عناد ما يشوف إلا وتين مهما سويتي و حاولتي تنكرين هالشيء، حتى يوم سويتي فيه خير و علّمتيه عن أهله ركض لها، تدرين ليش؟ لأنها من ضمن أهله
بنفس الوقت نطق عناد يجاوب سؤال وتين بعد صمت بدون ما يبتعد عن حضنها: انتِ أهلي
عقدت وتين حاجبها بعدم فهم وتراجعت وشدّ عليها عناد يمنعها تبتعد: خليك
صدّت تهاني تبعد نظراتها عن حضنهم والتفتت تمشي بغضب لمدخل البيت وخلفها هاجر اللي نطقت: وش بتسوين!
تهاني ارتفع صوتها: اتركيني لوحدي!
نفت هاجر: ما بتركك لين اتأكد إنك وقفتي تتواصلين مع فريدة وتتركين وتين و عناد في حالهم! ما يكفي إنك أذيتيهم بحقيقة أهلهم؟
قطع عليهم صوت الباب والتفتوا لوقوف حاتم عنده يناظرهم بجمود
ارتبكت تهاني ونطقت هاجر اللي فهمت إن أبوها سمعهم: أبوي؟
حاتم ناظرهم بحدّه: ادخلوا داخل
هزت راسها هاجر ودخلت بصمت وخلفها تهاني اللي ناظرها حاتم بحدّه وبلعت ريقها تبعد نظراتها عنه
ونطق حاتم بهدوء: لي كلام ثاني معك يا تهاني
ارتفعت نبضاتها بتوتر و اسرعت بخطواتها تبتعد عنه
و حوّل حاتم نظراته لعناد اللي يمشي بهدوء وبجنبه وتين
ورفع صوته ينادي: عناد
التفت عناد لحاتم اللي لمح الذبول بملامح عناد، ونطقت وتين: روح له، بنتظرك داخل
هز راسه يشوفها تبتعد عنهم تترك مجال لحاتم اللي تقدم يناظر عناد بشرود، سمع كلام هاجر وما فاته الحزن بعيون عناد
يدري إن الحقيقة بانت له واللي سردتها له هي بنته
حاتم: تهاني اللي قالت لك؟
نفى عناد يبعد طاريها: عرفت من شدّاد
قاطعه حاتم: أدري ان تهاني تتواصل مع زوجة شدّاد
عناد صدّ ثواني و سأل: مين يعرف غيرها؟ انت؟ أبوي راجح؟
سكت حاتم، وكمل عناد: أمي حصة؟ كلهم يعرفون؟
حاتم بتنهيده: كانوا بيعلمونك بس
عناد قاطعه بقهر: بس وش؟ خبّيتوه مثل ما خبّيتوا مرض أبوي؟
حاتم ناظره بصدمه وسكت يشوف نظرات القهر من عناد
ونطق حاتم: أبوي مريض يا عناد، يعدّ أيامه الأخيرة ظنك بيعلمك بسهوله؟
سكت عناد ونزّل راسه يتعبه طاري مرض أبوه و يضعفه طاري حقيقة أهله اللي ما زالت تنهش عقله
حاتم أشّر على بيت الشعر: تبي تواجهه وتلومه هذا هو هناك يتحرّاك من الصبح
بلع ريقه عناد و مشى لبيت الشعر تحت نظرات حاتم اللي راقبه لين اختفى عن أنظاره والتفت يدخل البيت
ورفع صوته ينادي: تهاني
أنت تقرأ
غريب يدوّر في طرف عينها حضن ووطن
Actionما بين نسمات الشتاء والنار والحطب بين أشجار النخيل والليمون والنعناع بين صهيل الخيول وتغريد الطيور بين برودة أمواج البحر ونعومة الرمل بين أوتار العود وخيوط الإبرة أحداث حارقة، امتلت بالجفاء والعناد لكن تحمل بين سطورها وتين نابض بالحياة