يتعالى صراخ طفلة صغيرة يفسد هدوء ذلك القصر العريق لتدب الحركة فيه بعد أن كان ساكنا صباحا
تسرع مدبرة المنزل نحو الغرفة التي يزداد فيها الصراخ تمد يدها لتفتح الباب لكنه فتح بعنف قبل أن تمسك مقبضه
شابة في العشرينيات تخرج من تلك الغرفة بينما تكتف يديها أمام مدبرة المنزل بعد أن ضربت الباب خلفها بعنف
تنظر تلك الشابة للمدبرة و قد عقدت حاجبيها ثم رفعت إصبعها في وجه تلك السيدة الخمسينية التي تحاول أن تقوم بتهدئتها
لتنطق بغضب واضح
" حاولت ، لقد حاولت سيدة جوليا لكن البقاء هنا خانق حين قبلت العمل قلتم أن الطفلة لا تتحدث لكنها عدوانية و تستمر بالصراخ ، أنا لا أعرف كيف أتعامل معها لذا لن أبق هنا "لم تترك الشابة فرصة للسيدة جوليا لترد بل تجاوزتها مسرعة معلنة إستسلامها فهي قضت أسبوعين هنا برفقة الصغيرة لكنها لم تستطيع جعلها تتقبل وجودها أو تتوقف عن البكاء والصراخ
نظرت السيدة جوليا للباب المقفل ثم أغمضت عيونها بحسرة لحالة الطفلة ووالدها ، رسمت إبتسامة مزيفة ثم
فتحت عيونها لتمد يدها نحو ذلك الباب الكبير المزين بزخارف ذهبية
فتحته ليقع بصرها على تلك الصغيرة الملتفة حول نفسها فوق ذلك السرير العملاق و الدموع تغرق وجهها، فتاة ملائكية ذات بشرة بيضاء و شعر أسود إصطبغت عيونها بلون أحمر من أثر البكاء
ما أن رأت السيدة جوليا حتى قفزت نحوها لتعانقها ، أحاطت رقبة السيدة بيديها تدفن وجهها بصدرها توشك على إختراق أضلاعها
بادلتها العناق بسرعة
تعرف جوليا أن الصغيرة تحتاج الحنان و اللطف فهي لم تذق حنان والدتها ، و لهذه السنوات السبع لم تجد غير السيدة جوليا كمصدر لحنان الأم
ربتت السيدة جوليا على شعر الصغيرة لتقول بصوت هادئ مطمئنة الطفلة
" عزيزتي سيلا ، لا تخافي سنأتي بمربية أخرى و ستكون لطيفة معكِ ...."
لم ترد الطفلة بل أبعدت وجهها تنظر ناحية مدبرة منزلهم و إبتسمت
تنهدت جوليا بعمق يظهر حجم الهم الذي تحمله لتكمل طاردة الحزن
"هيا حبيبتي دعيني اغير ثيابك لننزل لتناول الإفطار "
نظرت لها الصغيرة مطولا دون إزاحة إبتسامتها و هي لا تزال متمسكة بها ثم تحرك رأسها بالموافقة
هذه الطفلة لم تتحدث منذ وفاة والدتها
ثلاث سنوات من السكوت ، كل ما يسمع منها البكاء و الصراخ
حملتها جوليا نحو الحمام لتقوم بتحميمها ومن ثم تغيير ثيابها
نزلت بها للاسفل حيث توجد غرفة الطعام الكبيرةطاولة تتوسط القاعة ذات خشب بني مائل للسواد ذات طراز قديم و ثرية تتدلى فوقها ذات أضواء باهرة و تصميم مميز تتزين الغرفة بأثاث عريق و طاولات زينة في كل ركن و مدفئة حجرية وضعت عليها مجموعة زجاجية من التماثيل المختلفة
أخذت السيدة جوليا سيلا نحو رأس الطاولة لتجلسها هناك من أجل إفطارها لتحضر الخادمة و البستاني ينطق جاك مبتسما لسيلا التي إبتسمت فور رؤيتهم
" عزيزتي الصغيرة كيف حالك"
نظرت له و أشارت برأسها
إبتسمت الخادمة ماري لسيلا ووضعت ما تحب الصغيرة
ثم جلس الجميع حول الطاولة يتناولون إفطارهم
تنظر جوليا بأسف نحو الطفلة الصغيرة التي تركت من قبل والدها معهم منذ ما يقارب السنة دون أن يعود رؤويتها ولو لمرة ، يكتفي باتصالات قصيرة فقط ، قامت جوليا بتربية جونغكوك لكنها لم تعد تعرفه في الفترة الأخيرة
نهضت سيلا بعد أن أنهت افطارها نظرت لتلك الوجوه التي تنظر لها بابتسامة لتنفجر باكية ،
إحتار الجميع لبكاء الصغيرة ، عدا السيدة جوليا ،
كل أسبوعين يحدث هذا ، تدخل الصغيرة نوبة بكاء هستيرية حتى تسمع صوت والدها فتهدأ مرة أخرى و تقوم بفعل كل ما يخبرها به ، لقد مر بالفعل وقت طويل بالنسبة للصغيرة دون الإرتماء بحضنه و الشعور به بقربها مرت بوقت عصيب جدا و هي تخرج للحديقة الأمامية تجلس بقرب النافورة الحجرية لتنظر للممر المؤدي نحو قصرهم لعل سيارة والدها تعود لكنها تتعب في النهاية فتدخل للبيت لتلعب مع الخادمة أو تذهب لتسقي الزهور التي قامت بزراعتها رفقته و من ثم تجلس بجوار تلك الزهور تنظر لها بعيون حزينة صحيح أنها فتاة لم تبلغ السابعة بعد لكنها عانت كثيرا و لم تنتهِ معاناتها بعد
لا ترى لها إبتسامة إلا بحضور والدها الذي أصبح يتحاشى لقاءها لأسباب لم يبح بها
أنت تقرأ
القـصـر
Romance- يراكِ الجميع مربية لإبنتي ، و أراكِ أنا الجميع - فيكِ شفاءُ أنتِ الدواءُ بريقِ عينيكِ سرُ البقاء لولاكِ قلبي يظلُّ السناء - رواية بطابع نفسي ، تحتوي على أمراض نفسية واقعية و أعراضها و حياة المصابين بها إضافة لبعض طرق التعامل معها _ تصنيف نفس...