أشعة الشمس الحارقة اخترقت نوافذ غرفتها، لوهلة ظنت أن ذلك النجم العملاق قد أتى بحد ذاته فوق رأسها يعلمها بحلول وقت الظهيرة، سنوات الصيف حارِقة، وجدًا.
حارقة للمرحلة التي بدأت فيها بمنع استخدام مفردة 'شهور' لوصف فصل الصيف؛ لأنه من وجهة نظرها، فساعة في الصيف، تعادل ١٠ ساعات في الربيع مثلًا، فالوقت يمر ببطئ شديد.
وبينما يمر عقلها ببعض التوهمات خلال أول ثوانٍ من استيقاظها، كان هناك أخاها، يداعب رأسها، وتحديدًا شعرها، خصلاتها البيضاء.
تنهدت ببطأ، هي حقًا لا تملك الرغبة لتحريك جسدها ولو لإنشٍ واحد، لكن، أوليست الرغبات هي المثبط الأول لما قد يقدر الإنسان على فعله؟
"هيا، لقد نمتِ لـ٨ ساعات متواصلة، بدأت أضجر وحدي وأنا أراقب أبي وصديقه ثابتَين حول.."
أردف بصوتٍ يدل على حالته، وتوقف قليلًا يفكر بشأن كلمته التالية، كانوا ثابتين حول ماذا؟ ما هو ذلك الشيء أساسًا؟
جعَّد حاجبيه، وصمت كونه لم يستطع شرح ما رآه.
"بحقك أدولف، ماذا؟ أكمل..."
علَّقت على ما قال بتأفف، هي لم تستطع معرفة ما إن كان قاصدًا حتى يجعلها ترفع نفسها عن مرقدِها ذاك، أو هو فقط لم يعرف، حقًا.
هي علمت أنها لن تستطيع النوم مجددًا، أو على أقل تقدير؟ الإضطجاع والتمدد، لذلك حددت وجهتها التالية إلى دورة المياه، والذي كان داخل غرفتها المشتركة -مع أخيها-.
رذاذ الماء البارد كان كفيلًا بجعلها تشعر وكأنها في النعيم، وكيف لا؟
أمضت هناك ما يقارب الخمس دقائق، تستمتع باستشعار قطرات الماء على جلدها الناعم، كانت تفكر بأخذ حمامٍ أيضًا، إلى أن صدح صوتٌ شعرت على إثره باهتزاز أرضي أسفل قدميها
"هيا يا فتاة، بدأت أظن أنكِ قد أخذتِ أنفاسكِ الأخيرة في الداخل"
تنهدت بعصبية على نبرة صوته العالية، هو كان وسيظل أخوها الأكبر المزعج، وهي لم تمانع ذلك حقًا.
أخذت خطواتها نحو الباب الخشبي، ليُفتح عليها من قِبله هو، ويؤشر لها نحو باب الغرفة.تقدمت بخطواتها الصغيرة نحو ذلك الرواق المؤدي لبهو المنزل، حيث أباها.
"حقًا أبي؟ إلى الآن؟"
أردف أدولف بنبرة حانقة، هو يريد اللعب مع أي كائن حي، لكن وعلى ما يبدو، فاليوم ليس اليوم المناسب لذلك من وجهة نظر عائلته.
"أنظري فادا، هذا ما يسمى بالشطرنج.."
أشار والدها بإصبعه نحو اللوحة التي تعتلي الطاولة، مقابلها يجلس هو، وفي الطرف الآخر يجلس من يلاعبه.
"وهذا ما يسمى بالخسارة"
هو فقط وجه إصبعه ذاك ناحية وجه جليسه الآخر، لم يكن بوسعها إلا الابتسامة بفكاهة، على كلٍّ، كيف يُلعب هذا على أي حال؟
هي تساءلت داخل رأسها، ثم أخذت بيدق من البيادق تتفحصها عن كثب
"أنظر أدولف، ألا يبدو لك هذا وكأنه حصان؟"
وجهت سؤالها لأخيها، بنية أن يجيبها أحد الأكبرين بتفاصيل أكثر، هذه القطع بدأت تستحوذ على انتباهها بالكامل بالفعل.
"آه، نعم عزيزتي، هذا هو الحصان فعلًا، ويتحرك هكذا..."
أما والدها، فبدأ بشرح الأساسيات لها، إبتداءً من دور الوزير، إلى دور الجندي...
هو يعلم أن بداخل رأسها الصغير، يتواجد عقل مجعد، مجعد أكثر من طفلة في الثامنة.
"احذر سيمون، أنت تعلم أنها لو تعمقت فيه قليلًا، سوف تتغلب على جدتك السابعة، وليس عليك فقط"
تفوَّه صديق والدها بعبث، ورغم ذلك فقد كانت كلماته تحتوي على شيءٍ من الحقيقة
"أنت تعلم أيضًا أنها ابنتي، لذلك، تغلبها على أحد ما يعني تغلبي عليه، ففي نهاية المطاف هي منِّي أنا، أم أنك خائف أن تهزمك؟ أوه"
أتبع والدها بعبثٍ أكثر، وقد أخذت منحنيات وجهه تعابير الاستفزاز.
'فعليًا أبي؟'
هي فكرت داخل رأسها، ثم أعادت انتباهها للوحة المقابلة لها، فضولها لم يكن ليسمح لها أن تذهب دون أن تأخذ جولة.
نظرت نحو والدها بأعينها تلك، ليبتسم هو ويجلسها في حُجره، هو علِم ما تريده، وقدم لها ذلك._________
كان ملكها في مربع لا يُحسد عليه، لم يبق لها إلا وزيرها، وفيلها، هي علمت بالفعل أنها خاسرة لا محالة، وأنها في خطوتها القادمة، إما أن يؤكل وزيرها فيحدث كش الملك ضدها، وإما أن يبقى وزيرها ويحدث كش الملك ضدها مباشرةً.
هي فقط استسلمت، رغباتها الداخلية كانت واضحة في عينيها الموجهتين نحو والدها
"سنلعب مجددًا غدًا فادا، ألستِ جائعة؟ إنها الثالثة عصرًا بالفعل، ويبدو أن أدولف يعتصر معدته من الجوع"
أردف والدها بقهقهة وهو ينظر ناحية ابنه من النافذة، حيث كان قد خرج قبل حوالي ١٥ دقيقة بعدما شعر بالضجر ورأى صديقه الآخر يلعب بالكرة عند فناء منزلهم.
نهض من مقعده ليحمل ابنته، ويتوجه ناحية المطبخ
"ماذا تودين على الغداء هاه؟ واسألي أدولف أيضًا، تعلمين أين هو"
بدأ بتجهيز المكونات الأساسية، هو يعلم أنه إن سألهم، فهم لن يجيبون إلا بالمعكرونة، لكنه يسألهم على أية حال.
في هذه الأوقات، يودُّ فقط، فقط لو كانت لديه امرأة تهتم باحتياجات طفليه، وتكمل ما هو ناقص، نفسيًا.
مهما فعل، ومهما رعاهم بإفراط، فدور الأم يحتاج امرأة يفيض فؤادها بالمشاعر والأحاسيس، وتحتمل روحها كل مكروه وسوء، لغايةٍ متفردة وواحدة، ألا وهي طفليه.
أكمل تجهيز الغداء مع قدوم طفليه، وطلب منهم ترتيب المائدة.
عقارب الساعة تشير على الثالثة والنصف، وهم ملتمِّين مقابل بعضهم، يعدون الثواني حتى يبدأ كبيرهم بالتذوق.
"حسنًا، يمكنكم البدء"
أردف سيمون بابتسامة تعتلي شفتيه، هو يألف هذه الأجواء، حقًا، يود لو أنها لا تنتهي، لكن..
في نهاية المطاف، لا شيء أبدي.
حتى وإن كان غداءً في بيتٍ متواضع.____
انتهى الجزء، رأيكم أعزائي؟
![](https://img.wattpad.com/cover/370470822-288-k8134.jpg)
أنت تقرأ
حركة البيدق || Pawn Move
Tarihi Kurguالنظرية السادسة عشر في الكونية البشرية، إن كان الآدميُّ عبقريًا، فلا ينبغي له تخط الحاجز الثخين لتكوينه العقلي، وإلا سيجد نفسه تائهًا في الجانب الآخر، جانب الجنون والاختبالِ.