ضربة على الرأس..
ماجت و راجت اشراق و طال جنونها كل غرض حولها بعثرت و كسرت و تعالى صراخها حتى على جرس الباب.. هرعت لفتحه بيادر عاملة المنزل تستقبل وسن صديقة سيدتها التي استنجدت بها المسكينة عن طريق الهاتف لتحتوي جنون ربة عملها المتوحش.. اوقف تقدم وسن زجاج إحدى المزهريات متناثرا أمام قدميها؛ كانت آخر قطعة مغدورة القت بها صديقتها المختلة.. رفعت عيونها عن بلورات المزهرية المتفتتة عاقدة ذراعيها على صدرها تطالع الأخرى اللاهثة المرتجفة شعرها الأسود هائج اكثر منها و جسدها المبروم يتوهج من الغضب.. بنظرة شرسة طالعتها تزفر دخانا لاهثا من جوفها محمرة العينين بعد أن باغتها صوت الزائرة المتهكم..
_ تبالغين كما هو معتاد منك بتقدير الاشياء !
.. بمزيد من الجنون استدارت لها اشراق بجسدها المتنرفز شاخصة العيون تهدر بصوت صارخ، تسحب شعرها الغجري الفاحم من منابته..
_ لقد تزوج الحقير ! احتملت عجرفته و سقمه لأربع سنوات طوال ليذهب و يقترن بطفلة من الارياف لا تملك ريحا من الجمال حتى ! كيف حدث هذا و لماذا لا أفهم ! و أنا من كنت أعتبر نجود منافستي الاخطر، ليتركها هي الأخرى و يجلب تلك الفلاحة يعطيها إسمه !!
.. ببرود يماثل شخصيتها همهمت وسن بلامبالاة و هي تزيح قطعا من الزجاج المتناثر بكل مكان من فوق طاولة المشروب، تصب لها كأسا من النبيذ..
_ اخبرتك مرارا أن امثال فارس اليعقوبي يفضل الحسناوات ذوات الخبرة لتحسين مزاجه و ارضاء متطلباته ! اما الزواج فهو أمر آخر..
.. جلست فوق كرسي البار تضع رجلا فوق الأخرى متحدية تنورتها القصيرة الضيقة تكمل تهكمها بأبتسامة ساخرة..
_ ينقب عن الخام عديمة التجربة حتى لو كانت فلاحة، و طبعا صغيرة و فقيرة و بعيدة تماما عن عالمه ليطوعها بيديه كيفما يشاء.. هذا هو تفكير امثاله من الرأسماليين الرجعين؛ كل شيء يجب أن يكون تحت سلطته و رحمته، حتى البشر.. لن يستثن زوجته التي ستحمل اسمه و اطفاله.. استبداده ليس له حدود ! عليك ان تحتفلي لتخلصك منه..
.. و هي ترفع كأسها أمام عيون اشراق التي توحشت كنخب للاحتفال.. همست بتوعد تحت ابتسامة وسن الجانبية، مقسمة بأغلظ الايمان..
_ سأريه ما يمكن للحسناء الخبيرة أن تفعل ! سوف اهز عرشه و اخزي سيادته ! سأنتقم لنفسي و حرماني من حياتي التي حبسني عنها.. أربع سنوات ارغمت نفسي على الانصياع و تأدية دور المرأة المطيعة ! تحملته و ابتلعت غروره لاصل إلى مبتغاي، و بالتالي.. بالتالي اخرجني من حياته كما يخرج القمامة ! لكن لا، لن اسكت و لن اسامح في حقي !
_ عن أي حق تتحدثين ؟! هو لم يرغمك، انت من عرضت نفسك عليه، و استفدت منه كما لم يفعل احد ! اغدق عليك بكل ما هو ثمين و غالي، و انفق من ثروته لدعم شركتك و مجال عملك بمنتهى الكرم.. يعني أخذت منه اكثر من ما اعيطته انت.. أربع سنوات ليست بالخسارة الكبيرة أمام كل ما قدمه لك هو.. و أخرها كان هذه الشقة الفخمة..
.. تحدثت بشرود يلتمع الشر من عينيها الزيتونية الملطخة بكحل أسود ترك اثارا حولها، تحدق بها وسن بنظراتها الباردة..
_ ليس كافياً يا وسن، ما اخذته منه ليس كافياً ! لقد خططت لأربح المزيد، لن نحصل كل يوم على مثل تلك الفرصة.. فرصة من الماس.. فارس اليعقوبي.. فرعون التجارة، و وحش الملايين.. ان كنت ترين اني ربحت فأنت مخطئة، طموحي ليس متواضعا كرأيك الفارغ ! لكن الاوان لم يفت، لست أنا من تكتفي و تقول آمين !
.. رفعت هاتفها النقال من فوق السجادة الثمينة حيث القت به بغل و صدمة ما أن قرأت خبر الموسم؛ زواج رجل الأعمال فارس اليعقوبي المفاجئ، أشهر العزاب الأثرياء و اكثرهم إثارة للجدل، تنقر على الشاشة ثم مدت به أمام وجه الأخرى خالي التعابير تريها صور العروس الصغيرة.. مردفة بهسهسة الثعابين..
_ فوزي ليس صعبا ابدا.. تمعني بعروس السيد فارس ! فحل مثله لن تقدر تلك الخاوية الصغيرة على جموحه !
_ من أين حصلت على تلك الصورة ؟
.. سألت وسن بهدوء شاردة بالصورة.. بضحكة مستهزئة ردت الحسناء الشريرة..
_ لن تصدقي من التقطها و ارسلها لي.. أريانا، أقدم عشيقات السيد فارس المحترم ! و المثير للسخرية اكثر، انه قضى وقتاً فاجرا معها قبل زواجه بثلاثة أيام فقط ! ليودع العزوبية أو ماشابه !
.. تغمز صديقتها السارحة متمسخرة.. تمتمت وسن و هي تسحب الهاتف من بين اصابع اشراق محتكة بأظافرها القانية المدببة، تركز بالعروس الغارقة بفستان الزفاف الضخم..
_ اشفق عليها.. يبدو من شكلها أن ليس لديها أدنى فكرة عن ما زجت فيه.. باعوها اهلها و قبضوا الثمن.. شيطان ملعون اشتراها ! سينتزع برائتها، و يتركها للايام تفتت ما يتبقى منها..
.. تراخت ملامح الشر من سحنة اشراق مقتربة إلى وسن تهمس بحزن و تربت على كتفها بمواساة..
_ ليس بالضرورة ان يكون هذا ما سوف يحدث.. كلنا نعرف أن فارس ليس شخصا سيئا.. متقلب المزاج و مستبد ربما، طاغية مع منافسيه و قلبه من حجر.. لكن لديه بعض الرحمة أيضاً.. هو لن يؤذيها صدقيني، لكن أنا من سيفعل !!
.. عادت امارات الشر تعتلي ملامح الحسناء تبتسم لصديقتها الجامدة بكل ما تحمل من شيطنة.. ادمعت عيون اشراق و ذبلت بسمتها ترى انغماس وسن بثقب اسود من ذكريات تعيسة حولتها من طالبة اعدادية مجتهدة إلى سيدة اعمال باردة مثلجة ملغيا من ما تبقى من سلوكها البشري كل المشاعر الانسانية.. عاشت ماضيا آسنا، خرجت منه مثقلة بالخذلان فاقدة احترام الذات مغمسة بالرذالة..
حاوطت اشراق كتفيها تضم رأس المبحلقة بشاشة الهاتف إلى صدرها ادمعت عيونها الزيتونية من اجلها، همست لها بصدق..
_ اعتذر منك يا وسن، لم اقصد أن اقلب عليك المواجع..
.. تململت تبعد صاحبتها المعتذرة عنها تدفعها بهدوء بذراعها بعد أن عاد الجمود إلى هالتها، مستعيدة اشراق طبيعتها هي الأخرى نافضات لحظة الصدق تلك عنهن.. تسائلت بينما تضع الهاتف فوق سطح البار تسحب علبة سجارئها من حقيبتها الباهظة..
_ كيف تمكنت أريانا من الدخول إلى بيت فارس ؟ ما اعرفه أن قصره الحصين لا يستقبل الغانيات !!
.. بضحكة صاخبة متقطعة مثيرة ككل شيء فيها، ردت اشراق بنبرتها الساخرة..
_ الصلف، فارس اليعقوبي استخدمها لتزيين حديقة قصره ليوم زفافه ! آريانا تملك شركة لتصاميم الحفلات، وهو بدون ذرة احساس وظفها هي بالذات لتنسق له ليلة العمر ! و طبعا هي لم تتأخر مجندة كل عمالها لذلك اليوم المميز.. اعترفت انه كان سخيا جدا، دفع لها أضعاف ما ترتب من أرقام على الفواتير.. كما تعلمين، فارس يعتني بعشيقاته جيداً !
_ حقير ! كحال كل الرجال ! هذا يعني انه تزوج من اجل الحصول على وريث، لارابط عاطفي أو انساني بتلك الزوجة المسكينة.. اتمنى لها لو تكون عاقرا، لكي لا يقيد رقبتها بطفلها في ما بعد..
.. نفخت دخان سيجارتها مقتحما الدخان انفاس اشراق المحدقة فيها ترى وجعها و انطفائها.. اردفت بعد صمت اختنق من دخان ذكريات غامت بعينيها العسلية بينما تسحق عقب السيجارة بالمنفضة التي سلمت بأعجوبة من التحطيم..
_ أياك أن تنفثي سمك بالفتاة يا اشراق، يكفيها ما ستلاقيه من تحقير و كسر للنفس على يد ذلك المتغطرس !
_ لا تقلقي، عزيزتي وسن.. سأكون حريصة على تسميم حياة فارس ليس إلا.. تلك الصغيرة سوف تشكرني لاحقا، أؤكد لك !
.. تكلمت ببرودها المعتاد بينما تنهض من فوق الكرسي..
_ و تلك الألمانية، أريانا، بلغيها تحذيري؛ أن مست الفتاة لن ارحمها ! سأطردها من البلاد شر طردة، لن ينفعها نفوذ فارس !
.. القت بتنبهاتها الصارمة تطرق بكعبها راحلة تجر رياحها القطبية خلفها.. تحت بسمة شيطان الحسن تبرق عيونها بشر يهدد بحرق الجميع، و أولهم العروس الصغيرة !
YOU ARE READING
بارقة امل
Povídkyفوق أرض جرداء تخطو، متشققة ارجلها .. لاهثة النفس عطشى الروح .. ياسمين، كرونق اسمها هي .. تصبو لتحقيق السعادة و العدل لمن حولها، تشع بالحب من تحت اكداس القهر .. عند محطة اليأس، ظهر هو .. فارس .. بمعدنه و اسمه .. من محرقة الماضي نهض، نافضا عنه رماد ال...