وقفت وجد عند باب غرفة التوأم وتسندت تناظر حنين اللي غفت بتعب بعد ما انهكت نفسها بالبكاء، وجنبها تميم اللي يمسح على جبينها بهدوء يناظر آثار الدموع على رمشها و عُقدة حواجبها
وجد تقدمت بهدوء وهمست بضيق: ما يستاهلون اللي يصير معهم
تميم بتنهيده: كيف يخبون هالشيء عنهم! ماني مستوعب
وجد: العتب على خالهم اللي رباهم و عاشوا عنده طول هالسنين وما يعلمهم عن أمهم واللي صار لها!
تميم ناظر حنين اللي تحركت بانزعاج ومسك يدها يطمنها، يحسسها بوجوده جنبها رغم إنها ماهي بوعيها لكنه يهمس لها بـ"أنا هنا، أنا جنبك"
نزل لمستواها يثبت خده على طرف السرير بدون ما يبعد عيونه عنها ولا يترك يدينها، ما يدري كم مرّ من الوقت وهو يتأملها
يتذكر انهيارها بحضنه و صوت بكاءها بعد ما اكتشفت الحقيقة المُرة، يتذكر كلماتها اللي ردّدتها "أمي يا تميم أمي"
أمها اللي كرهتها طول عمرها و عاشت على أوهام شدّاد اللي أوهمهم إنها تركتهم بينما هي ضحّت بحياتها عشانهم بوسط النار
قطع عليه أفكاره صوت وجد: تميم، وتين جت
قام بهدوء بعد ما لحّف حنين ومشى مع وجد يطلع من الغرفة يترك مجال لوتين اللي دخلت تدل دربها لتوأمها
شالت عبايتها تتركها تطيح على الأرض ومشت بثقل خطواتها و جلست على طرف السرير، نزلت لمستوى حنين تحط راسها على صدرها ودفنت نفسها بحضنها بتعب، غمضت عيونها تتناسى كل شيء وترمي حزنها و ثقلها بحضن اختها النايمة
ناظرتهم وجد بقلّ حيلة وتنهدت تسكر الباب بهدوء ومشت للصالة تسمع صوت الهدوء، ناظرت حولها تشوف الفراغ وعرفت إنهم في مكتب راجح من وصلتها أصواتهم
غيرت طريقها للمطبخ ودخلت تشوف تميم ومشاري جالسين على الطاولة بهدوء والتفتت تناظر الإبريق على النار
وجد رفعت حاجبها: شاهي؟
مشاري هز راسه: ساده مثل ما يحبه عناد
وجد تسندت على الجدار بتنهيده: ظنكم بيشتهي يشربه بهالحاله؟
تميم ثبت راسه على الطاولة بتعب وتأفف مشاري يناظر الإبريق بدون ردبتّال عقد حاجبه: كيف ذا النكره يصير خالك! ماهو خالك ويخسي يربطك به دم
راجح قاطعه بتعب: بتّال خلاص وأنا أبوك
بتّال نفى: إذا اصبح الصبح نروح للمحكمه ونطلب إثبات قرابة! هو حتى ما عنده خوات
حاتم: أم عناد و أم وتين اخواته من أب ثاني
بتّال قاطعه والتفت لعناد: لا يهمك كلامهم!
حصة التفتت لعناد اللي من دخلوا وهو على نفس وضعه، شارد و يمتنع عن الكلام، يسرق نظره لراجح ثواني ويصدّ بشرود
ما زال الفضول يملأ صدره، والاسئلة تفيض بعقله بدون ما ينطقها
"ليش؟ و كيف؟ و متى"
حصة نطقت بضيق: لا تسكت يا وليدي، تكلم قول أي شيء لا تعور لي قلبي
عناد نطق بعد صمت: ودي اتكلم مع أبوي راجح لوحدنا
و رفع نظراته لحصة يكمل: ارتاحي يمه لا تشيلين همي
تقدمت حصة تجلس بجنبه ومسكت يدينه: قبل اطلع ابيك تعرف شيء واحد يشهد الله إني ما قصدت أخبي عنك! ما قويت أعلمك لا أنا ولا راجح
ناظرها عناد بصمت، وتقدم بتّال لحصة يمسك ذراعها ومشى معها يطلعون من المكتب يلبّون طلب عناد
وتقدم حاتم يهمس لعناد: أبوي تجيه نوبات ينسى و يتشتت عقله مع الضغط والتوتر، لا تضغطه أكثر
هز راسه عناد بهدوء و طلع حاتم من المكتب يقفل الباب خلفه
و التفت راجح لعناد بصمت، ما زال يحس بالشتات و الصداع ينهش راسه، يدرك إنه بدأ ينسى و تفوته بعض التفاصيل، يدري إن الورم ياكل من عقله و ذاكرته لكنه مازال يتذكر الحقيقة
يتذكر جلوسه بجنب سرير عناد بعد ما طلّعه من وسط النار، يتذكر أول كلمة نطق فيها عناد بعد سنين من الصمت واللي كانت "يبه"
عناد نطق يقطع حبل أفكاره: يبه
ناظره راجح، وكمّل عناد: من متى وانت تعرف؟
راجح سكت ثواني يجمع كلماته اللي تهرّب منها كثير
ونطق يجاوبه: في اليوم اللي عزمت فيه شدّاد عندي سألت عنه و دريت إنه خالك
عناد بضياع: وشداد يدري عني؟ كيف ما دوّر علي طول هالسنين؟ كيف أخذ البنات من الحريق؟
سكت راجح، ومسح عناد على صدره من حس باختناقه: وأمي؟ و خالتي؟ كان معهم في المزرعة؟
راجح عقد حاجبه من حس بصداعه: شدّاد مافيه خير لبنات اخته ظنك بيصير فيه خير لولد اخته؟ من يوم دريت عن معاملته للبنات وافقت على زواجك عشان أبعده عنهم
سكت عناد وكمّل راجح: عرفت أبوك سيف و سلطان سنين طويلة وما عمرهم جابوا طاري شدّاد، عقب الحادث ووفاة سيف و سلطان نقلوا أمك واختها بالمزرعة وكل اللي أعرفه إن لهم أخو من أب ثاني وبينهم مشاكل
نزل عناد راسه يلمّه بين يدينه بعدم استيعاب يسمع راجح يسرد له الحقيقة كاملة
راجح بضيق: عاشوا وقت طويل بالمزرعة لين الله أراد وشبّت النار، ركضت وقتها للمزرعة وما سمعت فيها صوت غير صوتك وانت تنادي، وعقب ما شلتك للمستشفى ما عاد سمعت طاري عن أحد ثاني، كل اللي كنت أعرفه إن عايشة و جميلة ماتوا وتصرّف بجثثهم فاعل خير
عناد باستهزاء: فاعل الخير شدّاد، دفنهم بنفسه وضيّع قبورهم
عقد راجح حاجبه و مسك راسه يحس بالصداع يزيد
وفزّ عناد من سمع أبوه يتأوه بألم: يبه
رفع راجح راسه يحس بيدين عناد حول كتفه: ما كان ودي تدري عن الموضوع، ما كنت أبيك تعرف إن بينك و بين الكلب شدّاد علاقة
نفى عناد: لا تفكر بالموضوع وتتعب نفسك، ارتاح
قام عناد بيطلع ونطق راجح يناديه: عناد
التفت له عناد، وكمّل راجح: مهما صار ما فيه شيء يغير حقيقة إنك ثالث عيالي، ولو جاء يوم و نسيت ذكّرني
انقبض قلب عناد وبلع ريقه، تقدم لراجح يبوس راسه بدون رد
وابتسم راجح بخفوت: أبو السيف وولد عايشة
أنت تقرأ
غريب يدوّر في طرف عينها حضن ووطن
Actionما بين نسمات الشتاء والنار والحطب بين أشجار النخيل والليمون والنعناع بين صهيل الخيول وتغريد الطيور بين برودة أمواج البحر ونعومة الرمل بين أوتار العود وخيوط الإبرة أحداث حارقة، امتلت بالجفاء والعناد لكن تحمل بين سطورها وتين نابض بالحياة