الكتاب المفتوح

1.2K 47 10
                                    

(منار)...

قارنة نهمة ...

يلقبها أصدقاؤها بدودة الكتب...

تقرأ في كل شيء وعن أي شيء...

تقسو في نقدها على الكتب التي لا تعجبها إن وجدت أذن صاغية...

وهذا في الغالب لا يحدث...

لا تملك الكثير من الأصدقاء الذين يشاركونها نفس الاهتمام....

علاقتها بالكتب نمت بعد وفاة أمها عندما كانت في العاشرة...

علاقتها مع أبيها باردة لأنه غارق في عمله وهي اختارت أن تغرق في الكتب...

لا يجمعهما إلا مائدة العشاء من وقت لآخر ...

في يوم ميلاها الرابع عشر ترك لها والدها هدية مغلفة بغلاف متواضع وترك بطاقة كتب عليها:

كل عام وأنت بخير قارنتي الصغيرة ...
فتحت (منار) الهدية لتجد كتابا قديما ومهترنا بأطراف مذهبة، ابتسمت ابتسامة عريضة وهي تتوجه لغرفتها لالتهام محتواه، لم تهتم لما تخبئه صفحات ذلك الكتاب بقدر سعادتها بأن أباها يهتم بها وباهتماماتها ولم ينسها يوم ميلادها. قفزت على سريرها وبدأت بالقراءة. منذ الصفحة الأولى و (منار) ترفع وتنزل في حاجبها من الاستغراب فالكتاب لم يكن من الأنواع التي اعتادت قراءتها بالرغم من أنها قرأت في شتى المجالات، كان الكتاب كالرواية في أوله يتحدث عن صبي تائه في غابة يكسوها الضباب ويحاول جاهدا الخروج منها. مع استمرار القراءة انجذبت (منار) لأحداث تلك الرواية بقوة، حتى صدمت بصفحات بيضاء إلى آخر الكتاب، قلبت (منار) الكتاب يمينا ويسارا لكنها لم تجد التكملة، أغلقته بتعجب وإحساس بخيبة أمل يخالطهما عطش لمعرفة بقية الأحداث، حرمها هذا التفكير من النوم تلك الليلة حتى عاد أبوها كعادته متأخرا من عمله ليجدها مستيقظة على غير عادتها وبمجرد دخوله باغتته بسؤال أين بقية القصة يا أبي ؟!

(الأب) مستغربا لم أنت مستيقظة إلى هذه الساعة؟

(منار) أرجوك يا أبي أين بقية القصة ؟!

(الأب): عن أي قصة تتحدثين؟

(منار) وهي ترفع الكتاب في وجه أبيها هذه !!

(الأب) مبتسما: هل أعجبتك الهدية؟

(منار): نعم.. نعم لكن أين بقيتها ؟!

(الأب) باستغراب: ماذا تقصدين؟

فتحت (منار) الكتاب أمام والدها وقالت: انظر !!

نظر الأب للكتاب المفتوح وقال: كتاب مثل أي كتاب...

نظرت (منار) بسرعة للصفحة التي فتحتها لتجد أنها صفحة ملئت بالكلمات. قلبت الكتاب كله ولم تجد صفحة بيضاء واحدة فأغلقته ووقفت مستغربة تحدق بأبيها الذي وضع يده على رأسها وقال: اذهبي للنوم يا عزيزتي فالوقت قد تأخر .. عادت (منار) لغرفتها وجلست على طرف سريرها بهدوء واستأنفت القراءة من حيث انتهت عن ذلك الفتى التائه في الغابة الضبابية، بعد عدة صفحات من القراءة صدمت مرة أخرى بالصفحات البيضاء تظهر من جديد مما أغضبها ودفعها لرمي الكتاب بعرض الحائط والخلود للنوم.

استيقظت في الصباح كعادتها وبدأت في الاستعداد للذهاب للمدرسة. كان أبوها في ذلك الوقت غارقا في نومه لأن مواعيد عمله تبدأ بعد الظهر وحتى المساء لذا اعتادت كل صباح الذهاب مشيا لوحدها لمدرستها القريبة من المنزل.

بعد الظهيرة عادت (منار) للمنزل ولم تجد أباها الذي خرج متوجها لعمله، أعدت لنفسها بعض الطعام ثم توجهت لغرفتها لترتاح استلقت على سريرها لكن نظرها توجه نحو ذلك الكتاب الملقى على الأرض والذي كانت تنظر له بغضب وكأنها تكره رغبتها الملحة في فتحه، لم تستطع في النهاية مقاومة تلك الرغبة وفتحته.

وجدت (منار) أن جميع الصفحات التي قرأتها قد مسحت والكلام المكتوب استأنف من النقطة التي توقفت عندها، أكملت القراءة ولم تفكر بالنظر في الصفحات القادمة لقناعتها بأنها ستجدها فارغة في نقطة ما، أكملت القراءة عن ذلك الفتى الضائع في الغابة الضبابية وشاركته شعوره بالقلق والخوف على مصيره لدرجة أن عينها دمعت عندما بدأت تحس بأنه لن يجد طريق الخروج من تلك الغابة أبدا.

عاد الأب كعادته في المساء وكان متوجها كما كان يفعل كل يوم نحو غرفته لينام مباشرة لكنه وبسبب ما حدث مع ابنته في الليلة الماضية قرر المرور بغرفتها للاطمئنان عليها فذهب وفتح باب غرفتها بهدوء لتيقنه بأنها نائمة لكنه فوجئ بسريرها فارغا ولا أثر لها في الغرفة، بدأ الأب يبحث بجنون في الطابق العلوي تبعها ببحث أكثر جنونا في بقية المنزل ولم يجد أثرا لابنته، انتهى به الأمر بالاتصال بالشرطة والذين أبلغوه أنهم في الطريق إليه.

جلس الأب على طرف السرير حزينا حابسًا دموعه يفكر بمصير ابنته المجهول وخلال تفكيره لمح الكتاب على سريرها فتناوله وفتحه وبدأ بتصفحه قليلا ثم قال وهو يدمع:

ما الذي كان يزعجك في هذا الكتاب يا ابنتي ... فهو مجرد قصة عن صبي وفتاة تائهين في غابة ضبابية...

صخب الخسيف 1حيث تعيش القصص. اكتشف الآن