الفصل الثاني

134 11 10
                                    

عقد عمل

مسحت عقيلة يديها بالمنديل الصغير توزع نظرها الراضي على مائدة الغداء الفاخر التي أعدتها لأستقبال علي.. مائدة الصلح، هكذا اطلق عليها زوجها الكهل يتابع من خلف نظاراته الطبية زوجته الصغيرة كما يسميها تتحرك بهمة هنا وهناك لتحضير كل ما يحبه علي و توضب بسرور الاطباق الشهية فوق المائدة بأبتسامة عريضة.. تمتم مبتسما بمرح..

_ لا تقلقي، سوف تنجح محاولاتك للصلح.. تعرفين ان قلب علي في معدته !

_ كل الرجال هكذا، عزيزي.. و انت اولهم !

.. ردت ساخرة تطالع زوجها الضاحك بطرف عينيها تبادله ضحكته الخبيثة.. تنهدت وهي تجلس الى جواره تنظر بقلق الى عينيه فأومأ لها يربت على يدها يحتوي قلقها بتفهمه كما كان دائما..

_ سوف يكون كل شيء بخير، علي سوف يتفهم، و يرحب..

_ آه يا وهيب لو تعرف ما تعانيه تلك الفتاة.. كلهن دون استثناء يتجرعن المرار.. لكن ياسمين، اكثرهن احتياجا للعون الان..

.. التفت الاثنان حين سمعا صوت سيارة علي تدلف لمرآب البيت مفتوح الباب، فنهضت عقيلة سريعا تخلع عنها مريول المطبخ لأستقبال الزعلان.. دقائق قليلة حتى اطل عليهم يلقي السلام دون ان ينظر ناحيتهم متحركا بأتجاه الدرج يهم بالصعود لغرفته كما عاقر يفعل الأيام الماضية.. توقف مكانه حين نادت عقيلة بأسمه، ابتسم بجانب فمه و رد بصوت جامد دون ان يلتفت يتصنع عدم الاهتمام.. اقتربت منه تطلب ان يوافيهم بعد تغيير ملابسه لتناول الغداء، تخبره بصوتها الطيب انها طبخت كل اكلاته المفضلة، وكم لمست قلبه طريقة كلامها مستشعرا بسمتها العريضة و حتى لمعة عينيها المحبة.. استدار يواجهها و قد صدق حدسه، دموع تجمعت تبرق بحدقيتها تطالعه مبتسمة برجاء ارغمه على إبطال تمثيليته.. تحدث رافعا حاجبيه بتهكم..

_ راقت لي هذه العلي الغير مسبوقة بسيد ! اعرف ما تفعلينه هنا، و حقا اقدره..

.. انهى جملته المتهكمة بعبارة قصيرة لا تخلو من التأثر، بصوت خافت و طريقة عتب دفعت عقيلة ترد بلهفة..

_ انت اخي يا علي، عائلتنا الوحيدة انا و وهيب.. الله وحده يعرف ما نكنه لك..

_ و انتم، عزيزتي عقيلة.. انت و العم وهيب نعمة بعثها لي الله في احلك اوقاتي لتبثون روحي بالحياة..

.. ابتسمت السيدة المسنة رغم الشجن، و تمتمت بهدوء كأنها تستعد بشجاعة لتزف له خبرا واثقة هي انه سوف يأيده..

_ مادام الامر هكذا، اذن استعجل بتغيير ملابسك و الاغتسال.. بعد الغداء لدي ما اخبرك به..

وضع فارس فنجانه بهدوء فوق الصحن الدائري الأبيض دون ان يرفع عينيه عن جهازه اللوحي يتابع اعماله.. استرعى انتباهه صوت الفتيات في المطبخ، محدثين ضجة ليست جديدة عليه، لكن وقوع عينيه على ساعة الحائط اثار استغرابه.. التفت الى الناحية الأخرى من القاعة العملاقة التي تضم غرفة الطعام فخمة الطاولة بأثنتي عشرة كرسي من خشب الزان مدبوغة مقاعدها الاسفنجية المريحة بقماش المخمل فيروزي اللون مطفي اللمعة مبروز بأطارات خشبية محفورة بلون الزنجار القريب من لون سطح الطاولة الاملس غليض الارجل سميك الطبقات.. طراز كلاسيكي عتيق امتازت به الارائك الوثيرة الملكية أيضا على الجانب الاخر من تلك القاعة مرمرية الأرضية، بألوان تتماشى مع طابع العصر الفكتوري الذي يفضله فارس بشدة.. الوان الساج البورمي و الحواف المزخرفة او المحفورة لقطع اثاث ضخمة قمة بالرقي، تدعم الذوق المميز للسيد فارس اليعقوبي لوحات فنية لأشهر الفنانين على مر التاريخ.. لم يبخل على اصالة قصره الباهر بأغلى التحف و اغربها، النفيس و النادر منها.. استقام من كرسيه المترأس احد طرفي الطاولة الطويلة متجها الى المطبخ، يستمع بطريقه لتذمر نجوى الصباحي..

بارقة امل Where stories live. Discover now