الفصل الخامس

91 10 5
                                    

نظرة عن كثب..

_ عليك ان تراجع طبيبا لترى ما الأمر يا صفوان، هذه الحالة تكررت عندك كثيرا مؤخراً..
.. ألقى صفوان ذراعه فوق عينيه الحمراء مسدلا اجفانه مستلقيا على الأريكية الجلدية السوداء في مكتبه، و اجاب متعبا بصوت متحشرج بسبب كثرة السعال..
_ لقد ذهبت بالامس، و أجريت فحصا و اختبارا للدم.. و سوف اذهب لاحقا لاستلم النتيجة..
_ جيد ما فعلت.. يمكننا ان نذهب سويا إذا أردت..
.. قالها علي بينما يجلس على طرف الكنبة إلى جوار صفوان.. أبعد الاخر ذراعه يطالع وجه ابن عمه المكترث حقاً، فشكره مبتسما..
_ شكرا يا اخي، افضل أن أذهب لوحدي.. علي، أرجو أن لاتخبر ندى بالامر، لا أريد أن اقلقها..
.. اسر في نفسه حقيقة السبب.. اومئ علي موافقا يراقب بسمة صفوان المهمومة متأكد أن هناك ما يخفيه.. لن يضغط عليه، و لن يطلع ندى على الأمر بكل تأكيد..
_ حسنا اذن.. سوف أخرج الآن، بما أننا انتهينا هنا.. لا احتاج أن اؤكد عليك ان لا تترد بالاتصال بي بأي وقت يا صفوان..
.. اومئ له ابن عمه مبتسما ممتنا فهذا هو علي ببساطة؛ قلب كبير، و حظ ضئيل.. نهض يجلس مكانه بعد أن غادره علي، واجم الوجه يمنع تفكيره متعنتا أن لا يسحبه نحو سطوع الواقع.. يضع احتمالات اقواها ركيك، حيث لا مفر له من تجليات الحقيقة.. يحتاج ليتأكد، تنقصه نظرة مكثفة و حساب دقيق لكنه خائف.. خائف من أن يعرف، خائف من التصديق، خائف من خذلان جديد يضع حياته و استقراره العقلي على المحك.. منذ أن تفاقمت عنده اعراض غريبة قرر أن يعرض نفسه على الطبيب تحسبا لاي مرض محتمل، ليتفاجئ من التشخيص الأولي و أن ما فيه ليس إلا تحسس ابداه جسمه من عنصر معين انتشر بدمائه بكميات قليلة جدا.. وقع في حيرة من سؤال الطبيب أن كان هناك تغيرا في نظامه الغذائي أو ادخاله لمنتجات عشبية مثلا كمكملات غذائية أو علاجية.. لم يلتقط عقله خيط المسألة، بل عن عمد تغابا.. و استمر يتجرع عصير الكوكتيل اليومي الذي تعده لهما ندى بيديها.. حتى الأمس حين اشتد عنده جفاف الحلق و اختناق حارق في شعبه الهوائية، عندها الزمه الطبيب بالخضوع للتحاليل التي رفض اول مرة اجرائها.. صد لا ارادي تمخض من منطقة الخوف لديه، مستنكرا قلبه التصديق، محايلا لعقله المخدر.. أمر آخر من هذا كله لو كان صحيحا معناها سيسقط متحطما.. حاليا لا يريد التفكير فيه فالامر مؤلم.. تحرك سريعا ينفخ الهواء يتلفت حوله واهنا يفرك صدره المختنق و علامات القلق و الاحباط رسمت بخطوطها القاسية فوق كل وجهه.. توقف أمام المرآة في مكتبه لماذا يبدو شكله تعيسا هكذا ؟! لماذا يبدو متعبا، عجوزا، ناقصا ؟!! زفر بأستسلام محنيا جذعه يسند جسده المهدود بكفيه فوق السطح الاملس للمنضدة الديكورية تحت المرآة.. سقطت خلصات شعره الاشقر القصيرة من مقدمة رأسه تترنح فوق جبين مجعد.. قميصه الأسود مفكوك الازرار تهدل حول حزام بنطاله الفحمي، و متدلية قلادته الذهبية من رقبته مغمض العينين بائس الحال يفكر و يفكر حتى انفصل دماغه عن الخدمة.. هو رجل وسيم جميل جذاب لديه كل شيء؛ من المال إلى الجاه، تصاعديا حتى النفوذ و السلطة و مكانة اجتماعية مرموقة ممنوحة له كأرث عائلي ممتد إلى الأبد.. أو لا يمتد، فهو أيضا رجل لا يمكنه أن ينجب طفلا من صلبه.. زئر بعلو حسه دافعا الكريستالات المصفوفة بنسق مرتب بغضب مجنون من فوق المنضدة سقطت كلها متشظية على الأرض الرخامية السوداء تنشر ضجيجا عاليا شوشه لهاثه الحار وهو يدور حول نفسه لاعنا عجزه لاعنا نقصه لاعنا إصرار ندى على تذكيره ! جلس متهالكا على كرسيه الدوار خلف المكتب يمسح عرقه بيده بحدة كل خلية فيه ترتجف، و حمل هاتفه يتصل بالطبيب يسأله أن كانت نتائج التحاليل جاهزة.. انصت لحظات لكلام الطبيب على الجانب الاخر من الخط مقطب الجبين متعكر الوجه لا تزال انفاسه المحترقة تتعالى مستعجلة يتردد صداها كدوي انفجار حفر جمجمته مع كل كلمة ينطق بها الطبيب..

بارقة امل Where stories live. Discover now