حالك، كريش الغراب
أستغرق فارس وقتا طويلا لإكمال إطالعه على نتائج الاجتماع مع الايطاليين بصحبة علي و جلال مدير مكتبه منظما لهم صفوان بعد الظهر، ليتجاوز بهم الوقت حتى مشارف المساء.. خلال ذلك الوقت المكتنز بالحديث الجاد و القرارات المصيرية، لم يتوقف عقل فارس للحظة عن التفكير بماذا حدث لياسمين لتبهت فجأة مصرة صورة رأسها المحني متمتمة بغصة خنتقه هو من فرض نفسها على تركيزه مطبوعة فوق عينيه لم تمكنه و لأول مرة بحياته من الاستيعاب و الاسهاب، مستنفذا برادا كاملا من القهوة لوحده، راجيا الصحو عقب مقدار ما احتساه من كحول طوال الليلة السابقة و ما تلاها من نهار غريب بما فيه من احداث مزعجة.. و بالطبع لم يكن للكحول دخلا بحالة الضيق السافر الذي لاحظه علي و استفسر شامتا عنه صفوان.. و بدون اي رد شفوي أو ايمائي، كعادته تجاهل الاسئلة و الشخوص مطبقا بالصمت بملامح متجهمة و شفتين جامدتين مرتاحا بينهما طرف السيكار الرطب.. يتحرق بشكل أستغربه بنفسه جدا لرؤيتها و الاطمئنان عليها، يخبر نفسه أنها مسؤوليته واجب عليه التثبت من أنها بخير عقب غرابة مزاجها الواضح من أنه متذبذب.. تداخل صوت جلال مع طاحونة افكاره، يتسائل عن البنود القانونية المفترض أن تكون مرفقة مع الملفات بعد أن تم التفاوض بشأنها أثناء الاجتماع.. طرفت عين علي لوجه فارس يبدو واضحا جدا غياب عقله بينما يجب جلال و صفوان المهتم بما اتفق مسبقاً مع فارس عليه، مزيفا الحقيقة.. فقد قررا إجراء تعديلات على خطة الاتفاقية بشكل سري مقتصر على كليهما لضمان عدم تسريب أي معلومة، أمر أثار تحفظ علي لكنه مقتنع بأهمية التكتم حتى عن صفوان ابن عمه نفسه.. واصل علي الكلام رغم يقينه أن فارس ليس مصغيا، يطرق بأصبعه فوق المكتب شاردا متحيرا يفكر بكلام أبيه حين طلبه لغرفته قبل ساعات..
_ لا تعامل زوجتك بخشونة بني، حدثها عن ما يزعجك بلين.. علمها على طبعك بأتخاذك الحنان وسيلة..
.. بصوته الدافي العطوف نصحه الأب مبتسما.. اردف بقليل من التردد مغموس صوته بنبرة حزن، و الم دفين يوازي ما فيه من ندم..
_ لقد كنت مثلك بشبابي؛ صارم، حازم ، شديد.. لم تتمكن ردينة من مجاراتي..
.. امتقع وجه فارس فأضاف الأب بسرعة..
_ أنها الحقيقة يا فارس عليك ان تتقبلها قبل فوات الاوان.. بر امك بني و صل الرحم مع اخوتك.. تذكر اني بخشونتي معها دفعتها بعيدا عني..
.. يحملق عابسا بعيني أبيه الخضراء التي امتلت بالدموع.. يصر دوما أن يعيد عليه نفس الموشح، بينما صوت تلك الام يطرق على اسماعه منذ اكثر من ثلاثين عاما و هي تتبجح امام والده قائلة بمنتهى الصفاقة " سوف اهجرك انت و ابنك و أجد لي رجلا يعشقني ! " لم يصدق حينها أنها فعلا ستنفذ كلامها و ترحل عنهم تاركة اياه يبكي خلفها دون أي اكتراث.. إلى آن اللحظة يتذكر ليلته الأولى دونها، رغم كونها بعيدة عنه أساسا موكلة للمربية الأعتناء به، لكن وجودها كان كافياً و امينا بالنسبة إليه.. كان لديه ام.. يسمع صوتها و يرى شكلها يجلس معها على مائدة الطعام و في غالب الأحيان يتنزه برفقتها لتكون تلك الاوقات احلى ما عاشه من ذكريات.. ذكريات حرقها في قلبه المكسور بعد أن اختارت نفسها و رحلت عنهم تنشد السعادة بعيدا عن طفلها.. ارادت رجلا يعشقها، ف ضحت بفلذة كبدها.. هل تستحق ام كهذه أن تبر ؟ هي نفسها من حرمته من ابنائها عنوة، ليأتي ابوه الان و يطالبه بوصل الرحم مع من قطعوا بأرادتهم رحمهم معه ؟! لن يكون فارس لو فعل ! سوف يكون ملعونا لو حتى فكر بالمسألة ! لن يضيع وقته على من نبذوه، يكفيه بالوقت الحالي ما زج نفسه فيه.. لتعود ياسمين و حالها المبتئس تلح عليه لتفقدها حالا خصوصا مع ما استطرد به والده..
_ الابناء يا ولدي يتعلمون من أخطاء الآباء، و ها أنا اترجاك أن لا تقع بخطئي.. ياسمين حزينة يا فارس، رأيت هذا بعينيها رغم تصنعها الراحة و الابتسام أمام عقيلة و السيد وهيب حينما حضروا للاطمئنان عليها.. لم تتذوق لقمة واحدة من غدائها.. راقبتها تقلب الطعام بالملعقة فقط، و حينما سألتها ردت علي بأبتسامة شقتها جبرا على وجهها المطفئ تجيبني أنها لا تشعر بالجوع، مع أنها لم تتناول شيئا من افطارها كذلك..
.. ابتسم الأب حينما لاقى اثر كلامه بتوسع بؤبؤي ابنه اهتماما، فعلق غامزا بمرح..
_ دلل زوجتك يا ابني، عاملها برفق.. تعلم من صفوان، الا ترى كيف يعامل زوجته !!
YOU ARE READING
بارقة امل
Короткий рассказفوق أرض جرداء تخطو، متشققة ارجلها .. لاهثة النفس عطشى الروح .. ياسمين، كرونق اسمها هي .. تصبو لتحقيق السعادة و العدل لمن حولها، تشع بالحب من تحت اكداس القهر .. عند محطة اليأس، ظهر هو .. فارس .. بمعدنه و اسمه .. من محرقة الماضي نهض، نافضا عنه رماد ال...