-5-

21 7 1
                                    

التحقت بالمدرسة القرآنية التي أوصتني بها أسماء أين وجدتها تنتظرني لترافقني إلى الادارة  لاجراءات التسجيل.
توجهنا بعدها إلى جناح التحفيظ والتلقين، تمشينا في الأروقة ونحن نستمع لآيات القرآن تتردد من القاعات بأصوات خاشعة مترنمة بكلام الله، فأثرت في نفسي وجعلت من قلبي ينبض بقوة لهول الموقف.

لم أعلم ما الذي شعرت به لحظة  رؤيتي لجموع تملأ المكان وتسرع لحفظ كلمات الرحمان وتردد وتكرر بوجل آيات القرآن وتسعى لاتقان حروفه وتدبر معانيه واستشعار عظمته، شعور بالتقصير أم بالخزي من نفسي؟ هل هو شعور بمهانة ذاتي أمام من يركضون للتقرب إلى الخالق بترديد كلامه وتدبر أحكامه؟!

قادتني أسماء نحو قاعة شملت نحو عشرين امرأة، تباينت أعمارهم وألوانهم وثقافاتهم ولكن تشابهت قلوبهم في ميلهم لحفظ كتاب الله واجتمعت على حب القرآن وتعظيمه.

وجدت مقعدا لي بين عجوز تكاد تجزم أنها لا تجيد القراءة وبين فتاة لم تبلغ العاشرة من العمر. فتكرر شعوري بالخزي من ذاتي اذ تأخرت في الالتحاق برحلة القرآن وأنا الأجدر بذلك نظرا لقدرتي على القراءة والفهم وكذا الحفظ.
سمعت امرأة تنادي بالأسماء تتأكد من الحضور فعلمت أنها المعلمة المسؤولة عن فوجنا، ولما انتهت رأيتها توجه نظراتها لي وتقول : لدينا صحبة جديدة سترافقنا في رحلتنا للقرآن، صفاء ستكون فردا من طاقمنا لانجاح هذه الرحلة والوصول إلى بر الأمان بختم القرآن.
توجهت نظرات الجميع إلي ولمحت ابتساماتهم اللطيفة التي خففت من حملي.
أضافت المعلمة تقول:
- "إن القرآن نور للصدور وهدى ورحمة من الله تعالى، ولقد قال الله في كتابه الكريم: "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ"
ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى ، وأبينه تفسيرا ، فكل من أقبل عليه ، يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه .
ومن أحب كتاب الله وأحب تلاوته ، وأقبل عليه : فتح الله له ما شاء من هذه العلوم ، ويسر عليه حفظه وتدبره .
وأما من لم يقبل على كتاب الله ، ورأى في التكرار مللا وتعقيدا ، انغلقت عليه أبواب الفتوح ، ولم ينعم بما ينعم الله به على أهل القرآن.
اجتماعنا هنا لتلاوة آيات الله وحفظها وتعلمها واتقان أدائها لهو نعمة من نعم الله التي لا تحصى ، وتذكروا حبيباتي ما اجتمع ناس يتلون آيات الله ويتدارسونها  إلا وحفتهم الملائكة وغشيتهم السكينة والرحمة.
لكن وجب علينا اخلاص النية لله وحده وحفظ القرآن بغية الالمام بما أنزله تعالى من علم ننتفع به ورغبة في قربه وذكره جل في علاه."
كلماتها الهادئة خلفت في نفسي الأمل والأمان ومحت كل توجس من صعوبة سأواجهها في حفظ آيات الرحمان، فاطمأننت وعلمت أنها بادرة خير ستغير حياتي للأفضل.

تَذَبْذبٌ فَثَبَات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن